بدلا من لعبة القط والفأر بين التجار والحكومة ومحاولات الضغط المستمرة لفتح باب الاستيراد سداح مداح كما يريدون أتمني لو طبقت الحكومة ما فعله رئيس الشيشان رمضان قاديروف حينما وعد بتطليق زوجته في حال وجد علي مائدته منتجات غذائية مصنوعة خارج جمهورية الشيشان إن كانت البلاد تنتج مثلها, وقالت وكالة أنباء سبوتنك الروسية, إن قاديروف أعلن ذلك خلال زيارته مصنعا للمواد الغذائية الخاصة بالأطفال في جودرميس, حيث من المقرر أن ينتج هذا المصنع المواد الغذائية اللازمة لأطفال الشيشان, وقال: يمكننا القول بثقة إننا نعمل علي استبدال الواردات بنجاح, ولن يكون علي مائدتي منتجات غذائية أجنبية الصنع مادامت جمهورية الشيشان تنتج ما يماثلها. يحدث هذا في الشيشان في وقت يمارس فيه التجار هنا في مصر أبشع أنواع الضغوط علي الحكومة لفتح باب الاستيراد بشكل عشوائي علي حساب استنزاف العملة الصعبة والتأثير علي قطاعات أخري مثل السلع الإستراتيجية التي تهم السواد الأعظم من الشعب. الحكومة من جانبها تكتفي بموقف المتفرج, وتترك هشام رامز وحده في مواجهة العاصفة مما جعله يرغب في ترك موقعه ليتجنب الابتزاز والضغوط التي تمارسها حفنة من التجار والمضاربين علي أسعار الدولار والراغبين في تعويمه وفتح أبواب الاستيراد علي مصراعيها ولا يهمهم أن تنفجر الأسعار, ويتحول الجنيه إلي ليرة سورية لا قيمة لها, فالمهم مكاسبهم وحصد الملايين علي حساب الشعب. لقد أسهمت السياسة غير الرشيدة للاستيراد في استنزاف الاحتياطي النقدي من العملات الأجنبية, وطبقا لبيانات البنك المركزي, فقد تراجع الاحتياطي بنحو176 مليار دولار خلال شهر سبتمبر الماضي, حيث بلغ نحو1633 مليار دولار مقابل18 مليار دولار في أغسطس الماضي بنسبة انخفاض9.7%, كما أنه تراجع في الشهر قبل الماضي بنحو500 مليون دولار مسجلا18 مليار دولار مقابل185 مليار دولار في يوليو الماضي. زيارة سريعة لأي مركز تجاري تكشف المأساة التي يتعرض لها الاقتصاد المصري, حيث يتعرض لحالة إغراق واضحة وصريحة بدءا من صناعة الملابس فخر الصناعات المصرية مرورا بصناعة الأثاث والمنتجات المعدنية والزجاجية وغيرها وانتهاء بالصناعات الغذائية, حتي أصبحنا نستورد العصير والفول المدمس. كارثة حقيقية أدت إلي غلق العديد من المصانع وتشريد آلاف الأيدي العاملة المصرية بسبب عدم القدرة علي منافسة المنتجات المستوردة التي يقع معظمها تحت بند النفايات بسبب عدم تطبيق المواصفات القياسية علي السلع المستوردة, فأصبح المنتج المحلي يدخل في منافسة غير عادلة مع تلك المنتجات المستوردة لأنها منتجات رديئة الصنع لا تخضع للمواصفات القياسية, وأسعارها متدنية للغاية, بالإضافة إلي تلال السلع المهربة التي تدخل البلاد دون المرور علي المنافذ الشرعية والجمركية. بعض التجار يرفعون شعار الاتفاقيات الدولية خاصة اتفاقية الجات, وكأنهم تحولوا إلي دول أجنبية داخل الدولة, فهم لا يريدون جمارك أو قواعد أو مواصفات قياسية, وإنما يريدونها سداح مداح, ولا يهم النتيجة بعد ذلك, وفي رأيي أن المشكلة ليست في بعض التجار ولا في أصواتهم العالية, وإنما المشكلة في الحكومة التي تكتفي بالصمت واتخاذ التدابير السرية وكأنهم يرتكبون أعمالا مسيئة في وقت يجب فيه اتخاذ الإجراءات اللازمة العلنية لإنقاذ الصناعة المصرية من الاندثار في مواجهة هجمات الاستيراد والعشوائية, حيث أعطت اتفاقية الجات وكل الاتفاقيات الدولية الحق للدول في فرض الرسوم الجمركية, وحماية صناعتها التراثية, ووضع المواصفات القياسية للسلع المستوردة بما يضمن تهيئة المناخ الآمن للصناعة المحلية. يحسب لحكومة المهندس إبراهيم محلب إصدارها قانون تفضيل المنتجات الوطنية وإصدار لائحته التنفيذية, وعلي حكومة المهندس شريف إسماعيل إصدار القرارات الخاصة بتفعيل الرسوم الجمركية, وقوانين المواصفات القياسية للسلع المستوردة من أجل حماية الصناعة الوطنية من الاندثار, ومنع العمالة المصرية من التشرد والبطالة... فهل تفعل الحكومة ذلك؟ أم تترك محافظ البنك المركزي وحده في مواجهة العاصفة؟. لمزيد من مقالات عبدالمحسن سلامة