تطالعنا الصحف من وقت لآخر بأخبار عن إحالة شركة أو أخرى لجهاز حماية المنافسة ومكافحة الاحتكار، للتحقيق فيما إذا كانت تقوم بممارسات تضر بأوضاع المنافسة فى سوق سلعة أو خدمة معينة. وبعيدا عن المصطلحات الضخمة والتعبيرات المعقدة.. الاحتكار ببساطة يعنى هيمنة شركة معينة أو مجموعة قليلة من كبار رجال الأعمال على سوق سلعة أو خدمة محددة، بحيث يتمكنون فى ظل هذا الوضع من أمرين أولهما اتخاذ سياسات من شأنها الإطاحة بالمشروعات الصغيرة التى تعمل فى نفس المجال بحيث يخلو السوق للكبار، والأمر الآخر هو فرض أسعار مبالغ فيها للسلعة أو الخدمة المقدمة للمستهلك، الذى لا يوجد أمامه بديل آخر فى ظل انفراد المحتكر أو القلة المحتكرة بالسوق. آفة الاحتكار أنه يقف بذاته عقبة تحول دون نمو المشروعات الصغيرة والمتوسطة. الاحتكار فى معظم الأحوال يكون عنوانا لتحالف الثروة مع السلطة. نماذج التداخل بين كبار رجال الأعمال والسلطة فى مصر فى عهد مبارك مازالت ماثلة للأعين. نفاذ كبار رجال الأعمال إلى عمق السلطة التشريعية والمناصب التنفيذية يؤدى بذاته إلى صياغة القوانين والتشريعات على النحو الذى ينحاز لمصالح الاحتكارات، فضلا عن التطبيق الانتقائى للقوانين المختلفة بحيث تستأثر المشروعات الاحتكارية بكل ما تتيحه التشريعات من مزايا، وتفلت من الالتزام بأى قوانين وتشريعات تتعارض مع مصالحها. البنك الدولي.. حامى حمى نظام السوق والمدافع التقليدى عن توسع القطاع الخاص مقابل تقليص دور الدولة فى النشاط الاقتصادي، أصدر تقريرا عام 2006 أكد فيه أن هيمنة الاحتكارات فى مصر تعوق نمو القطاع الخاص. فى عام 2014 عاد البنك الدولى وأصدر تقريرا عن سوق العمل فى مصر يغطى الفترة من 1998 2012، التقرير أكد أن شركات رجال الأعمال ذوى العلاقات السياسية القوية وفرت 11% فقط من كل الوظائف فى القطاع الخاص بمصر، فى حين أن تلك الشركات هى التى حصلت على الأراضى الرخيصة واستأثرت بنحو 92% من القروض الممنوحة للقطاع الخاص وعلى الجزء الأكبر من دعم الطاقة. كما أكد أن الشركات الكبيرة القريبة من السلطة فى مصر استأثرت بتراخيص حكومية تكفل لها مركزا احتكاريا فى صناعات الأسمنت والحديد والصلب، يحول دون دخول ونمو شركات منافسة ويحول بالتالى دون توفير وظائف جديدة، وأن 80% من شركات رجال الأعمال ذوى العلاقات السياسية القوية يعملون فى ظل أساليب حمائية تضمن لهم الانفراد بالسوق المحلية، وتحقيق الأرباح الضخمة. كما أكد التقرير أن هذه الاحتكارات القريبة من السلطة تستأثر بالمزايا من ناحية، وتفلت من القوانين والقواعد التنظيمية التى تخضع لها بقية الشركات من ناحية أخري. هذا عن الآثار السلبية للاحتكار على سوق الإنتاج وإيجاد الوظائف وفرص العمل. الجانب الآخر من الصورة هو الأثر على المستهلك. كلنا يعرف أن أسعار السلع فى أسواقنا لا تعرف إلا اتجاها واحدا هو الارتفاع!. المحتكر يفعل ما بدا له لأنه يعلم أنه ينفرد بالسوق وأن المستهلك لا حول له ولا قوة. المحتكر يتحكم ليس فقط فى سعر ومستوى جودة السلعة أو الخدمة، وإنما يمكن أن يتحكم أيضا فى مدى توافرها. يمكن للمحتكر أن يحجب سلعة معينة عن السوق أو يتوقف عن إنتاجها حتى ولو كانت سلعة ضرورية. شركات الدواء فى مصر تفعل ذلك. توقفت عن إنتاج وطرح قائمة من الأدوية التى ترى أن سعرها غير مجز. القائمة تضم أدوية ضرورية لمرضى القلب وارتفاع ضغط الدم والكبد فضلا عن المضادات الحيوية الموضعية لجروح العمليات وقرح الفراش. الشركات المحتكرة حجبت الأدوية عن السوق، أما المرضى فلهم رب يتولاهم! أول خطوة لمواجهة الاحتكارات هى ببساطة وجود منافسة قوية تتيح البديل أمام المستهلك. المجمعات الاستهلاكية تمثل إحدى الأدوات المهمة لمواجهة جشع احتكارات تجارة المواد الغذائية. توسيع وتطوير شبكة النقل العام هو الحل لمواجهة مملكة الميكروباص التى تسوم المواطن المصرى العذاب فى رحلة تنقلاته اليومية. إحياء مصانع الحديد والصلب فى حلوان هو السبيل لمواجهة احتكارات حديد التسليح. إحياء وتطوير مصانع القطاع العام وإدارتها على أسسس الكفاءة والجودة هو أول خطوة حقيقية لإيجاد منافس قوى فى السوق قادر على تحقيق التوازن مع الاحتكارات الخاصة والحيلولة دون انفرادها بالمستهلك. مطلوب إعادة تنظيم السوق على النحو الذى يفتح الباب أمام دخول المزيد من المشروعات فى المجالات التى تهيمن عليها الاحتكارات وخضوع الجميع على قدم المساواة لما تنص عليه التشريعات من قيود تنظيمية وما تتيحه من مزايا. مطلوب إيجاد الإطار التشريعى والتنفيذى الكفء والفعال لحماية المنافسة ومكافحة الاحتكار. مطلوب تشريع جاد يكفل تطبيق عقوبات رادعة وموجعة على المحتكر تحرمه بالفعل من ثمار سياساته الاحتكارية. مطلوب جهاز رقابى قوى وكفء وسريع الحركة وله كل الصلاحيات التى تمكنه من أداء دوره فى مواجهة الاحتكارات. مطلوب أيضا جهاز قوى وكفء لحماية المستهلك فى ظل صلاحيات كاملة تمكنه من مواجهة الآثار السلبية للاحتكار على سعر وجودة وانتظام عرض السلع والخدمات. مطلوب إلزام الشركات الاحتكارية بالعودة لإنتاج الأدوية التى حجبتها عن السوق وإيقاف جريمة القتل العمد التى تقترفها فى حق آلاف المرضى المصريين. لمزيد من مقالات د. سلوى العنترى