الفن اختيار, ونحن لا نستطيع أن نمنح إعجابنا أوتقديرنا لفنان إلا إذا أدركنا بحس فطري نوعية إختياراته, فكل فنان يتعامل مع ابداعه طبقا لفلسفته الخاصة, وقانونه الذي يسنه لنفسه وبكامل إرادته, فالبعض يري الفن أكل عيش فيرضخ أمام تبعاته ولا يفكر في نوعية وهدف أي عمل يقدمه أو يعرض عليه, والبعض الآخر يراه جزءا لا يتجزأ من شخصيته فيسعي لتقديم فن يعبر عنه, ويتلاءم مع موهبته ويحقق أحلامه, ولايتناقض مع فطرته السليمة وضميره الحي, و الفنان علي الحجار من ذلك النوع الآخير, فمنذ بدأ مشواره الفني مع الغناء وهو حريص علي تقديم فن صادق يعبر عنه ويرضي طموحه الجامح دوما نحو مواطن الشجن, ومؤخرا طرح الحجار ألبومه الوطني الجديد ضحكة وطن الذي يعتبر ثاني ألبوم يطرحه منذ قيام ثورة25 يناير بعد ألبومه الأول إصحي يا ناااااااير فقد جاءت كلمات وألحان ألبوم ضحكة وطن لتغير مفهومنا عن الأغنية الوطنية, فلا يوجد زعيق ولا صراخ ولاعويل ولا هتافات أو طنطة بكلمات مثل: أنا وطني وطني وبطنطن, ولكنها جاءت في مجملها بسيطة مبطنة بحس درامي يجسد عالم الشهداء والمصابين, ولا تخلو من الرؤية الواضحة المستنيرة التي تضئ الطريق لكل من يهدف لمصلحة هذا البلد, إضافة إلي ألحان عذبة شجية محملة بالشجن والحماس والعاطفة, فعانقت كلمات الأبنودي الرائعة ألحان العائد بقوة فاروق الشرنوبي وحنجرة الحجار في أغنيتي مسلمين ونصاري,و ضحكة المساجين, فجاءتا في قالب طربي شرقي خالص, خاصة أن الأولي تذكرنا بروائع الحجار في المسلسلات الدرامية, والثانية أصبحت من كلاسيكيات الأغنيات الوطنية الحديثة, ومن هنا يبدوا طبيعيا جدا أن تحققا نجاحا كبيرا حاليا وتجاوزتا النصف مليون مشاهد علي موقع واحد فقط هو موقع اليوتيوب كما أدهشنا وأعجبنا جدا ذلك اللحن الشجي الذي يفيض بالشوق والرومانسية للموهوب بشدة أحمد علي الحجار لأغنية ضي عيني التي تتحدث عن طبيب الأسنان أحمد حرارة, ومن كلمات المبدع ناصر رشوان الذي كتب خمس أغنيات. وهنا أتوقف كثيرا أمام أغنية نسمة الأزهر التي تتحدث عن الشيخ عماد الدين أحمد عفت أمين الفتوي بدار الإفتاء المصرية, لحن أحمد الحجار التي جاءت كحفيف ريح يداعب أوراق الشجر أو كنسمة رقيقة شجية في ألبوم ملئ بالنغمات المتدفقة الحية, وشعور آخر مختلف يشبه النشيج الداخلي تحسه مع أغنية ست الناس التي تتغني بغادة كمال خريجة كلية الصيدلة التي تم تعرية جزء من جسدها خلال أحداث مجلس الوزراء, وتأتيك أغنية أحلام بسيطة لحن خليل مصطفي التي تتحدث عن الشهيد الشاب مينا دانيال لتحلق بك في سماء زرقاء صافية وسط أسراب الحمام وتذكرنا بروائع كمال الطويل الوطنية لعبدالحليم حافظ, وينطلق صوت الحجار وهو يغني لخالد سعيد لحن أحمد حمدي رءوف مثل القطار المجري الذي يشق الغيطان ويلتهم القضبان, ناهيك عن شعور بزخم الأيام الأولي للثورة مع كلمات الشاب الموهوب أحمد حداد في أغنية المسيرة. وفي النهاية ستقف رغما عنك متأملا وجوه أولئك البشر من أبناء المحروسة المرسومة علي وجهوههم ابتسامة إشراق لغد أفضل وأنت تستمع إلي ألبوم ضحكة وطن وصولا إلي ذروة رحلة المتعة مع الحجار التي لاتكاد تنتهي حتي تبدأ معها من جديد من خلال ألبوم شديد التميز في سجل الغناء الوطني.