إنتاجنا من الكهرباء لا يكفى لتغطية احتياجات الاستهلاك المنزلى واحتياجات المصانع والمتاجر وقطاعات النشاط المختلفة. التجربة المؤلمة لتكرار انقطاع التيار الكهربائى وامتداد ساعاته خلال الصيف الماضى اضطرت الحكومة للاعتراف بحقيقة المشكلة التى تتمثل فى تداعى شبكة محطات توليد الكهرباء، و نقص المواد البترولية اللازمة لتشغيل تلك المحطات بطاقتها الكاملة، بعد أن صارت مصر مستوردا صافيا للمنتجات البترولية. لمواجهة النقص فى إنتاج الكهرباء أعلنت الحكومة عن خطط لبناء محطات توليد كهرباء جديدة، والالتزام بتنفيذ برامج الصيانة للمحطات القائمة، كما أعلنت عن فتح المجال أمام رأس المال الخاص المحلى والأجنبى لتوليد الكهرباء من طاقة الرياح والطاقة الشمسية. التقرير السنوى لهيئة تنمية الطاقة الجديدة والمتجددة، التابعة لوزارة الكهرباء يقول إن الدولة ستعتمد على القطاع الخاص فى توليد ثلثى الإنتاج المستهدف للكهرباء من تلك المصادر الجديدة. من المؤكد أنه يتعين الترحيب، فى ظل ظروف الأزمة الحالية، بكل إستراتيجية للطاقة تقوم على استغلال جميع إمكانياتنا المحلية إلى حدها الأقصي، خاصة فيما يتعلق بطاقة الرياح والطاقة الشمسية اللتين تمثلان مصدرا لطاقة نظيفة متوافرة ومتجددة ولا يتهددها النفاد. إلا أنه عندما يتعلق الأمر بتوفير خدمة أساسية مثل الكهرباء للمواطنين وقطاعات النشاط فلابد أن نتساءل عن الشروط التى سيتم فى إطارها إنتاج وتوزيع تلك الكهرباء وتكلفة الفواتير التى سندفعها. ففى إطار سعيها إلى اجتذاب القطاع الخاص المحلى والأجنبى للاستثمار فى مشروعات توليد الكهرباء من الرياح والطاقة الشمسية، أعلنت الحكومة عن حزمة من الحوافز للمستثمرين يتمثل أهمها فى قروض ميسرة توفرها وزارة المالية للمشروعات المحلية بأسعار فائدة تتراوح بين 4% للمشروعات الصغيرة و 8% للمشروعات المتوسطة، وخفض الجمارك على كل معدات ومهمات الطاقة المتجددة إلى 2% فقط، تدفع بالعملة المحلية، وتوفير الأراضى لمشروعات إنتاج الكهرباء من الرياح بأسلوب حق الانتفاع بمقابل لا يزيد على 2% من الطاقة المنتجة سنويا أو قيمتها نقدا، على أن تقوم الدولة بإجراء التجهيزات والدراسات الضرورية لإقامة المشروعات بتلك الأراضي. كما أعلنت الحكومة استعدادها لإبرام اتفاقات لشراء الطاقة المنتجة من مشروعات القطاع الخاص لمدة تتراوح بين 20 و 25 سنة بأسعار تكفل عائدا مجزيا للمستثمر. الحكومة أعلنت أن العلاقة بينها وبين مشروعات القطاع الخاص المولدة للكهرباء يمكن أن تتخذ أشكالا متعددة، فيمكن أن تقوم مشروعات القطاع الخاص بإنتاج الكهرباء اللازمة لنشاطها، وتوفر بذلك الطاقة المماثلة التى كانت ستأخذها من الشبكة العامة للدولة، كما يمكن أن يقوم القطاع الخاص بإنتاج الكهرباء وبيعها للحكومة كى تتولى هى توزيعها وبيعها للمواطنين، أو يسمح للقطاع الخاص بإنتاج وبيع الكهرباء مباشرة للمستهلكين، ونقلها للأماكن المختلفة من خلال شركات نقل الكهرباء التابعة للدولة. أما عن الأسعار التى ستشترى بها الدولة الكهرباء من القطاع الخاص المحلى والأجنبى فإنها سوف تتراوح، طبقا لما أعلنه بالفعل وزير الكهرباء خلال شهر سبتمبر الماضي، بين 85 قرشا و 102.5 قرش للكيلوات للكهرباء المولدة من الطاقة الشمسية، كما تتراوح بين 68.4قرش و83 قرشا للكهرباء المولدة من طاقة الرياح. وأعلنت الحكومة أنها ستحمل تلك التكلفة بالكامل للمستهلكين، مع استثناء الشرائح الثلاث الدنيا للاستهلاك المنزلي، والشريحة الأولى للاستهلاك التجاري، وآلات الرى للزراعة. والسؤال الذى لا بد أن يتبادر إلى الذهن، إذا كانت الحكومة ستقوم بشراء الكهرباء من القطاع الخاص بتلك الأسعار المرتفعة كيف سيتحمل المواطنون والمشروعات الصغيرة تلك القفزة فى فواتير استهلاك الكهرباء؟ وما الموقف فى المواقع أو الأقاليم التى قد ينفرد القطاع الخاص المحلى أو الأجنبى بتوصيل وبيع الكهرباء فيها للمواطنين والمشروعات؟ من سيحدد السعر وسقف التكلفة؟ ثم ما هو المقابل الذى سنحصل عليه كدولة وكمواطنين نظير الدعم المقدم للمستثمرين فى صورة قروض ميسرة وأراض رخيصة وجمارك مخفضة واستخدام لشركات نقل الكهرباء المملوكة للدولة، مادام هذا الدعم لن يؤدى لتخفيض تكلفة الخدمة ؟ والسؤال الثانى مادام موقف المحطات المملوكة للدولة التى تقوم حاليا بتوليد الكهرباء من الرياح مثل محطة الزعفرانة، هل ستستمر الحكومة فى شراء الكهرباء منها بسعر 17 قرشا للكيلو وات بينما تشترى من القطاع الخاص بسعر 68 قرشا، فتكون النتيجة بعد بضع سنوات إعادة الاسطوانة المشروخة عن فشل القطاع العام وضرورة التخلص مما يحمله للدولة من خسائر وطرحه للخصخصة؟ لا بد وأن تلتزم الدولة بأن تكون هى المورد النهائى لخدمة الكهرباء وهى التى تقوم بالبيع للمواطنين والمشروعات. ولا بد أن تحدد أسعار البيع بحيث يتم توسيع الشرائح الدنيا ذات السعر المنخفض إلى المستوى الذى يكفى لاحتياجات الاستهلاك الآدمي، ويحمل الفرق على شرائح الاستهلاك العليا التى تقترن عادة بالدخول المرتفعة. لابد من توحيد السعر الذى تشترى به الحكومة كهرباء الرياح والطاقة الشمسية من القطاعين العام والخاص لتوحيد أسس المنافسة ومعايير الحكم على الكفاءة. أما إذا أصرت الحكومة على شراء الكهرباء المولدة من المشروعات العامة بأسعار منخفضة فيتعين الإعلان فى ميزانية كل مشروع عن حجم التخفيض فى إيراداته نتيجة تلك الأسعار، بحيث يتسنى أخذ هذا الأثر فى الاعتبار عند تقييم مدى كفاءة المشروع ومقارنته بالمشروعات الخاصة. نريد قطاعا عاما كفؤا وقادرا على المنافسة، ولكننا أيضا بكل تأكيد نرفض العودة لسياسة التخسير المتعمد ثم اتخاذه ذريعة للخصخصة. لمزيد من مقالات د. سلوى العنترى