كأن رفع أسعار استهلاك الكهرباء للعام الثانى على التوالى لا يكفي! المواطن المصرى تلقى صاغرا إعلان الحكومة خلال العام الماضى عن جداول لرفع أسعار استهلاك الكهرباء على مدى خمس سنوات، وامتثل صابرا لدفع الزيادات التى تتحدد فى بداية كل سنة مالية جديدة. الشهادة لله وزير الكهرباء حرص على الإفصاح والشرح التفصيلى لشرائح الاستهلاك المختلفة والأسعار المحددة لكل منها، وتأكيد الالتزام بتعليمات السيد رئيس الجمهورية بالإبقاء على أسعار الشرائح الثلاث الدنيا دون تغيير، وبأنه قد تم تحميل فرق الزيادات المطلوبة على القادرين أصحاب الشرائح العليا للاستهلاك. التفاصيل الواردة فى تصريحات وزير الكهرباء أكدت ما نكرره دوما من أن الشركة القابضة للكهرباء لا تدفع للفقراء شيئا من جيبها، وأن دعم الكهرباء الممنوح لمحدودى الدخل، يتحمله القادرون أصحاب شرائح الاستهلاك العالية. إلا أنه رغم كل التصريحات الرسمية بالالتزام بتعليمات التخفيف عن أصحاب الدخول المنخفضة، فالمؤكد أن الحكومة قد وجدت وسيلة خلفية للالتفاف على تلك التعليمات، وجباية مبالغ إضافية من المستهلكين، من خلال فرض إتاوة إجبارية على فواتير الكهرباء تحت مسمى مقابل خدمة عملاء! الحكاية أن رئيس مجلس الوزراء السابق المهندس ابراهيم محلب أصدر قرارا بتعديل أسعار بيع الطاقة الكهربائية لعام 2015/2016، تم نشره فى الجريدة الرسمية يوم 19 أغسطس الماضى. نفس القرار الذى يحمل رقم 2259 يحدد إتاوة إجبارية يتحملها المواطن لكل شريحة من شرائح الاستهلاك، تتراوح بين جنيه واحد عند أدنى شريحة و 20 جنيها لأعلى شريحة. الأمر الأعجب أنه إذا كان رقم الاستهلاك صفرا فإن مبلغ الإتاوة يكون ستة جنيهات! أى أنك حتى إذا كنت مسافرا مثلا وشقتك مغلقة ولم تستهلك أى كهرباء، فإن هذا لن يعفيك من دفع الإتاوة المقررة! هل أصبح المواطن المصرى ملطشة؟ ألا تكفى إتاوة رسوم النظافة التى يدفعها مكرها على فواتير الكهرباء بينما تتراكم أكوام القمامة أمام بيته وتحت نافذته وفى كل شارع يمر به؟ لقد تحملنا زيادات أسعار الكهرباء رغم أنه لا توجد أى بيانات معلنة من الشركة القابضة توضح التكلفة الفعلية لإنتاج كيلووات الكهرباء، وتثبت لنا أنه يقل عن متوسط السعر الذى يدفعه جموع المشتركين من جماهير الشعب المصري، و لا يوجد أى بيانات أو مؤشرات معلنة توضح لنا مدى كفاءة الشركة القابضة وشركاتها التابعة وكفاءة معداتها ومحطات توليد الكهرباء التابعة لها وأثر ذلك كله على تكاليف الإنتاج. لا يوجد لدينا أى بيانات أو مؤشرات عن نسبة ما يمثله بند الأجور والمكافآت ضمن تكلفة إنتاج الكهرباء. كل ما نعرفه أن العاملين فى قطاع الكهرباء يعدون من الفئات المحظوظة فى الدولة التى تحصل على أجور وحوافز ومكافآت مميزة. هل يتم تحميلنا بإتاوة إجبارية لتمويل تلك الحوافز والمكافآت؟ تقرير الجهاز المركزى للمحاسبات لعام 2014 يقول إن المتأخرات المستحقة لشركات الكهرباء طرف الجهات الحكومية والهيئات الاقتصادية وشركات قطاع الأعمال العام والقطاع العام وشركات مياه الشرب والصرف الصحى قد بلغت نحو 10 مليارات جنيه، فهل المطلوب تعويض تلك المبالغ من جيوب المواطنين؟ بدلا من فرض إتاوة على المواطن كان يتعين على الشركة القابضة للكهرباء أن تركز جهودها على تحصيل مستحقاتها لدى المؤسسات المختلفة، والبدء فى تنفيذ برنامج شامل للإصلاح المالى والإدارى والفني، يتم فيه تحقيق ديناميكية الإدارة وتحسين الكفاءة الفنية ورفع إنتاجية العاملين على النحو الذى يؤدى إلى خفض تكلفة الإنتاج. بالله عليكم إذا كان هذا هو ما تفعله الدولة بالمواطن فما الذى يمكن أن نتوقعه من القطاع الخاص؟ التقرير السنوى لهيئة تنمية الطاقة الجديدة والمتجددة، التابعة لوزارة الكهرباء يقول إن الدولة ستعتمد على القطاع الخاص فى توليد ثلثى الإنتاج المستهدف للكهرباء من طاقة الرياح والطاقة الشمسية، وهذا يعنى أن المستهدف أن يصل نصيب القطاع الخاص إلى نحو 14% من إجمالى إنتاج الطاقة ككل. الأسعار التى سبق أن أعلنتها الحكومة لشراء الكهرباء من القطاع الخاص المحلى والأجنبى تتراوح بين 85 قرشا و 102.5 قرش للكيلووات للكهرباء المولدة من الطاقة الشمسية، كما تتراوح بين 68.4 قرشا و83 قرشا للكهرباء المولدة من طاقة الرياح. الحكومة أعلنت أن المستهلكين سيتحملون تلك التكلفة بالكامل، مع استثناء الشرائح الثلاثة الدنيا للاستهلاك المنزلي، والشريحة الأولى للاستهلاك التجاري، وآلات الرى للزراعة. وهذا يعنى بالطبع رفع فاتورة الكهرباء للمستهلكين بالقدر الذى تتوسع فيه الدولة فى شراء الكهرباء من مشروعات القطاع الخاص. الحكومة أعلنت ايضا أنه فى حالة قيام المستثمر ببيع الكهرباء مباشرة للمستهلكين فإن سعر البيع يتحدد وفقا للعقد المبرم بينهما، دون أى تدخل من الدولة. وحيث إننا اكتوينا بأسعار القطاع الخاص فى إيجارات الأراضى الزراعية، وإيجارات المساكن الجديدة، ومصروفات المدارس الخاصة، وتكاليف العلاج فى العيادات والمستشفيات الخاصة، فضلا عن أسعار الأسمنت وحديد التسليح والسلع الغذائية، وتعريفة الميكروباص والتوك توك، فهل يعنى ذلك أن علينا أن نستعد للمزيد من الارتفاعات فى فواتير الكهرباء والمزيد من الإتاوات الإجبارية؟ يقولون لنا إن لدينا جهازا لحماية المستهلك. ونتعجب لماذا لا نسمع أبدا صوت ذلك الجهاز؟ لماذا لا نشعر أبدا بأنه قادر أو فعال؟ هل كل الهدف من إنشائه هو استكمال الإيهام بوجود الآليات والمؤسسات التى تتطلبها الإدارة الرشيدة لاقتصاد السوق؟ لمزيد من مقالات د. سلوى العنترى