رؤى النابلسي فتاة تبلغ من العمر 21 ربيعا.. تدرس حاليا الأدب الإنجليزي والدراسات الإعلامية فى جامعة ساسكس بالمملكة المتحدة.. فتحت عيناها مثلنا على الحادثة الإرهابية التى وقعت فى فرنسا، ورأت ما رأته أعيننا جميعا من تعاطف وصلوات من كل بقاع العالم على سقوط الضحايا الأبرياء.. لكنها لم تفعل مثلنا أو تقعد مثلنا أو لم تدر وجهها نحو قناة أخرى مثلنا لتشاهد ما جد من أخبار حول نكبة فرنسا. اتجهت الفتاة التى بلغت من السن الرشد ومن العقل شبه الكمال إلى موقع التواصل الإجتماعى الشهير "فيسبوك".. إلى صفحتها لتكتب منشورا باللغة الإنجليزية تأبينيا لضحايا فرنسا.. ولكنها فى نفس المنشور انتقدت نسيان العالم لما وقع من ضحايا فى لبنان وسوريا وفلسطين وفى إفريقيا. انتقدت النابلسي تناقض العالم وصمته على ما حدث من إرهاب فى أماكن متفرقة من العالم، لكن العالم لم يصمت حين مس الإرهاب فرنسا.. فكتبت رؤي تقول: "بقيت حتى وقت متأخر بعد أنباء عن هجمات باريس غير مصدقة.. ما حدث فى باريس شيء مروع، وقد استجاب المجتمع الدولي له وعنه كما هو متوقع، من خلال إظهار تضامنهم مع باريس" "ولكن في الليلة التي سبقت تلك الحادثة، انفجرت قنبلة في لبنان، مما أسفر عن مقتل 43 شخصا.. لم يُصل على ما حدث لنا أى أحد.. لم يُفكر فينا أحد.. لم يُدل عنا أي من قادة العالم بتصريحات في وقت متأخر من الليل.. لم يُغير أحد صورته الشخصية.. لم يكن هناك هاشتاج.. لم يكن هناك خيار "وضع علامة أنا آمن" عن طريق الفيسبوك.. "الصمت عادل" "قُتل 73 فلسطينيا من قبل إسرائيل في شهر أكتوبر وحده.. كان "الصمت عادلا".. وقتل نحو 100 شخص في انفجارات في مسيرة السلام في أنقرة الشهر الماضي، "الصمت عادل".. وقد قتل نحو 3500 شخص على الأقل في نيجيريا والكاميرون وتشاد والنيجر في الصراع هذا العام إنه "الصمت العادل".. "لماذا العالم بارد - على ما يبدو - فيما يعانيه الشرق الأوسط والشعوب الإفريقية". "ولكن ماذا عنا نحن؟ ألا نستحق أن نُنعى؟! ألسنا بشرا بما فيه الكفاية؟ هل نحن "عرب" جدا بالنسبة إليك؟!.. "لوننا أسود" جدا بالنسبة إليك؟!.. "بعيدين" جدا بالنسبة إليك؟!.. هل تجد أنه من المستحيل أن تتعاطف معنا بسبب لون بشرتنا؟.. هناك كلمة واحدة لذلك". انتهى جزء من منشور طويل لرؤى النابلسي، ولأنها تدرس الأدب الإنجليزى كانت لغتها الإنجليزية سهلة وبسيطة.. ولأنها من أصول عربية عرفت أن تعبر عن نكبة فلسطينولبنان وسوريا.. فأثار منشورها الغبار الكثيف من حوله وحصل على أكثر من 9 آلاف مشاركة وأكثر من 12 ألف إعجاب (دون لجان إلكترونية).. مما أثار أحقاد الناقمين على العرب والمسلمين وقدموا عدة بلاغات إلى فيسبوك فى المنشور.. مما جعل فيسبوك يحذفه من صفحة النابلسي، ثم أعاده مرة أخرى فى وقت لاحق واعتذر عن الخطأ.. واصفا إياه بأنه خطأ بشرى يمكن أن يحدث وسط آلاف البلاغات التى يتلقاها فيسبوك يوميا.. ومرة أخرى أثار حذف المنشور غبارا كثيفا وصل صداه إلى معظم بلاد العالم ونشر عن الحذف عدة مواقع عالمية مثل موقع "روسيا اليوم" الناطق بالإنجليزية. وقبل أن تكون صرخة النابلسي احراجا للعالم بإظهار عنصريته وتناقضاته و"صمته العادل" - على حد وصفها - تجاه تفجيراتنا وقضايانا وضحايانا.. كانت أيضا احراجا لنا نحن العرب، لأننا لا نستخدم تلك الشبكة الاجتماعية فى إيصال قضيتنا وفى إيصال صوتنا، فقط نستخدم فيسبوك للتعبير عن سخطنا وأحيانا كثيرة للتعبير عن سخافاتنا.. فنجلس على الشبكة نَسب بعضُنا البعض، ونُسفه بعضنا البعض، ونُخون، ونحقر، ثم ننشر تفاهات عن زواج الممثل كبير السن، والممثلة التى تشاهد أفلاما إباحية، والمذيعة التى تُحضر العفاريت وتصرفها.. ولا ننشر شيئا حقيقا يفيد ونستفيد منه. أما وقد أحرجتنا الفتاة العشرينية رؤى النابلسي Roua Naboulsi.. فليس أمامى ولا أمامنا نحن العرب إلا شكرها على أقل تقدير.. وتكريمها بعدة كلمات نرسلها إليها على صفحتها الشخصية على فيسسبوك لنكون من ضمن الداعمين لها.. فقط ابحث عن اسمها بالإنجليزية Roua Naboulsi على فيسبوك، وقم بمشاركة منشورها، أو التعليق عليه.. ولنفعل شيئا إيجابيا بعيدا عن السخافات والهيافات ومصمة الشفاة.. لنغير أنفسنا ونبدأ من عند رؤي. [email protected] لمزيد من مقالات أحمد سعيد طنطاوى