فى عام 2005 بدأ العقد العربى للتنمية الثقافية وكان الهدف منه تحويل الثقافة لمعامل أساسي.ورغم أن فترة العقد شهدت ظهور دراسات وبحوث وإقامة دورات لتأهيل العاملين بالقطاعات الثقافية وطبع منشورات عن الثقافة العربية واستحداث مؤسسات ثقافية ومنح جوائز ومحاولات للتعاون المشترك بين المؤسسات الحكومية الثقافية والجمعيات الأهلية وروافد المجتمع المدنى فى العالم العربى إلا أن الممارسات الثقافية المحلية والإقليمية تشى حتى اللحظة أننا لانزال ندور فى إطار مفاهيم ماتزال عاجزة عن اكتشاف مدى ارتباط التنمية الشاملة بالثقافة والوصول للآليات اللازمة لتحويل هذه المفاهيم النظرية لواقع ملموس يتحرر من أسر مفاهيم وممارسات تعتبر الثقافة أمرا ثانويا وتربطها بالماضى والتراث وتحاصرها فى دوائر ضيقة مغلقة لا تستوعب المستجدات التى لحقت بمفهوم التنمية فجعلت العلاقة بين الثقافة والتنمية علاقة عضوية. فمنذ طرحت اليونسكو قضية العلاقة بين الثقافة والتنمية الاقتصادية والاجتماعية عام 1970 كشفت سلسلة المؤتمرات والندوات التى تناولت الموضوع ان الاستثمارات والمساعدات المالية الخارجية ليست العامل الوحيد للخروج من دائرة الفقر والتخلف وان استيراد الادوات التكنولوجية لا يكفى لتحقيق التقدم والنمو وأن التنمية الحقيقية مشروطة ببناء ثقافى للإنسان. وبينما تناول كثير من علماء الاجتماع البعد الثقافى باعتباره بعدا من أبعاد التنمية اعتبره عديد من الباحثين فى طبيعة العلاقة بين الاعلام والتنمية بعدا مميزاً وموازياً للبُعدين الاجتماعى والاقتصادي. فشبه محمد سيّد محمد فى كتابه «الإعلام والتنمية» التنمية بمثلث متساوى الأضلاع، يتكون من البعد الاقتصادى والبعد الاجتماعى والبعد الثقافي. كذلك فقد رأى بعض من تناولوا البعد الثقافى فى منظومة التنمية أن الإنسان المثقّف هو الأساس وصمّام الأمان لنجاح عملية التنمية والانتقال من حالة التخلّف واللاوعى إلى مرحلة الانتماء ومسايرة روح العصر مع كل ما تحمله تلك الروح من قيم روحيّة وأخلاقيّة. فى هذا السياق أصبح الإنسان هو محور وهدف التنمية فى آن معاً. فمن جهة تهدف التنمية إلى بناء الإنسان بناء معنوياً، ومن هذا الهدف تتفرع بقية الأهداف الثانوية الأخرى سواء كانت اقتصادية أم اجتماعية ومن جهة أخرى فإنّ الإنسان هو الذى يسير ويشارك وينفّذ التنمية ويوجهها. وفى ذات السياق تغير مفهوم الثقافة فلم يعد يعنى مجرد التراث ومجموعة العادات والتقاليد والأعمال الفنية لدى جماعة معيّنة أو يقاس بكم المعلومات ،أذ اتسع ليشمل مجموع المواقف الحيّة التى يواجهها الانسان فى كل جوانب حياته. وقد تبلور هذا المفهوم فى إعلان مكسيكو أثناء انعقاد مؤتمر اليونيسكو للثقافة عام 1982 الذى جاء نصه ان الثقافة هى التى تمنح الإنسان قدرته على التفكير فى ذاته وهى التى تجعل منه كائناً يتميّز بالإنسانيّة والقدرة على النقد والالتزام الأخلاقي. فعن طريق الثقافة نهتدى إلى القيم ونمارس الاختيار، فهى وسيلة الإنسان للتعبير عن نفسه والتعرّف على ذاته والبحث من دون ملل عن مدلولات جديدة وحالات إبداع. فى الإطار عينه ظهرت عدّة تعريفات للتنمية لعلّ أهمها ذلك الذى خرج به المؤتمر العالمى للتربية فى جنيف فى أيلول سنة 1992 والذى نص على أن «التنمية تعنى التطوّر، التغيّر فى الحالة القائمة، التقدّم، الاغتناء والتفتّح. ولا تُقاس التنمية فقط بازدياد الإنتاج كمَّاً ونوعاً بل أيضاً بتحسُّن حال الإنسان وطريقه حياته». كذلك أعطى المؤتمر تحديداً للتنمية الثقافية إذ قال عنها أنها اغتناء بالثقافة عن طريق تقوية لأشكال التغيير الثقافى وتوفير الظروف المناسبة للإنتاج وللإبداع ونشر الثقافة. وهكذا أضحت الثقافة أحد المعطيات الرئيسية -إن لم تكن الأساس- لكل سياسة تنموية اجتماعية اقتصادية كانت أم تكنولوجيّة علميّة بحتة، وأصبحت التنمية القائمة على أسس ثقافية ضرورة لبناء حركة اجتماعية متسقة الإيقاع ماديا ومعنويا.. وهنا يصبح السؤال الملح كيف يمكن تحقيق ذلك وترجمة هذه الرؤى إلى خطط ومسارات تؤدى تفاعل المؤسسات الثقافية الحكومية والأهلية مع باقى مؤسسات المجتمع.. كيف يمكن تحويل أهداف التنمية لخيارات تسهم فى بلورة أفاق جديدة تواجه منظومة قيميه دخيلة على المجتمع المصرى خلقت فضاءً مواتياً لظهور سلوكيات وأزمات، البعض منها بات يهدد المجتمع والبعض الأخر يقف حجر عثرة فى طريق استعادة وجه مصر الحقيقي، وما هى السبل الواقعية المتاحة أمامنا ليتعافى المجتمع المصرى ويستعيد قوته الذاتية؟! وللحديث بقية.. http://[email protected] لمزيد من مقالات سناء صليحة