تأتي أهمية السياسة الثقافية من كونها تقدم رؤية وطنية شاملة للعمل في مجالات الفنون والثقافة والتراث وتحدد الأطر العامة والأهداف والإجراءات التي تلتزم بها الدولة وكل الأطراف الفاعلة في مجال الثقافة من أجل دعم وتعزيز المجال الثقافي. السياسة الثقافية إذاً هي مجمل الخطط و الافعال و الممارسات الثقافية التي تهدف الي سد الحاجات الثقافية لبلد او مجتمع ما، عبر الاستثمار الاقصي لكل الموارد المادية و البشرية المتوفرة لهذا البلد و هذا المجتمع. المجموعة الوطنية للسياسة الثقافية مكونة من 25 عضواً من المبدعين وأساتذة الجامعات والمختصين في الإدارة الثقافية، تأسست بمبادرة من مؤسسة المورد الثقافي من أجل صياغة سياسة ثقافية مصرية. إعتمدت المجموعة الوطنية، كإطار عام لعملها، نموذج السياسة الثقافية الذي وضعته مجموعة العمل علي السياسة الثقافية في أفريقيا الخاصة بشبكة أرتيريال. وهي أكبر شبكة ثقافية أفريقية غير حكومية. هذا النموذج الذي وضعته شبكة أرتيريال يهدف إلي تسهيل مهمة واضعي السياسات الثقافية في البلدان الأفريقية حيث أنه يشكل إطاراً عاماً يمكن تعديله ليناسب ظروف كل بلد. ويأتي النموذج استجابة لتصديق الاتحاد الأفريقي في عام 2006 في الخرطوم علي "ضرورة اتخاذ وتنفيذ مناهج تجديد عميقة وطنيا وإقليميا فيما يخص السياسة الثقافية". وفي عام 2008 انعقد الاجتماع الثاني للاتحاد الأفريقي في الجزائروتم فيه التصديق علي خطة عمل تشجع "الدول الأعضاء علي التوفيق والتنسيق في السياسات الوطنية الخاصة بكل منها حول تنمية الصناعات الثقافية والإبداعية. كما تنص علي أن الدول الأعضاء "عليها تحديد السياسة المثلي وأطر العمل القانونية والمؤسسية من أجل تعزيز الصناعات الثقافية والإبداعية." تتبني هذه السياسة الثقافية المقترحة تعريف منظمة اليونسكو للثقافة بأنها: " جميع السمات الروحية، والمادية، والفكرية، العاطفية التي تميز مجتمعاً بعينه أو فئة اجتماعية بعينها وتشمل الفنون والآداب وطرائق الحياة، كما تشمل الحقوق الأساسية للإنسان ونظم القيم والتقاليد والمعتقدات والثقافة هي التي تمنح الإنسان قدرته علي التفكير في ذاته، وتجعل منه كائناً يتميز بالإنسانية المتمثلة بالعقلانية، والقدرة علي النقد ,والالتزام الأخلاقي، وعن طريقها يهتدي إلي القيم ويمارس الاختيار، وهي وسيلة الإنسان للتعبير عن نفسه، والتعرف علي ذاته كمشروع غير مكتمل وإعادة النظر في إنجازاته، والبحث عن مدلولات جديدة، وإبداع أعمال يتفوق فيها علي نفسهس. وتستند أيضاً إلي عدد من الاتفاقيات الإقليمية والدولية التي وقعت عليها مصر في مجال الثقافة والتي تعني بالأعمال الثقافية المعاصرة والصناعات الثقافية، وتضمن تلبية الاحتياجات الآنية والمستقبلية لهذه المجالات والعاملين فيها. هذا الملخص المقدم للجنة الثقافة والإعلام والسياحة بمجلس الشعب يضم الملامح الرئيسية للسياسة الثقافية المقترحة والتي ستكون مفصلة في عدة فصول تشمل كل قطاعات الثقافة المصرية. المبادئ العامة للسياسة الثقافية المقترحة تلتزم السياسة الثقافية لجمهورية مصر العربية بالمبادئ الأساسية التالية: الحفاظ علي الهوية الثقافية المصرية، وهي هوية متعددة الروافد ترسخ جذورها في التراث الثقافي، الإسلامي والعربي والمصري القديم والقبطي والإفريقي والمتوسطي. وهي هوية حية، تتجدد باستمرار وتتفاعل مكوناتها مع تطورات الحياة في مصر وفي العالم، ومع الانتاج الثقافي المعاصر، لتصبح في حالة حيوية مستمرة. البعد الثقافي للتنمية الاقتصادية والاجتماعية: الثقافة مكون أساسي في خطط التنمية الاقتصادية والاجتماعية، تؤثر فيها سلباً وإيجاباً، لذا لا يمكن عزل التنمية عن احتياجات وضروريات بناء الإنسان ثقافياً، أي معرفيا ووجدانيا. الديمقراطية واحترام حقوق الإنسان: يؤكد الإعلان العالمي لحقوق الإنسان في مادته رقم 24 علي أن "لكل إنسان الحق في المشاركة بحرية في الحياة الثقافية، إنتاجا وإستهلاكا، والتمتع بالفنون والمساهمة في التطور العلمي وما يجلبه من منافع". يستلزم ذلك أن تكون كل سبل العمل الثقافي مفتوحة بشكل ديمقراطي وعادل أمام المصريين بتنوع ثقافاتهم وآرائهم ومعتقداتهم. السيادة: تحتفظ الدولة بحقها السيادي في أن تحتفظ وتصدق علي وتطبق السياسات والإجراءات التي تراها مناسبة لحماية وتشجيع أشكال التعبير الثقافي والتنوع الثقافي داخل نطاقها الجغرافي، مع ضمان التدفق الحر للأفكار والأعمال. ووفقاً لميثاق الأممالمتحدة ومبادئ القانون الدولي، وبما لا يتعارض مع الحريات الأساسية المحمية طبقا لإعلان حقوق الإنسان والقانون الدولي، وعلي الأخص قوانين حماية حرية الرأي والتعبير. الشفافية والقابلية للمحاسبة والتقييم: لابد أن تلتزم السياسة الثقافية للدولة بتقنين آليات تتيح الشفافية الكاملة بحيث تكون كل المعلومات المتعلقة بمجال الثقافة متاحة سواء للمؤسسات الرقابية أو مؤسسات المجتمع المدني أو المواطنين بشكل عام. ويستلزم ذلك أن تتضمن السياسة الثقافية مؤشرات وأدوات تقييم ومراجعة ملائمة ومنتظمة، كما يجب عقد مؤتمر وطني ليصدّق علي ويتبني الصيغة النهائية لها. أهداف السياسة الثقافية المصرية الهدف العام للسياسة الثقافية المصرية هو: دعم وتطوير حياة ثقافية غنية. مبدعة، ونشطة ومنتجة يشارك فيها ويستفيد منها كل المواطنين المصريين دون تمييز. كما تؤكد هذه السياسة علي الحق الأصيل لكل مواطن مصري في تلقي الخدمات الثقافية التي تمول من المال العام، بشكل حر وعادل، وفي التعبير الإبداعي عن أرائه وأحاسيسه دون قيود. لتحقيق هذا الهدف العام حددت هذه السياسة الثقافية الإستراتيجيات التالية خلال السنوات الثلاث المقبلة: تحديد الميزانية الخاصة بالثقافة ب 1.5٪ من الموازنة العامة للدولة، وإعلان تفاصيل هذه الميزانية. الحد من مركزية الثقافة، سياسياً، إدارياً وجغرافياً، وعلي هيمنة العاصمة والمدن الكبري علي الحياة الثقافية. التكامل بين السياسة الثقافية وسياسات التعليم في مصر بدءاً من التعليم الأساسي، والارتقاء بتعليم الفنون بشكل متخصص. إعادة هيكلة وزارة الثقافة وكل الأطر المتعلقة بتمويل الثقافة وإدارتها بهدف تمكين المجتمع المدني من لعب دور فعال في الحياة الثقافية، وزيادة الشفافية ومنع الفساد. احترام حرية العمل الثقافي وتنقية القوانين المقيدة للحريات الثقافية، وزيادة وعي المجتمع بأهمية احترام وحماية حرية الرأي والإبداع والتعبير. دعم التشاور والمشاركة بين كل القوي الاجتماعية والسياسية في وضع وتنفيذ السياسة الثقافية، واتخاذ كافة السبل إلي احترام التنوع الثقافي في مصر واعتباره من الأصول الهامة للثقافة المصرية. آليات التنفيذ: ومن اجل تحقيق الهدف العام من هذه السياسة الثقافية من خلال الأهداف الفرعية السابقة، نقترح اتخاذ القرارات والإجراءات والآليات التالية: أولاً: دور مجلس الشعب: القيام بمراجعة وتطوير كل القوانين والتشريعات واللوائح المؤثرة في العمل الثقافي مثل قوانين حرية التعبير والرأي والنشر، وتكوين الشركات ذات النفع العام، واستخدام الأماكن العامة، والضرائب، والجمارك، وتشغيل المواقع الفنية والثقافية، والملكية الفكرية، ورعاية الفنانين والأدباء وغيرها من القوانين بهدف تحقيق أهداف هذه السياسة الثقافية. كذلك مطالبة السلطة التنفيذية بتفعيل الاتفاقيات الإقليمية والدولية التي وقعت عليها مصر ولم تفعل مثل اتفاقية اليونسكو لحماية ونشر كل أشكال التعبير الثقافي (2005). وتقوم المجموعة الوطنية للسياسة الثقافية حالياً بإعداد قائمة تفصيلية بالقوانين التي تحتاج إلي مراجعة وتطوير. مناقشة وتحديد معايير وأسس الاختيار التي توزع علي أساسها المخصصات المالية للمحافظات والمؤسسات الثقافية والأفراد والإعلان عن هذه المعايير بشكل شفاف. إقرار هذه السياسة الثقافية ووضع آلية واضحة متفق عليها بين الأجهزة الحكومية ومؤسسات المجتمع المدني لضمان متابعة وتقييم تنفيذها بشكل موضوعي، مع الإعلان عن نتائج التقييم وكل المعلومات الأخري الخاصة بهذه السياسة. ويستتبع ذلك الاتفاق علي آلية لتعديل وتطوير هذه السياسة كل ثلاث أو خمس سنوات. ثانياً: دور الأجهزة الحكومية: أن توزع الميزانية المخصصة للثقافة بشكل ديمقراطي وعادل علي كل محافظات مصر تبعاً للتركيز السكاني فيها وتمشياً مع أولويات التنمية، مع مراعاة الاهتمام بالمحافظات المهمشة، عبر آليات ومعايير معلنة وشفافة تمكن الفاعلين النشطين في القطاع الثقافي من المشاركة في اتخاذ القرارات المتعلقة بتوزيع الميزانية في محافظاتهم، علي المشروعات الثقافية والمؤسسات الثقافية المستقلة والمبدعين الأفراد، وعلي أن يراعي توزيع الميزانية التوازن بين الحفاظ علي وتوثيق التراث الثقافي المادي والمعنوي وبين دعم وتشجيع الإبداع المصري المعاصر. إعادة صياغة دور وزارة الثقافة بحيث تقوم بالتنسيق بين الوزارات المختلفة من أجل ضمان أن تلعب المؤسسات الحكومية الدور المنوط بها في تنفيذ هذه السياسة الثقافية في جميع قطاعاتها، حيث أن المجال الثقافي يتداخل مع وزارات أخري مثل وزارة التربية والتعليم والاقتصاد والصناعة والتجارة والشباب والرياضة والأوقاف والسياحة والمالية، والداخلية والتنمية المحلية علي سبيل المثال. كذلك تقوم الوزارة بدور الداعم الرئيس، وليس المنتج أو المنفذ أو الموزع، للأنشطة والخدمات الثقافية، فضلاً عن دورها الهام في تمثيل القطاع الثقافي أمام مجلس الشعب. إبرام اتفاقات وتصميم برامج تتيح التكامل في خدمات وزارتي التعليم والثقافة، والالتزام بتعليم الفنون والآداب في التعليم الأساسي الحكومي بشكل حقيقي، وتطوير برامج ومناهج دراسية ملائمة للمجالات الإبداعية والإدارة الثقافية وربطها بالتطور التكنولوجي لتعزيز قدرة الصناعات الإبداعية الوطنية علي المنافسة في الأسواق المحلية والدولية. كذلك الاهتمام بإدراج تلقي وتذوق الفنون في المناهج الدراسية في التعليم المدرسي والجامعي. إصلاح وزارة الثقافة إدارياً بشكل تدريجي وحل مشكلة تضخم العمالة بها، مع تخلي الوزارة عن لعب دور المنتج والموزع للخدمات والمنتجات الثقافية وقيامها بدور الداعم والراعي للعمل الثقافي. تقترح أيضاً السياسة إعادة دمج وزارتي الثقافة والآثار في وزارة واحدة، والتحول من نمط "الإدارات الحكومية" إلي نمط "المؤسسات العامة" الذي يضمن استقلال الثقافة عن السلطة التنفيذية ويضمن في نفس الوقت إشراف الدولة مالياً وإدارياً علي العمل الثقافي. أن تلعب وزارة الثقافة دوراً محورياً في دعم وتنشيط صناعات ثقافية وطنية قوية تنخرط في الاقتصاد الوطني، عبر التنسيق مع وزارات الاقتصاد والتجارة والصناعة، ومع القطاع الخاص، وعن طريق اقتراح تعديلات تشريعية وإجرائية تضمن تحفيز الاستثمار في هذه الصناعات، ودعم قدرتها التنافسية. أن تبادر وزارة الثقافة بتوثيق كل مناحي العمل الثقافي في مصر، عبر شبكة معلومات تشارك فيها المؤسسات الثقافية المستقلة. وأن توفر هذه المعلومات للمواطنين والسائحين والباحثين بأشكال متنوعة ومن خلال مراكز معلومات ثقافية في كل محافظات مصر. ثالثاً: دور المجتمع المدني: إشراك المؤسسات الثقافية المستقلة بشكل فعال في وضع وتنفيذ ومراقبة وتقييم هذه السياسة الثقافية، ويستلزم ذلك إيجاد أطر قانونية مناسبة تضمن سهولة إنشاء وعمل مؤسسات ثقافية أهلية تختلف في طبيعة عملها جذرياً عن الجمعيات الأهلية التابعة لوزارة التضامن الاجتماعي، مثل الشركات ذات النفع العام، وتيسير وتوحيد الإجراءات القانونية المتعلقة بإنتاج وتوزيع الخدمات والمنتجات الثقافية. التزام المؤسسات الثقافية المستقلة بأساليب الإدارة الجيدة للمال العام وبالشفافية في الإعلان عن ميزانياتها ومصادر تمويلها واحترام تلك المؤسسات للقوانين المتعلقة بالعمل الثقافي السارية في مصر، مع الأخذ في الاعتبار ضرورة تطوير هذه القوانين لضمان تحرير العمل الثقافي. ضمان حرية النقابات الفنية وإخراجها من دائرة السيطرة الحكومية، وتشجيعها علي لعب دورها في رفع المستوي المهني لأعضائها، مع الحفاظ علي مصالحهم دون التحكم في ممارسة العمل الفني.