نزل قول الله تعالى: {وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا }[الإسراء:81] بعد معركة إعلامية كبيرة بين رسول الله صلى الله عليه وسلم والأفَّاكين من كفار قريش الذين اتهموه فيها بالكذب والسحر والكهانة، وبأنه يبتغي مالاً أو يبتغي زوجًا أو يبتغي ملكًا، لكنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم صبر وصمد، ولم يتراجع عن دعواه؛ لأنه يعلم أنه على الحق، وكم سمعت أذناها الشريفتان كلامًا زورًا وباطلاً واتهاماتٍ بالجنون وبأبشع أنواع الاتهامات {وَقَالُوا يَا أَيُّهَا الَّذِي نُزِّلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ إِنَّكَ لَمَجْنُونٌ} [الحجر:6]، {وَإِن يَكَادُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَيُزْلِقُونَكَ بِأَبْصَارِهِمْ لَمَّا سَمِعُوا الذِّكْرَ وَيَقُولُونَ إِنَّهُ لَمَجْنُونٌ} [القلم:51]، فصبر النبي الكريم برغم كل هذا فهو يعلم يقينًا أنه حفيد سيد مكة وأنه أعقل رجالها، وأنه على الحق، فلم يستسلم للباطل أبدًا حتى أظهره الله تعالى ونصره على أعدائه وجعل يكسر الأصنام ويتلو قول الله تعالى: {وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا}[الإسراء:81]، قال ابن كثير في تفسيرها: "الآية تهديد ووعيد لكفار قريش فإنه قد جاءهم من الله الحق الذي لا مِرْية فيه، ولا قِبَل لهم به، وهو ما بعثه الله به من القرآن والإيمان والعلم النافع، وزهق باطلهم أي اضمحل وهلك؛ فإن الباطل لا ثبات له مع الحق ولا بقاء {بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ وَلَكُمُ الْوَيْلُ مِمَّا تَصِفُونَ} [الأنبياء: 18]. وفي هذه الفترة الأخيرة عاشت الأجواء المصرية في ظل موجة من الدَّجل الإعلامي والكذب والافتراء على كل ما هو إسلامي وبخاصة قضية ترشُّح الدكتور حازم صلاح أبو إسماعيل والزعم بأن والدته رحمها الله حصلت على الجنسية الأمريكية، وللأسف الشديد انحط كثيرون وانحدروا إلى منزلق خسيس دنيء، وباعوا ضمائرهم وتكلموا كلامًا ليس معهم به بينة، وافتروا الكذب، ولكنّ الله تعالى أظهر الحق وأبطل الباطل، ولكنَ قضاء مصر الباسل ردَّ الكرامة لأهلها، ونكّس رؤوس الأفاكين العملاء في التراب وأخزى كهنة العسكر الذين يريدون إعادة إنتاج النظام البائد ثانية، وهناك صحفيون كبار وإعلاميون مشهورون انطمست ضمائرهم وعلت أصواتهم بالهجوم على هذا المرشَّح، واتهموه بالكذب وراحوا يبالغون ويعممون الأحكام بأن الملتحين كذابون,...إلخ، وسمعنا غمزًا ولمزًا من هنا ومن هناك، لم كل هذا أيها الأجراء؟ يا من بِعْتُم ضمائركم بثمن بخس، يا من ضاعت المروءة من وجوهكم وصرتم بلا كرامة ولا شهامة، بالله عليكم كيف ترضون عن أنفسكم يوم يسألكم الله تعالى عن كل هذا {الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ وَتُكَلِّمُنَا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ} [يس: 65]، {وَقَالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدتُّمْ عَلَيْنَا قَالُوا أَنطَقَنَا اللهُ الَّذِي أَنطَقَ كُلَّ شَيْءٍ} [فصلت: 21]، تخيل أيها الذي يبيع ضميره ويكذب ويفتري الكذب يوم أن يختم الله على فمك وتنطق يداك شاهدةً عليك، فماذا أنت فاعل ساعتها؟ ماذا تقول لربك؟ أقول لهؤلاء العملاء قد بدت البغضاء من أفواهكم، وحدثنا الله تعالى عن بطانة السوء وحاشية الكذب والافتراء حيث قال:{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِّن دُونِكُمْ لاَ يَأْلُونَكُمْ خَبَالاً وَدُّوا مَا عَنِتِّمْ قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الآَيَاتِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ*هَا أَنْتُمْ أُولاءِ تُحِبُّونَهُمْ وَلاَ يُحِبُّونَكُمْ وَتُؤْمِنُونَ بِالْكِتَابِ كُلِّهِ وَإِذَا لَقُوكُمْ قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا عَضُّوا عَلَيْكُمُ الأنَامِلَ مِنَ الْغَيْظِ قُلْ مُوتُوا بِغَيْظِكُمْ إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ*إِن تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِن تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ يَفْرَحُوا بِهَا وَإِن تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لاَ يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا إِنَّ اللهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ} [آل عمران: 118-120]. فتحيةً إلى قضاة مصر البواسل، وتحيةً إلى المحامين الشرفاء الذين جهروا بالحق ودافعوا عنه، وتحيةً إلى رجال مجلس الدولة الذين أظهر الله الحق على أيديهم، وفضح المنافقين والعملاء وأخزى الحاقدين والذين في قلوبهم مرض، وحسبنا الله ونعم الوكيل، فمصر ما زال بها خير وما زال بها شرفاء، وما زال بها نزهاء؛ فحمدًا لله تعالى وشكرًا له سبحانه. المزيد من مقالات جمال عبد الناصر