لأن الدنيا أصبحت بحق «جهنم الحمراء».. بعد أن تعدت درجات الحرارة كل الحواجز وتحولت إلي نار الله الموقدة.. وأصبح «التكييف» في حياتنا فجأة مثل رغيف العيش.. ولكن للقادرين وحدهم من أصحاب النظارات السوداء.. الذين يركبون عربات مكيفة وهم في طريقهم إلي أعمالهم حيث تنتظرهم غرف مكيفة وخدمات «في آي بي» يعني خدمات الناس اللي همَّا بتشديد الميم حسب تعبير عم عبد النبي ساعي مكتبي قبل أن يحال إلي المعاش.. ولا يهم هنا ماذا يجري للناس الغلابة الذين يدورون طول النهار في عز نفحة الشمس التي لا ترحم في الشوارع جريا وراء لقمة العيش ياخدوا ضربة شمس. ما ياخدوش.. يموت منهم ثلاثون أو أربعون في اليوم الواحد بفعل هذه الشمس الحارقة التي لا ترحم.. لا يهم.. ولأننا تعودنا.. طول عمرنا بوصفنا سكان هذا الكوكب.. أن نتلقي الأوامر من الشمس وأن نقول لها: سمعا وطاعة يا أميرة الكون.. ولسنا نعيش أيام أباطرة الصين في الزمان الغابر.. عندما كان الأباطرة العظام يرسلون في الصباح الباكر فرقة من عساكر الامبراطور عند المكان الذي تشرق منه الشمس عادة كل صباح ليقول لها رسول الامبراطور: بأمر الامبراطور العظيم.. اشرقي يا شمس الصباح.. فتشرق الشمس بأمر الامبراطور.. لسنا بالطبع في عصر أباطرة الصين العظام.. لكي نأمر الشمس ألا تطلع من خدرها ونمنع لظاها وحمم حرها وشردها ونيران أشعتها التي تلسع الوجوه وتلهب الرءوس وتقتل في صمت ونحن عنها لاهون.. حتي فقدنا في اسبوع واحد نحو مائة فرد ويزيد بخلاف 1500 حملتهم سيارات الاسعاف إلي المستشفيات.. ولأننا لا نملك وسيلة اتصال بكبير آلهة جبل الأوليمبي حسب عقيدة الاغريق القدامي لكي يرسل لنا رب الرياح والمطر والجليد.. لكي ينقذنا مما نحن فيه.. فقد اكتفينا مرغمين أن نقبل ضيافة صياد دببة عجوز من أهل الإسكيمو القدامي.. لنجلس في حمي كوخه وكرم ضيافته نتصفح كتاب الدنيا من حولنا.. ونقف طويلا علي صفحة مصر التي هى في القلب دائما وفي الوجدان لنري ماذا جري لها؟.. وماذا فعل الحر بها؟ وكيف شاهد الذين من حولنا صور مصر وهي تبحر في قناة السويس الجديدة.. أولي معجزات القائد لشعبه الذي يحبه. ........... ........... قبل أن نبدأ في تتبع طوابير أخبار البلد ونحن في الغربة في آخر بلاد الدنيا.. في بلاد التبت.. ينفتح باب كوخ الصياد الفقير عنوة.. فإذا بنا أمام الجرنالجي الأول الذي يحمل اسم سليم تقلا صاحب ورئيس تحرير أول صحيفة مصرية يومية صدر العدد الأول منها في الخامس من أغسطس ولكن قبل مائة واربعين عاما بالتمام والكمال في عام 1876.. بطربوشه الأحمر القصير وبدلته الرقيقة موديل نفس العام.. يعني موديل عام 1876.. يا سلام.. ليقول لنا: يا عالم أنسيتمونني.. لقد خرج الأهرام إلي الدنيا في الخامس من أغسطس.. أما القناة العظيمة فقد خرجت للوجود بعده بيوم واحد فقط.. فقط.. يعني في السادس من أغسطس ولكن بعد 140 عاما بالتمام والكمال! تنفسنا كلنا الصعداء.. وهدأنا ولكنه لم يهدأ.. أقصد الجورنالجي الأول الذي اسمه سليم تقلا.. بل قال لنا: لكم أود أن أختم ميزان أعمالي علي الدنيا بركوب اليخت المحروسة للمرة الثانية والابحار في قناة السويس الجديدة التي افتتحها الخديو إسماعيل باشا الذي جعل من القاهرة قطعة من أوروبا.. تتلألأ بالجمال والعمائر والطرق والكباري والأوبرا وكوبري قصر النيل.. قلنا له علي السمع والطاعة يا زميلنا العزيز طلبات الجورنالجي الأول.. أول رئيس تحرير للأهرام.. أوامر سننقل رغبتك السامية إلي فخامة الرئيس .............. ................ قلنا لأول رئيس تحرير للأهرام: تعال نقرأ معا أحداث الدنيا من حولنا.. هل الحال هو الحال؟ وهل توقفت الحروب؟ هل توقف نهر الدم بين الدول؟.. هل توقفت آلة القتل.. أم ازدادت شراهة وشراسة؟ اندهش عمنا أول رئيس تحرير للأهرام وفتح فاهه عن آخره عندما أخبرناه.. أنه بعد 38 سنة من توليه رئاسة التحرير سوف تقع الحرب العالمية الأولي التي سوف تودي بحياة خمسة ملايين إنسان.. وأنها سوف تنتهي بانتصار الحلفاء وهزيمة ألمانيا! واندهش آخر دهشة وفتح فاهه حتي آخره.. عندما أخبرناه أن حربا عالميا ثانية سوف تقع في عام 1939 وتستمر حتي عام 1945.. وسوف تحقق هي الأخري خرابا بلا حدود وأعداد من القتلي والجرحي والمشردين يفوق أعداد ما خلفته الحرب العالمية الأولي.. وانها سوف تنتهي بإلقاء القنبلة الذرية فوق هيروشيما وناجازاكي ويموت في لمح البصر أكثر من مليون إنسان ويصاب أضعافهم! ولكنه راح يضرب كفا علي كف عندما أخبرناه وقد جئنا من القرن الواحد والعشرين بأن انجلترا سوف تحتل مصر في عام 1882 وأن عرابي القائد المصري العام سوف يخسر الحرب بخديعة وخيانة من خسرو باشا! .................. .................. فاجأت زميلة عزيزة عمنا الجورنالجي الأول بأن راحت تقرأ أمامه أخبار هذه الدنيا التي من حولنا.. وفتحت أمام عينيه شاشة الموبايل وقالت له: اقرأ يا سيدي ماذا جري في دنيانا هذه الأيام.. المستوطنون في إسرائيل يحرقون طفلا فلسطينيا رضيعا حتي الموت! قال في انزعاج شديد: وهل بيننا دولة اسمها إسرائيل حقا.. ومتي قامت؟ قالت: بعد أن وافقت هيئة الأممالمتحدة في عام 1947 علي قيامها.. وبعد هزيمة كل جيوش العرب أمامها في عام 1948! يضرب عمنا الجورنالجي الأول كفا بكف وهو يقول: يا خبر اسود.. كمان اتغلبنا وضاعت فلسطين يا سنة سودة يا ولاد! قلنا: وضاعت القدس كمان! قلنا كلنا في صوت واحد: يعني يا سيادة رئيس التحرير أتقيم الدنيا وتقعدها بعد 68 عاما! علي أي حال.. كفاية عليك لحد كده.. أمال حتعمل ايه لما نحكي لك عن ضياع العراق وتدمير سوريا.. وسيطرة جماعة داعش علي أجزاء مهمة في العراقوسوريا وتشريد أكثر من 8 ملايين سوري يعيشون في مخيمات اللاجئين من بينهم خمسة ملايين يعيشون في مصر! ينظر إلينا متحسرا: وما لكم كده آخر هدوء.. آخر بلاطة وكأن الأمر لا يعنيكم بالمرة! .................... ............................. الزميلة العزيزة فاطمة شعراوي تقرأ لمولانا أول رئيس تحرير شريط أخبار هذا الاسبوع. الخبر الرئيس السيسي يعلن أن مصر تحتاج 12 مليار دولار لحل أزمة الكهرباء خلال خمس سنوات! {التعليق للجورنالجي الأول: الدولار في زماننا يساوي ريالا مصريا.. يبقي مصر محتاجة 12 مليار ريال مصري واحسبوها أنتم بقي! قلت: نشوف الدولة بتتحمل قد ايه .. لكي تخفف عن كاهل المواطنين! الخبر: الرئيس السيسي يعلن نصف ميزانية الدولة.. عجز+ خدمة دين.. ونصفها الثاني بيروح في دعم السلع الضرورية مثل رغيف العيش+ صيانة مرافق الدولة! ولكنم لو حسبناها بحساب هذه الأيام.. يعني بالجنيه المصري.. يعني مصر سوف تدفع لحل أزمة الكهرباء المتكررة 84 مليار جنيه.. من دم الحي! {التعليق للجورنالجي الأول سليم تقلا: موش فاهم حاجة.. حد يفهمني بس يعني ايه دعم؟ قلنا: يعني ما تدفعه الدولة فى فوق الاسعار! الخبر: الرئيس السيسي لمبعوث الأممالمتحدة: 5 ملايين لاجيء مصر تستضيفهم.. ولن نقبل الضرر بأمننا القومي! الجورنالجي الأول: يا خبر يا جماعة.. دول عدد سكان مصر علي أيامي! ................ ............... طلب منا الجورنالجي الأول سليم باشا تقلا أن نأخذه في جولة في شوارع القاهرة التي طالما مشي فيها أيام شبابه.. قبل أن يستقر في الإسكندرية حاضرة المحروسة أيامها وعاصمتها التي تطل علي دول حوض البحر الأبيض، ولم تكن القاهرة تحظي بما تملكه الإسكندرية من تحضر وتمدين.. قلت له: وعشان كده بقي الجورنالجي الأول قرر أن يصدر الأهرام من الإسكندرية أولا.. قبل أن ينتقل إلي القاهرة؟ قال: هذا صحيح تماما.. ومازال مبني الأهرام الذي صدر منه أول مرة في الإسكندرية علي حاله في شارع صفية زغلول.. نفس المبني.. ونفس المكان.. وإن تغيرت المعالم كثيرا عما كانت عليه قبل 140 عاما! يطلب مني مولانا الجورنالجي الأول أن نشرب فنجانا من القهوة.. في بهو فندق شبرد العتيق.. في شارع إبراهيم باشا! قلت له ضاحكا: تعيش أنت يا باشا.. قال: خير! قلت: فندق شبرد القديم احترق في حريق القاهرة في 26 يناير 1952 وأصبح مكانه الآن موقفا للسيارات! يضرب كفا علي كف وهو يقول: طيب والأوبرا العظيمة التي بناها عمنا الخديو إسماعيل! قلت: هي الأخري احترقت عن آخرها.. لكن الحمد لله.. لقد بني لنا اليابانيون أوبرا جديدة في الزمالك أمام تمثال سعد زغلول باشا! يسألني: طيب وكوبري قصر النيل والأسود الأربعة علي مدخليه؟ قلت له ضاحكا: الحمد لله كويسين وبيسلموا عليك! ................. ................. اسأل مولانا أول رئيس تحرير للأهرام: ألم تكونوا تنشرون بابا للنكت في الأهرام.. والمصريون كما تعملون أهل النكتة في العالم كله؟ قال: كنا ننشر نكتا بالطبع! اسأله: زي؟ قال مبتسما: وهل يحاول ان يتذكر: زي واحدة وحشة قوي بتكره جوزها قوى.. كل يوم تقف قدام المراية وتقول كلمة واحدة بس: يستاهل!{