خلال الأسابيع الماضية عرضنا لعدد من الدراسات التى تناولت العلاقة بين الثقافة والتنمية وخلصت إلى أن الثقافة تلعب دوراً حيوياً فى حركة التغيير وتنمية المجتمع، وأن الإنسان محور وهدف التنمية لأنه هو الذى يسير ويشارك وينفّذ التنمية ويوجهها.. وفى ذات السياق تعرضنا لعدد من المشاكل الآنية -كالثانوية العامة ومشاكل الانضباط فى معاهد العلم وأماكن العمل وتردى التعليم والأجور والعدالة الاجتماعية- التى تؤرق المجتمع وتمثل أوضاعا غير ملائمة. المدهش أن تلك المشاكل التى يطالب الجميع بحلها ويعتبرها الباحثون معوقات تعرقل أى محاولة للتنمية سواء على مستوى الفرد أو الدولة، يتم مواجهة أى محاولة للتعامل معها أو لتغيير الأوضاع القائمة بالأساليب غير النمطية بالرفض والتوجس سواء على المستوى الشعبى أو عبر وسائل الإعلام ، الأمر الذى طرح فرضية التعامل مع موروث ثقافى يمثل ثقافة ممانعة للتنمية، حددته الدراسات التى سبق الإشارة إليها فى المنمنمات السابقة، بطبيعة العلاقات العائلية والعادات والتقاليد والعوامل الاجتماعية والنفسية والمادية والفنية التى تتوجس من التجديد والنقد وإعمال العقل وتعانى من حالة انفصام بين معتقداتها وعاداتها و بين ما يفرضه الواقع.. ولأن التنمية قضية حاضر ومستقبل بات من المستحيل التعامل معها بمنطق الملفات الإدارية المؤجلة ولأن الكثير من الدراسات التنموية ونظريات التحليل الثقافى تؤكد على أهمية البعد الإنسانى والثقافى للتنمية لتصبح حركة اجتماعية متكاملة الإيقاع ماديا ومعنويا، نستكمل الحديث حول أساليب تطوير العمل الثقافى للخروج من أسر بعض المؤثرات الثقافية التقليدية المعوقة للتنمية، (كالاعتماد على المكانة الأسرية والعلاقات الاجتماعية) والمستحدثة أو الدخيلة السلبية (من قبيل إهدار قيمة العمل لصالح الفهلوة والمحسوبية والرشوة وتبريرها بمسميات مقبولة اجتماعية)، والعمل على استعادة العقل المصرى وحمايته من محاولات تغييبه، من خلال بناء منظومة ثقافية واضحة الرؤية والأهداف وقابلة للتحقق على أرض الواقع. فالتنمية الثقافية وادارة العمل الثقافي، سواء كان رسميا أم أهليا، يعتمدان بالدرجة الأولى على بنيان علمى أساسه تحديد الهدف وتعريف المفاهيم وتأكيد البعد المعرفى وتحديد الآليات المطلوبة لتحقيق الهدف النهائي، وكلها أسس تؤكد الدراسات أنها لابد أن تتصدر أولويات القائمين على العمل الثقافى وسياساته، وأنه لم يعد مقبولا التعامل معها موسميا أو مع تغيير الحقائب الوزارية!!. ففى سياق دراسة الحالة المصرية أشارت عدة دراسات اجتماعية وإعلامية وتربوية -سبق الإشارة إليها تفصيليا من قبل- إلى أن تدنى مستوى التعليم ووسائل الإعلام وتردى حال المؤسسات التربوية وغياب دور المؤسسات الدينية أسباب مباشرة لتسطيح الثقافة وترسيخ قيم مغايرة عن تلك التى استقر عليها المجتمع المصري، الأمر الذى يؤكد أن كل العناصر السابق ذكرها لابد من التعامل معها ليتعافى المجتمع المصرى ويستعيد قوته الذاتية ويحقق التنمية. فتوظيف تلك العناصر وتكاملها فى صيغة سياسة ثقافية تحقق التفاعل بين المؤسسات الثقافية الرسمية والأهلية وتحقق ديمقراطية الثقافة وخروجها من الجدران الضيقة وقاعات المؤتمرات كفيل بأن يجعل أهداف التنمية الشاملة خيارات حقيقية وركيزة لبلورة آفاق جديدة.. ولقد أشارت الدراسات الإعلامية للدور المهم للإعلام فى عملية التنمية.فرغم أن الإعلام ليس العنصر الوحيد لضمان نجاح الخطط التنموية إلا أن أى إهمال لأهمية هذا القطاع يؤدى حتماً إلى إبطاء عملية التنمية وإلى جعلها أصعب وأعقد بسبب عدم وصول المعلومات اللازمة للناس والعجز عن حشدهم للمشاركة .فالرسائل الإعلامية تستطيع أن تفرغ الخطط التنموية من محتواها إذا ما تم تغييب وعى الجماهير أو أن تلهب الحماس وتفجر الطاقات الخلاقة وتساعد على تقبل الجديد من خلال التوعية والإقناع وحشد الدعم الشعبى اللازم، ذلك أن المشاركة الشعبية واقتناع الجماهير ضرورة للمضى فى تنفيذ الخطط وقبول القرارات والاجراءات اللازمة لتحقق الرؤية والوصول للأهداف المطلوبة. وعليه فإن مهمة الإعلام فى الدول النامية لا تقتصر على الترفيه فقط، فهو وسيلة لنشر المعلومات الجديدة ومقاومة الشائعات والتوعية الصحية والبيئية ومحو الأمية ومد جسور التواصل والتفاهم بين فئات المجتمع الواحد. وإذا كان التاريخ وتجارب الشعوب يؤكدان أن الإرادة الوطنية وإعداد الإنسان الواعى بتاريخه وهويته وواقعه وبالمتغيرات المحلية والإقليمية والدولية أول الطريق للتغيير نحو الأفضل، فالمؤكد أن وضوح الرؤية و الهدف للقائمين على أمر الإعلام كفيل بأن يسهم فى الإسراع بالتنمية على كافة المحاور.. وللحديث بقية.. http://[email protected] لمزيد من مقالات سناء صليحة