فى توقيت بالغ الدلالة استقبل الرئيس الروسى فلاديمير بوتين اثنين من أبرز أقطاب منطقة الخليج .. ولى ولى عهد المملكة العربية السعودية وولى عهد ابو ظبى ، ليؤكد لهما ثبات موقف بلاده من الاستمرار فى العمليات العسكرية الجوية فى سوريا والالتزام بدعم الشرعية هناك، وضرورة التحول نحو الحوار بما يتفق مع بيان جنيف 2012. ورغم كل المحاذير السياسية والإعلامية كشف سيرجى لافروف وزير الخارجية الروسية عن الموافقة الضمنية من الجانب السعودى على التعاون العسكري، وإن عاد الى محاولات التركيز على ضرورة رحيل الرئيس السورى بشار الأسد. «كيف يستطيع فلاديمير بوتين الذى يقود دولة باقتصاد متدهور وقوات مسلحة من الدرجة الثانية، التحكم فى رسم مسار الأحداث الجيوسياسية على هذا النحو؟ .. هو دوما صاحب اليد العليا دائماً. وهو ينجح دائما فى استخدام ما بحوزته من أوراق بمهارة استثنائية، ويعرف تماماً ما يريد» . هذا ما فاجأت به الأوساط السياسية والإعلامية كونداليزا رايس التى سبق وتولت وزارة الخارجية الأمريكية وأمانة مجلس الأمن القومى الأمريكي، والمعروفة بنظريتها حول «الفوضى الخلاقة» فى المنطقة العربية، فى مقالها الذى نشرته بالتعاون مع وزير الدفاع الأمريكى السابق روبرت جيتس، فى صحيفة «واشنطن بوست» وتعترف فيه للرئيس بوتين بالحنكة السياسية . قد يكون ما قالته رايس وزميلها جيتس مزعجا للكثيرين من أقطاب الإدارة الامريكية وخصوم بوتين فى الساحتين الدولية والإقليمية، لكنه «حق فى بعض جوانبه يراد به باطل»، تؤكده مفردات الواقع الراهن بغض النظر عن تباين وجهات النظر تجاه ما يقوم به الرئيس الروسى الذى لا يألو جهدا لتوضيح ما يريد وما يفعل. وكان الرئيس بوتين قد استبق لقاءيه الآخيرين مع ولى ولى العهد السعودى الأمير محمد بن سلمان والشيخ محمد بن زايد ولى عهد أبو ظبى فى منتجع سوتشى بتصريحات الى فلاديمير سولوفيوف احد أبرز المعلقين القريبين من الكرملين على شاشة قناة «روسيا-1» الرسمية، كشف فيها عن الهدف الرئيسى من العملية العسكرية الروسية فى سوريا بقوله «أنها تتركز فى دعم السلطة الشرعية وخلق الظروف الملائمة للبحث عن التنازلات السياسية المتبادلة». وقال بوتين «إن ما تقوم به القوات الروسية المسلحة فى سوريا هو نتاج إعداد دقيق. وان كل ما يجرى على الأرض وفى الجو ليس مجرد عمليات عفوية بل هو تنفيذ لخطط جرى تحديدها سلفا» بينما أشار الى انه كشف عن بعض ملامحها مع العديد من زعماء الدول الأجنبية بينما طرح عليهم امكان التعاون فى العمل ضد الإرهاب فى المنطقة. وأضاف بوتين «ان العملية البرية امر مستبعد ، ومهما كان الامر فاننا لا ننوى الإقدام على ذلك وهو ما يعلمه اصدقاؤنا السوريون». ومضى الرئيس الروسى ليقول «انه اذا ما أبدى الجيش السورى قدراته واستعداده للتصدى للإرهاب، واذا ما كانت السلطة تستطيع ذلك، فان فرص تحقيق التنازلات السياسية المتبادلة ستكون اكثر»، وهو ما سبق وكشف عنه الكرملين فيما قاله دميترى بيسكوف الناطق الرسمى باسمه حول ان مدة العملية العسكرية الروسية ترتبط بمدى قدرات الجيش السورى على السيطرة على الأوضاع فى سوريا والتخلص من جيوب الإرهاب هناك. واذ قال انه كان ولا يزال يدرك مدى احتمالات وقوع الاعمال الإرهابية سواء قبل العملية العسكرية الروسية او بعدها، اكد بوتين ضرورة استباق الاحداث والتركيز على الأعمال الوقائية والاستباقية. أما عما قيل بشأن عدم وصول أربعة من الصواريخ التى اطلقتها السفن الروسية من بحر قزوين الى الاهداف المحددة من مواقع «داعش» فى سوريا وسقوطها فى ايران، قال بوتين انه يعلم جيدا ان المخابرات المركزية الأمريكية من اقوى اجهزة المخابرات فى العالم، لكنه على يقين ايضا من انها لا تعلم كل شئ ولا يمكن ان تعلم كل شيء. . وفى ذات الإطار الذى سبق وحدده لمعالجة الازمة السورية انطلاقا من ثوابت السياسة الروسية تجاه هذه المشكلة، التقى الرئيس فلاديمير بوتين كلا من ولى ولى العهد السعودى وزير الدفاع الامير محمد بن سلمان والشيخ محمد بن زايد ولى عهد ابو ظبي. وتقول مصادر الكرملين ان بوتين استهل حديثه مع ضيفه السعودى بقوله إنه يدرك مدى القلق الذى يساور المملكة العربية السعودية من جراء الاوضاع الراهنة فى سوريا، فيما اكد موقف روسيا الرافض لاحتمالات اقامة ما وصفه ب«الخلافة الارهابية» هناك. وقال سيرجى لافروف فى عقب اللقاء الموسع ان الحديث تركز فى معظمه حول الاوضاع فى سوريا. واضاف ان بلاده تتعاون مع السعودية بشأن مشكلة الازمة السورية على مدى اعوام عديدة، وان الرئيس بوتين أعرب عن تفهمه للقلق الذى يساورها بهذا الصدد. وأشار الوزير الروسى ان المباحثات وأكدت توافق اهداف الجانبين حول الشأن السوري، بينما كشف عما اقترحه بوتين حول التعاون مع العسكريين السعوديين فى العمليات الجوية الروسية للمزيد من التأكد من حقيقة الاهداف التى يركز عليها العسكريون الروس وممثلو اجهزة الأمن والمخابرات ضد «داعش» و«جبهة النصرة« والتنظيمات الإرهابية الاخري، وهو ما لقى قبولا من جانب ولى ولى العهد الامير محمد بن سلمان حسب تصريحات لافروف. ونقلت وكالة انباء «سبوتنيك» الروسية عن عادل الجبير وزير الخارجية السعودى ما قاله حول أن بلاده يساورها «بعض القلق إزاء العمليات الجوية الروسية فى سوريا، إلا أن موسكو أكدت أن هدفها »الأساسى هو محاربة تنظيم «الدولة الإسلامية» ( داعش) . وأعرب الجبير عن رغبة الرياض فى تحسين العلاقات مع موسكو، وفى التوصل لأرضية مشتركة تحفظ وحدة الدولة السورية، بينما اضاف أن الرياض فى نظرتها إلى سبل حل الأزمة السورية لا تزال متمسكة برحيل الرئيس السوري ودعم المعارضة السورية المعتدلة. وقال الجبير« إن المملكة ستواصل العمل مع روسيا فى بلورة موقف موحد على أساس بيان جنيف، من أجل الحفاظ على وحدة الدولة السورية». وكشف وزير الخارجية السعودية عن لقاء مرتقب يجمع وزيرى خارجية البلدين فى غضون الأسبوع الحالي. ولعل الاطراف العربية التى تنطلق فى سياساتها من تصورات مغايرة لمواقف الكرملين تجاه الاوضاع فى سوريا والموقف من مكافحة تنظيم «داعش» و«جبهة النصرة» وغيرها من التنظيمات الارهابية صارت تدرك اليوم واكثر من أى وقت مضى مدى إصرار الكرملين على المضى فى سياساته تجاه دعم الرئيس بشار الأسد ، وما يحققه من نجاح لاستمالة الكثير من الاطراف الدولية ومنها الغربية التى عادت وكما اشرنا من موسكو فى اكثر من تقرير، لتعترف بعدم جدوى الإصرار على رحيل الرئيس السورى وحتى التوصل الى اتفاق بين المعارضة والحكومة السورية الشرعية والتحرك قُدُما نحو تنفيذ بيان جنيف الصادر فى 30 يونيو 2012. ومن هذا المنظور يبدو ترحيب موسكو واضحا باستقبال ممثلى البلدان العربية والغربية ممن يتقاطرون على روسيا لاستيضاح أبعاد الموقف الروسى ومعرفة المدى الذى يمكن ان يذهب اليه الكرملين فى جنوحه نحو استخدام القوة العسكرية لحسم الموقف الى جانب الشرعية الدستورية فى سوريا ولا سيما على ضوء ما تحققه القوات الروسية من نجاحات «مذهلة». وكانت المصادر العسكرية الروسية قد كشفت عن ان منظومات الصواريخ المجنحة من طراز «كاليبر ان كا» التى اطلقتها السفن الروسية الموجودة جنوب غربى بحر قزوين يجرى استخدامها فى العمليات العسكرية لاول مرة فى التاريخ القتالى للقوات الروسية. واشارت مصادر وزارة الدفاع الى ان هذه الصواريخ يبلغ مداها حتى الفى كم ويمكن توجيهها فى مسارات متعرجة بطول المدى وحتى اصابة الهدف بدقة لا يتجاوز معها الخطأ 2-3 م. واشارت ايضا الى استخدام «الأسلحة الذكية وهى قنابل وصواريخ موجهة ذاتياً مثل قنبلة «كا أ بي-500» التى يتم توجيهها باستخدام الأقمار الصناعية وجهاز الليزر وجهاز التليفزيون القادر على تمييز معالم الأرض. ويمكن تزويد هذه القنبلة بالمحرك».واضافت المصادر ان «صاروخ إكس-29 إل» يحمل رأسا حربيا ضخما يشكل نصف وزنه، ويندفع إلى الهدف بسرعة تفوق سرعة الصوت مرتين، ويستطيع اختراق عمق 1 متر من الخرسانة المسلحة بعد أن يخترق عمق 3 أمتار من التربة، بينما يتم توجيهه باستخدام الليزر. وكشفت المصادر الروسية كذلك عن القنابل دقيقة التصويب التى يمكن توجيهها بالأقمار الصناعية لقصف البنى التحتية للمجموعات الإرهابية ومنها قنبلة «كا أ بي-500». وقالت «إن هذه القنبلة تصيب هدفها بمنتهى الدقة، ولا يمكن أن تنحرف عن هدفها بما يزيد على 2 متر مهما تكن الظروف الجوية». وكان أندريه كارتوبولوف رئيس إدارة العمليات فى هيئة اركان القوات المسلحة الروسية قد اكد «أن مسار الصواريخ التى أطلقتها سفن أسطول بحر قزوين الروسى نحو أهداف فى سوريا مرت فوق مناطق غير مأهولة، ضمانا لأمن السكان المدنيين، بينما جرى الاتفاق حول هذه المسارات فى وقت سابق مع شركاء روسيا ومنها العراقوايران» .