جاء مشروع قناة السويس الجديدة ليفتح الباب واسعاً لإقامة الكثير من المشروعات اللوجيستية وغيرها فى هذا الإقليم المهم، لما يتمتع به لكونه أكبر مركز فى مصر للمناطق الحرة والصناعية والاقتصادية وخطوط السكك الحديدية، وكذلك النقل الجوى والبحرى، وهى مقومات أساسية تمثل أحد دعائم اللوجيستيات وأهم ركائز التنمية الاقتصادية للاقتصاد الوطنى وتوليد آلاف فرص العمل، كما أن إقليم قناة السويس يُعد من أهم الأقاليم الاستراتيجية المهمة، ليس لمصر فقط بل للمنطقة العربية ومنطقة الشرق الأوسط؛ لأنه إقليم تجتمع فيه عبقرية المكان والزمان، ولأجل الوصول إلى تحقيق أقصى استفادة نحاول في السطور التالية أن نرصد من خلال الخبراء الرؤية المستقبلية للمشروعات اللوجيستية فى هذا الإقليم المهم من خلال الخبراء. بداية تقول الدكتورة منى صبحى نور الدين مدرسة الجغرافيا الاقتصادية بكلية الدراسات الإنسانية جامعة الأزهر : المشروعات اللوجستية هى مجموعة من الأنشطة لإدارة الأعمال بما فيها تبادل البيانات عبر الشركة أو الشركات التى تستجلب المواد الخام والمواد نصف المصنعة ، ويفيد تشكيلها وتجميعها لاستكمال المنتج النهائى ، وتقوم بتسلم هذا المنتج حتى يصل إلى المستهلك فى الوقت المطلوب ، وبأقل تكاليف ممكنة ، وهى أيضاً الدمج الكامل والتخطيط والسيطرة على جميع الأنشطة المتصلة بحركة المواد على طول سلسلة القيمة المضافة فى جميع مستويات التجهيز، وارتبطت المشروعات اللوجستية بالمناطق الحرة، والتى تُعد مراكز تخزين العديد من الشركات العالمية . وتمنح هذه المناطق المستثمرين الكثير من الحوافز ، مثل الإعفاءات الجمركية ، والحرية فى استيراد وتصدير البضائع المتداولة داخل المنطقة . وعدم وجود تحويلات نقدية بغرض جذب العديد من الأنشطة ، مما يعود فى المقابل على الدولة بالعديد من المنافع المادية الناتجة عن إيجار الأراضى والخدمات المادية التى تقدمها ، وتوظيف العمالة الوطنية والخدمات الصناعية والأنشطة الإدارية والتجارية وزيادة إنتاجية الأرصفة وتقليل زمن بقاء السفن بالموانئ وانخفاض نسبة العمالة على الأرصفة ، وتدعيم المفاهيم الخاصة بالنقل البحرى العابر والنقل متعدد الوسائط ، ومفهوم إعادة الشحن والخدمات اللوجستية التى تحقق قيمة مضافة . الخدمات اللوجستية وتوضح الدكتورة منى صبحى أنه يمكن تقسيم الخدمات اللوجستية إلى خدمات تتم داخل الميناء مثل: تداول الحاويات، ومركز توزيع الحاويات، وخدمات الإصلاح وخدمات تأجير الحاويات وتنظيفها وخدمات تخزين الحاويات العادية والحاويات المبردة والخطرة فى الساحات الخاصة وتخزين بضائع الحاويات فى المخازن المشتركة، وخدمة متابعة درجات الحرارة للحاويات الثلاجة، والكشف الإشعاعى وتقديم خدمات السلامة بساحات الحاويات الخطرة إلى جانب وجود مكاتب لشركات الشحن والنقل متعدد الوسائط والخطوط الملاحية. أما الخدمات اللوجستية التى تتم خارج الميناء فهى أنشطة بناء السفن من خلال الترسانات فى المنطقة، وخدمات تجميع البضائع الصادرة وتعبئتها داخل حاويات فى المصانع، وتفريغها فى الموانئ ومستودعات التخزين. وتؤكد أن كل ما يحتاجه العالم يوجد لدينا حيثُ تعد قناة السويس كمجرى ملاحى من أهم المقومات اللوجستية، فهذه ميزة فوق ميزة الموقع الجغرافى، حيث يمر بها أكثر من 10% من إجمالى التجارة العالمية. وتطالب د.منى بضرورة أن تخرج موانئ قناة السويس من الدور التقليدى للموانئ باعتبارها نقاط مرور فقط إلى أن تكون مراكز لتحميل الحاويات ثم مراكز توزيع عالمية، ومراكز لوجستية ولابد من إضافة خدمات جديدة من خلال أنشطة القيمة المضافة وخاصة الحاويات، فبدلاً من أن يتم تداول الحاوية ب50 دولاراً يمكن رفعها إلى 350 دولاراً كما هو الحال فى ميناء سنغافورة العالمى وضرورة وجود مراكز لوجستية على الطريق الملاحى الذى يربط بين الشرق الأقصى وأوروبا تعمل على جذب الشركات العالمية العملاقة وتنمية النقل البحرى بالمنطقة ككل مشروعات جارٍ إعدادها. وتؤكد الدكتورة منى صبحى نور الدين إنشاء محطة المحولات الدائمة بميناء شرق بور سعيد سعة 250 ميجا فولت/أمبير بتكلفة 210 ملايين جنيه، ومنطقة انتظار الشاحنات المزودة بكل المرافق والخدمات والتى ستتم إدارتها طبقاً لأحدث النظم الالكترونية حيثُ تبلغ المرحلة الأولى 50 مليون جنيه، وجارٍ إعداد دراسات الجدوى لمشروعات المرحلة الأولى من المخطط العام للميناء، والتى تشمل محطات الحاويات والبضائع المتعددة والصب الجاف والزراعى. أما المرحلة الثالثة فتستهدف وصول عدد الحاويات إلى ثلاث محطات، وذلك بالإضافة إلى محطة السكة الحديد وإقامة المنطقة الصناعية الحرة وساحة إصلاح السفن. ويرتكز مشروع تنمية محور قناة السويس على ثلاثة مراكز: الأول: تنمية بور سعيد مع منطقة شرق بور سعيد وشمال القنطرة شرق وسهل الطينة على مساحة 70 ألف فدان مع إنشاء نفق جديد أسفل القناة. والمركز الثانى: تنمية الإسماعيلية وضاحية الأمل غرب القناة مع وادى التكنولوجيا والإسماعيلية، مع إنشاء نفق جديد أسفل القناة والمركز الثالث: تنمية منطقة شمال غرب خليج السويس مع ميناء ومطار العين السخنة بمساحة 46 ألف فدان. وتطالب الدكتورة منى صبحى بضرورة تهيئة المناخ التشريعى وإنشاء هيئة إدارية خاصة ومستقلة بالإقليم، وضرورة وجود مركز مالى وإدارى عالمى لإعداد إقليم قناة السويس ليكون مركزاً عالمياً لتحميل وتوزيع الحاويات ومن ثم مركزاً لوجستياً، وإيجاد مركز سياحى عالمى ومشروع لإنتاج الحاويات وسفنها، كما تطالب بتشجيع القطاع الخاص المصرى والأجنبى فى تطوير منظومة النقل البحرى، واستكمال شبكات الطرق والسكك الحديدية التى تربط إقليم القناة بالدول العربية. القيمة المضافة أما الدكتور رُبَّان محمد الحداد الرئيس التنفيذى للمجلس العربى لحكماء النقل التجارة البحرية، فيرى بعد افتتاح مشروع قناة السويس الجديدة ضرورة أن توجد مرحلة ثانية تشمل مشروعات القيمة المضافة، التى تتمثل فى المراكز اللوجستية وصناعة الخدمات، والخدمات البحرية وتموين السفن بالوقود والمؤن بالإضافة إلى مراكز إصلاح السفن السريع خلال عبورها من القناة. ويطالب القيادة السياسية بضرورة النظر إلى ملف الاقتصاد البحرى برمته، بوصفه قاطرة التنمية حيثُ إن موقع مصر الاستراتيجى قادر على تحويل مصر إلى دولة بحرية ذات نشاط بحرى..بمعنى أن 80% من الدخل القومى يكون من الصناعات البحرية المختلفة خاصة أن هذا الملف لا يمثل أى عبء على ميزانية الدولة بل كل ما تحتاجه هو تشريع موحد للبحرية التجارية بما فيها منطقة محور قناة السويس بوصفها أهم عناصر هذا الملف.. على أن يحقق القانون أو التشريع 5 عناصر مهمة هى: 1- الحفاظ على ممتلكات وأصول الدولة. 2- المحافظة على حق صاحب العمل. 3- المحافظة على حق العامل. 4- جذب رءوس الأموال الأجنبية . 5- المحافظة على رءوس الأموال المصرية من الهروب خارج البلد مع وضع جميع الأنشطة البحرية تحت إشراف وزارة واحدة كما كانت فى السابق «وزارة النقل البحرى»، ولكن بمسمى أكثر شمولية «وزارة البحرية التجارية»؛ لوضع سياسات تكاملية وليس تنافسية بين عناصر الملف، وأهمها الموانئ التى تنافس بعضها البعض مما يؤثر سلباً على أنشطتها..ولابد من الوضع فى الاعتبار تنفيذ الاتفاقيات والمعاهدات الدولية لرفع درجات الموانئ المصرية فى التقييم الدولى، مع الاهتمام بإعادة الأسطول التجارى البحرى كسابق عهده، وكذلك العمالة البحرية التى تُعد من أهم عناصر هذا الملف..فمثلاً فى الفلبين العمالة البحرية تُدخل 14 مليار دولار سنوياً أى أكثر بكثير من دخل قناة السويس، وكذلك نهر النيل والبحيرات وملف الصيد سواء فى أعالى البحار، أو فى المياه الإقليمية أو البحيرات أو نهر النيل والصناعات القائمة عليه من تعليب وتجفيف وتجميد. هذه حزمة من المشروعات تستطيع أن تحقق نقلة نوعية فى الملف الاقتصادى المصرى وتقليص حجم العمالة المعطلة، إذا وجدت الرؤية الواضحة والشفافية التامة فى التخطيط وإعلان الفرص الاستثمارية على الجميع بالتساوى دون مجاملة أو تدخل من أحد، بشرط أن يقوم على إدارة هذا الملف متخصصون وأهل الخبرة وليس أهل الثقة، إعلاءً لمبدأ التخصيص وتعظيم دور العلم.