كيف لي أن انسي ما حييت رحلتنا مع الرئيس الجزائري الراحل أحمد بن بيلا منذ عدة سنوات من سوريا إلي لبنان عبر الطريق العسكري حين توقفت السيارة عند نقاط التفتيش الحدودية للتأكد من شخصيات المسافرين, وأعطيناهم جميعا جوازات السفر وما إن وقعت أعينهم علي إسم الرئيس بن بيلا حتي قاموا في صف واحد بضرب الأرض بأقدامهم ورفع أيديهم بالتحية العسكرية لقائد حركة استقلال الجزائرمن الاستعمار الفرنسي, وهنا ابتسم بن بيلا وهو يرفع يده بتحية عسكرية مماثلة وتم إبعاد كل الحواجز من أمامنا. قفز هذا الموقف إلي ذهني فور سماعي نبأ رحيل بن بيلا, كما تذكرت كيف كان يردد اسم زوجته زهرة باستمرار خلال حديثه ايا كان موضوع الحوار, وكيف لا وهي كانت بحق زهرة في حياته ظهرت في أحلك سنوات عمره ليفوح عطرها في جوانب محبسه الانفرادي فهونت عليه سنوات العزل الطويلة. وقصة تعارفهما تجسد المثل القائل ما محبة إلا بعد عداوة. عرفها بن بيلا الذي انتخب اول رئيس لجمهورية الجزائر عام1963 خلال سنوات اعتقاله التي بدأت منذ عزله مجلس الثورة عام1965 وامتدت حتي عام1980, والتقاها تحديدا يوم25 مايو عام1971 وكانت زهرة سلامي تنتمي إلي الحزب الحاكم الذي كان يرسل أنصاره بشكل دائم إلي الفيلا المعتقل بها بن بيلا في منطقة نائية ولا يسمح لأحد بزيارته ليحدثوا كل ما أمكنهم من مضايقات للرئيس المعزول. وتعددت زيارات زهرة ل بن بيلا بغرض المضايقة ولكنه في كل مرة كان يدير معها حوارا هادئا بالفرنسية التي كان لا يتحدث الجزائريون غيرها في ذلك الوقت. وأحبته زهرة التي كانت تصغره بأكثر من ثلاثين عاما بل اصبح هدفها في الحياة هو انتظار يوم خروجه من محبسه, لكنها لم تستطع صبرا فتزوجته وهو قيد الاعتقال وقضت معه سبع سنوات ونصف من الحبس. وعندما وصل الشاذلي بن جديد إلي السلطة عام1980 أصدر عفوا عن أحمد بن بيلا ويوم خروجه كانت يد زهرة الصغيرة في كف الثائر الكبير ليبدأ معها حياته من جديد. تمني بن بيلا أبناء, ولم تكن تلك المشيئة الإلهية فتبني هو وزهرة ثلاثة أطفال من ذوي الاحتياجات الخاصة ولد وبنتين, وكانت مهدية ابنتهما الكبري بالتبني قرة أعينهما. قضي بن بيلا وزهرة رحلتهما العمرية بين الجزائر التي عادا إليها عام1990 حيث أكرمهما الرئيس بوتفليقة كما ذكرالراحل لي كرما كبيرا وبين سويسرا التي استقر بها كمنفي اختياري بعد أن غادر الجزائر فور الافراج عنه عام.1980 وحينما رحلت رفيقة عمره زهرة في العام الماضي وكنت قد أخذت منه موعدا لزيارته تزامن مع الوفاة ألغي الموعد ولم يحدد غيره, واستقر وحيدا في فيلته التي خصصها له بوتفليقة يعاني الحزن وآلام الفراق وما هي الا عدة اشهر حتي استجاب ربه لدعائه باللحاق بها.. كانت كل حياته.. الهواء الذي يتنفسه وحين ذهبت زهرة ذبل أحمد بن بيلا ولكن تبقي سيرته عطرة في تاريخ كفاح الأمم.