فى أغسطس 1876 صدر العدد الأول من الأهرام و فى الصفحة الأولى كانت الدعوة واضحة « ندعو أصحاب الأقلام البليغة أن يزينوا من وقت لآخر الجريدة بما يسطرونه من بديع الكتابة والحكم والفوائد التي يلتذ باجتنائها كل ذي ذوق سليم» ، وكان من أبرز الأسماء التى لبت الدعوة الإمام محمد عبده. بعد هذا التاريخ بأكثر من 130 عاما، تلقيت دعوة مماثلة للكتابة فى الأهرام، لكن عندما قمت بتلبيتها حدث أن وقعت فى ثلاثة أخطاء، و مع نهاية المقال ستعرف حضرتك أننى أقع اليوم فى الخطأ الرابع. أما الخطأ الأول فكان الدخول على ملحق الجمعة وعلى هذه المساحة بدون (إحم ولا دستور)، لم يمهلنى الحماس الفرصة للكتابة عن حلم قديم بأن يرى الواحد اسمه هنا، صحيح أننى ابن أحد أهم إصدارات المؤسسة ( مجلة نصف الدنيا)، لكن الكتابة للجريدة نفسها له سحر من نوع خاص، أما الكتابة لمحلق الجمعة فهى حلم أى كاتب فى أن يكون شريكا لمعظم بيوت مصر فى صباح عطلتها، تفاصيله تجاور الخبز الطازج و الطعمية الساخنة والبخور المنطلق قبل قرآن الجمعة والبحث عن سجادة الصلاة قبل النزول إلى المسجد. كان لابد من ( الإحم و الدستور) لتستطيع عزيزى القارئ أن تفسر هذا الظهور المفاجىء لصاحب الصورة المنشورة مع المقال الذى اقتحم حياتك بدون مقدمات، كان لابد من (الإحم و الدستور) لتوجيه الشكر لأصحاب الدعوة الكريمة للكتابة هنا آملا – وحسب نص دعوة الأهرام فى إصدارها الأول- أن « يلتذ باجتنائها كل ذي ذوق سليم». بالمناسبة ضج المصريون عندما تم إلغاء دستور 1923 و كانوا فى حالة غضب شديد، و يحكى أن رجلا مصريا خفيف الدم كان يسير فى أحد الشوارع ليلا وانتابته نوبة سعال، كان هناك رجل شرطة قريبا منه لم يعجبه الأمر فطلب من المواطن أن يتوقف عن نوبة الكحة و الإحم التى انتابته لأنها مزعجة، فقال له المواطن المصرى ( يعنى لا إحم و لا دستور؟)، فصارت مثلا. الخطأ الثانى هو أن يبدأ الكاتب سلسلة مقالات عن موضوع ما دون أن يقدم فكرة مقالاته، تقديم سلسلة المقالات هو بمثابة بنود عقد الاتفاق مع القارىء، و يحق له بعد مطالعة هذه البنود أن يوقع العقد و يتابع السلسلة أو يرفضها. كانت البداية خاطفة، فاتنى أن أشرح أن (صنايعية مصر) هى سلسلة مقالات عبارة عن مشاهد من حياة بناة مصر الحديثة، تحديدا البناة الذين يقبعون فى منطقة فاترة بين الضوء و الظل، هناك أسماء أرى أنها صاحبة دور كبير فى دفع مصر للإمام من مناطق مختلفة، لكن لم يتم الاحتفاء بهم كما يجب، فكانت السلسلة التى تفتش فى حياة هؤلاء الصنايعية، ناعوم شبيب أحد رواد البناء، المترجم أنيس عبيد الذى أدخل ترجمة الأفلام الأجنبية إلى مصر، أبلة نظيرة نيقولا التى كانت مرجع أكثر من جيل من الامهات المصرية قبل الدخول إلى المطبخ، إسماعيل الفلكى الذى أدخل علم الأرصاد إلى مصر، الخواجة صيدناوى، كابتن محمد لطيف مؤسس فن التعليق الكروى، بديع خيرى الشريك فى أهم تجارب مصر الفنية ( تجربتى سيد درويش و الريحانى) ، سليمان الفرنساوى الذى اعتمد عليه محمد على فى تكوين أول جيش مصرى، حامد جوهر مؤسس علوم البحار،زكريا الحجاوى مخزن تراث مصر الشعبى، أمينة الصاوى أول من كتبت المسلسل الدينى و آخرون كانوا مسئولين عن دخول البريد و التلغراف و التليفون وأتوبيسات النقل العام و تخطيط الشوارع و التجارة و التعليم. البحث فى تاريخ هؤلاء صعب بالفعل و كنت قد بدأت قبل عام بالكتابة عنهم لكننى لم أنجز سوى 8 حلقات ثم توقفت بحثا عن المزيد من المعلومات النادرة، و يمكنك عزيزى القارىء أن تعتبر هذا المقال دعوة لحضرتك لتقديم يد العون للعبد لله بتقديم ما لديك من معلومات نادرة عن هذه الأسماء أو مايشبهها.( الإيميل منشور فى نهاية المقال). الثالث: أرسل لى بعض القراء يستفهمون عن سر البداية ب المهندس ( ناعوم شبيب)، خاصة و أننى قد قمت بالكتابة عنه من قبل و سبق أن نشرت عنه مقالا مماثلا، و اختيارى للمهندس شبيب كمدخل لسلسلة الصنايعية تزامن مع عيد ميلاد الأهرام، وهو المهندس الذى تحول رسمه إلى مبنى الأهرام الحالى، ثم تحول المبنى من جديد إلى رسم يراه الجميع أيقونة ولوجو يمكنك بمجر النظر إليها أن ترى كل التاريخ الكبير الذى مر من هذا المبنى، فكرت أن الدخول على الأهرام فى صحبة المهندس الذى بناه فى عيد ميلاد المؤسسة ربما تكون لقطة ذات مغزى، لكنها كانت لقطة مشوشة و هذا يعود لعيب ما فى دماغ الكاتب ( راجع صورة الكاتب). رابعا: تحدثت عن ثلاثة أخطاء، أما الرابع الذى أقع فيه اليوم هو أن يبدأ كاتب فى نشر سلسلة مقالات عن موضوع معين، ثم يتوقف بعد الحلقة الثانية ليكتب جملة اعتراضية تزيد على 700 كلمة، قطع السلسلة هو خطأ لكنه كان واجبا (علشان نبدأ على نضافة)، لكن بداية من الأسبوع القادم سنعود إلى موضوعنا إن شاء الله،و سيدهشك تاريخ صنايعية مصر أصحاب الفضل المجهولين فى تشكيل حياتك التى تعيشها اليوم .