"ضربة قاضية".. هكذا وصف أنصار رئيس ساحل العاج الحسن واتارا فوزه الساحق ومن الجولة الأولى بفترة ولاية ثانية مدتها خمس سنوات فى الانتخابات الرئاسية، والتى حصل فيها واتارا على أكثر من 80% من الأصوات بواقع مشاركة بلغت 54٫63%. ويبدو أن حظوظ واتارا كانت وافرة بالفوز وذلك بعد أن نجح الخبير الاقتصادي الذى عمل سابقا في صندوق النقد الدولى بواشنطن فى توظيف عالم الأرقام ليصنع مسيرة سياسية ويحقق نتائج جيدة، حيث يقول عنه أنصاره إنه يشكل نقطة التقاطع المثلى بين عالمي الاقتصاد والسياسة، وأن تكوينه الأكاديمي وخبراته الدولية فتحا أمامه أبواب القصر الرئاسى فى العاصمة "ياموسوكرو" على مصراعيها. كفاءة وخبرة "واتارا" ( 73 عاما) ربما يظهران جليا فى مدى الترحيب الدولى الواسع بفوزه في الانتخابات, وبدا هذا جليا فى تصريحات رئيسة مفوضية الاتحاد الأفريقي دلاميني زوما حينما قالت إن إعادة إنتخاب واتارا يعزز فرص السلام والاستقرار السياسي فى ساحل العاج. أما في الداخل فقد تباينت الآراء حول أحقية رجل الاقتصاد فى قيادة البلاد لولاية ثانية، فبينما يعتبره مؤيدوه الرجل المناسب لإنقاذ ساحل العاج من الانقسام بين الشمال (المسلم) والجنوب (المسيحي)، يراه معارضوه مجرد شخص انتهازي قاد البلاد إلى الحرب لخدمة طموحاته الشخصية. غير أنه بين هذا وذاك لا يختلف الكثيرون على أن خبرات واتارا السياسية والإقتصادية مكنته منذ توليه السلطة في البلاد في 6 مايو عام 2011 من إيجاد الحلول لجملة من التحديات التي تواجه أكبر دولة منتجة للكاكاو فى العالم، والتى تمثلت فى إعادة الأمن المفقود بعد أحداث نوفمبر عام 2010 أى بعد إعلان نتائج الانتخابات الرئاسية التي أدت إلى فوز واتارا على منافسه فى الانتخابات, الرئيس السابق لوران جباجبو. فقد اندلعت مواجهات دامية بين القوات المسلحة الإيفوارية وقوات الدفاع والأمن التابعة للرئيس السابق جباجبو الذي رفض الاعتراف بالنتائج، واستدعى رئيس المجلس الدستوري الذى أعلن له عن نتائج مخالفة لما أعلنته لجنة الانتخابات، وأقره فائزا بدورة رئاسية جديدة، فعادت البلاد إلى دوامة العنف ثانية استمرت ما يزيد من أربعة أشهر وخلفت خسائر مادية وبشرية, حيث بلغ عدد القتلى حسب الإحصائيات الرسمية أكثر من 3 آلاف شخص, ورغم أن المجتمع الدولي بأسره اعترف بالحسن واتارا رئيسا منتخبا لساحل العاج، إلا أن "جباجبو" ظل يقاوم حتى اللحظات الأخيرة، حتى اعتقل مع زوجته ورفيقة دربه في النضال "سيمون جباجبو" من قبل القوات الموالية للحسن واتارا مدعومة من طرف قوات فرنسية خاصة, وتم حبسه فى أحد سجون لاهاى بهولندا، مقر المحكمة الجنائية الدولية، على خلفية اتهامه ب"ارتكاب جرائم ضد الإنسانية" خلال أزمة ما بعد انتخابات 2010. لم يكن الأمن فقط من أولويات مهام "واتارا" بل أعطى إهتماما كبيرا للعمل على تحقيق المصالحة الوطنية وإعادة تشكيل جيش وطني قوى ومحاربة البطالة والعمل على رفع مستويات التنمية, كل هذا لم يكن ليتحقق لولا السيرة الذاتية القوية التى يتمتع بها "واتارا" أو "الصخرة" كما يلقبه مؤيدوه, والتى دفعت بالرئيس المؤسس لكوت ديفوار، فيليكس هوفوت بوانييه، إلى اللجوء إلى واتارا فى أواخر حكمه لتنفيذ إصلاحات اقتصادية لمواجهة الأزمة التي هزت البلاد في ذلك الحين، وعينه، بداية من نوفمبر عام 1990، رئيسا لوزرائه، وهي الوظيفة التي بقي فيها واتارا حتى وفاة بوانييه في 1993. غير أن سقف طموح واتارا كان أكبر من هذا المنصب, ولذلك سعي في عام 1995 إلى الترشح فى انتخابات الرئاسة غير أنه فشل في ذلك، حيث إستغل معارضوه قانونا يشترط أن يكون رئيس البلاد إيفواريا أبا عن جد، وهذا ما قالوا إنه لا يتوفر فى واتارا "ذو الأصول البوركينية", وعقب 5 سنوات قضاها في صندوق النقد الدولى، وتحديدا فى 30 يوليو 1999، عاد الخبير الاقتصادى إلى كوت ديفوار، ليتم انتخابه رئيسا ل "تجمع الجمهوريين"، الحزب الوسطى الذي تأسس قبل 5 سنوات، قبل أن يعلن رسميا ترشحه لانتخابات الرئاسة في أكتوبر عام 2000, إلا أن جذوره "المشكوك فيها"، بحسب المحكمة العليا في كوت ديفوار، أقصته مجددا من السباق الرئاسي الذى انتهى بفوز خصمه لوران جباجبو، ودخلت البلاد بعدها في أتون حرب أهلية استدعت تدخلا دوليا. صحيح ان إنجازات الحسن واتارا لا تخطئها عين المواطن الإيفواري, يكفي أنه استطاع أن يخرج بالبلاد من الحرب الأهلية ليضعها على أول طريق الديمقراطية من خلال إجراء انتخابات "بعطر السلام" كما كان يتمنى, لكن مازال هناك الكثير من التحديات داخليا وخارجيا التى ستختبر مدى صلابة "الصخرة" واتارا.