“ردود فعل غاضبة بين الطلبة وأولياء الأمور بسبب قرار د. محب الرافعى وزير التربية والتعليم، المزمع تطبيقه بداية من العام الدراسى المقبل بوضع 10 درجات لحضور الطالب وسلوكه داخل المدرسة” “طلبة الثانوية العامة يطالبون بإلغاء التنسيق” “مئات من موظفى الدولة يتظاهرون أمام نقابة الصحفيين رفضا لقانون الخدمة المدنية” نماذج لأخبار تصدرت وسائل الإعلام مؤخرا وبغض النظر عن ردود الأفعال الغاضبة أو الاستحسان الذى أثارته تلك القرارات والقوانين أو المنطق الذى يتبناه مؤيدوها ومعارضوها ومنطقية أو عبثية أسباب القبول والرفض أو التوجس من نظرية المؤامرة ومحاولة تأليب الشارع المصري، وكلها أمور لا يمكن التقليل من شأنها أو أهميتهما إلا أن ثمة بعدا أخر تطرحه تلك النماذج الإخبارية.. فهل حالة الرفض التى عكستها نماذج الأخبار السابقة لها ما يبررها منطقيا سواء من حيث إغفال متخذ القرار لبعض العوامل أو تجاهل لأوضاع بعينها أو عدم طرح القرار لنقاش مجتمعى أم أن الأمر يتلخص فى التردد فى قبول التغيير والخوف من أى جديد حتى لو كان الوضع الثابت أو المستقر غير مُرض بل ويتعرض لانتقادات لا حصر لها؟. فالثانوية العامة ومشاكل الانضباط فى معاهد العلم وأماكن العمل وتردى التعليم والأجور وتحقيق العدالة الاجتماعية، كلها قضايا تؤرق المجتمع وتمثل أوضاعا غير ملائمة، لطالما طالب الجميع بتغييرها باعتبارها معوقات تعرقل أى محاولة للتنمية سواء على مستوى الفرد أو الدولة. فهل حالة الرفض التى عكستها نماذج الأخبار السابقة لها ما يبررها منطقيا أم أن المشكلة سببها أسلوب طرح أجهزة الإعلام لتلك القضايا وغيرها أم أن الأمر برمته يعكس موروثا ثقافيا يتجلى فى أمثال شعبية من قبيل “اللى تعرفه أحسن من اللى ماتعرفوش” أو “امشى سنة ولا تعدى قناة” أو “عصفور فى اليد خير من عشرة على الشجرة” و”يا قاعدين يكفيكوا شر الجايّين”؟! وفى مقال سابق عرضنا لما جاء فى بعض الدراسات التى أوضحت أن طبيعة العلاقات العائلية والعادات والتقاليد والعوامل الاجتماعية والنفسية والمادية والفنية تعد من أهم معوقات تنمية المجتمع حيث تفاقم مشاكله وتؤدى لتجاهل أبسط وأسرع طرق حلها، الأمر الذى لخصه أستاذ علم إدارة المعرفة بجامعة كونكورديا سابقا د السيد نصر فى كتابه «خرابيش» فى تعبير «الثقافة الممانعة للتنمية» وفى سمات منها، النظر للمستقبل باعتباره إعادة إنتاج لعصر مضى وإعلاء قيم الحفظ والاتباع والسمع والطاعة على قيم النقد والتحليل والكشف والإبداع وطبقية الوظائف وتسيد القناعة بأن العمل ليس هو فقط الوسيلة المثلى لتحقيق الثروة والمكانة، والاعتماد على شبكة العلاقات العائلية والاجتماعية كمعيار للجدارة، وأن يكون الهدف من التعليم حفظ المحتوى المعرفى للمطبوعات المقررة بغض النظر عن استخدامها فى حل المشاكل المجتمعية، إضافة للتحايل على القانون نتيجة لعدم توافق القانون الأخلاقى مع الواقع الاجتماعي. وفى ظنى أننا إذا ما حاولنا تحليل نماذج المشاكل السابق ذكرها وملابسات الجدل المثار حولها من منظور السمات الثقافية المعوقة للتنمية وتجلياتها الاجتماعية والنفسية ستتضح أمامنا العلاقة بين أسلوب اتخاذ القرار والطرح الإعلامى وموروث ثقافى يفضل «اللى يعرفه» على المجهول الذى عليه أن يكتشفه ويتعامل مع سلبياته وإيجابياته وإن حمل فى ثناياه ما يبشر بتحسن أوضاعه بعد حين، وأسباب الجدل الذى يثور فى المجتمع كلما ظهر مُقترح أو مبادرة غير مألوفة للتعامل مع مشاكل يئن الجميع من وطأتها من قبيل مشاكل الدروس الخصوصية وتدهور مستوى التعليم والبطالة و..و.. ربما ندرك لماذا نكرر فى الصباح والعشى أن التعليم بوابة التقدم وأن الدول المتقدمة تضع التعليم فى أولويات سياستها وأن العلم جوهر الصراع والتنافس فى عالم اليوم وأن من يتخلف فى هذا السباق المعلوماتى لن يفقد فقط مكانته بل أيضا إرادته، ومع ذلك يجأر الطلبة وأولياء الأمور بالشكوى بمجرد التلميح بالتفكير فى تعديل اوضاع ينتقدونها. ولماذا نشكو ترهل الأداء الإدارى والإهمال وتعطيل مصالح المواطنين والرسوب الوظيفى والمحسوبية والرشوة و..و..ومع ذلك عندما يطرح الإعلام تلك القضايا وغيرها يتم تغييب المنظور العلمى وننجرف وراء تعبيرات درامية تقنن الأوضاع السائدة المعيبة، كغياب الطلاب والاعتماد على الدروس الخصوصية وإهدار دور المدرسة فى التنشئة الاجتماعية ونتجاهل الفرق بين إعانة البطالة والأجر المُستحق عن أداء العمل و..و.. فينتهى ببقاء الحال على ما هو عليه..!! وللحديث بقية.. http://[email protected] لمزيد من مقالات سناء صليحة