إذا شئت صياغة أخرى لعنوان هذا المقال ففى إمكانك القول « من زمن الأصولية فى القرن العشرين إلى زمن الإرهاب فى القرن الحادى والعشرين». ومغزى هذه الصياغة أن جذور الإرهاب كامنة فى الأصولية، وبالتالى فإنك إذا أردت القضاء على الإرهاب عليك القضاء على الأصولية أيا كانت ملتها، إذ هى متماثلة فى جميع الملل. وتماثلها يكمن فى توهمها أنها مالكة لحقيقة مطلقة، وأن ليس من حق أى حقيقة أخرى الادعاء بأنها كذلك وإلا فإن مصيرها إرهابها. ومعنى ذلك أن الإرهاب حالة ذهنية فى نهاية المطاف. ولا أدل على صحة الفقرة السابقة مما حدث فى 11/ 9 بنيويورك عندما تم تدمير مركز التجارة العالمى بنيويورك. إلا أن التمهيد لهذا الحدث كامن فى شيوع الأصوليات الدينية فى القرن العشرين، وكان أبرزها وأقواها الأصولية الاسلامية التى استثمرت منجزات الثورة العلمية والتكنولوجية بوجه عام والانترنت ومواقع التواصل الاجتماعى بوجه خاص. وبذلك استطاعت «القاعدة» بقيادة بن لادن أن تتحول إلى تنظيم كوكبى بعيداً عن رقابة أجهزة الأمن وذلك بتغذية عقول المسلمين بأسس الحقيقة المطلقة المطلوب تمثلها. وأدلل على ما أقول بمثال واقعى ضم شخصيتين هما عبد السلام فرج مؤلف كتاب « الجهاد الفريضة الغائبة» والآخر هو حسين عباس صاحب الرصاصة الأولى التى قتلت السادات فى يوم الاحتفال بانتصارات 6 أكتوبر. وقد دار بينهما الحوار الآتى على نحو ما رواه لى أحمد مجاهد المحامى الذى كان فى حينها نائب رئيس حزب العمل بمناسبة التقائه حسين عباس للدفاع عنه. إلا أن استجابة حسين عباس كانت سلبية، إذ تساءل: لماذا حضرت للدفاع عني؟ هل لتحول الحكم من إعدام إلى مؤبد؟ هذا أمر مرفوض. إن نفسى تواقة إلى الموت بالاعدام لأرحل سريعاً إلى الجنة حيث الجميلات فى انتظاري. والسؤال اذن: ما هى ذهنية حسين عباس التى دفعته إلى تعاطى هذا الوهم الكبير؟. إنها ذهنية مطابقة لذهنية عبد السلام فرج التى كانت ترى أن من حقها قتل مَنْ لم يحكم بما أنزل الله. إلا أن هذه الذهنية لم تكن إبداعاً من فرج إنما كانت اتباعا لذهنية تراثية بدايتها ابن تيمية فى كتابه المعنون «مجموع الفتاوى» وفيه يأمر بوجوب قتل الحكام الكافرين الذين يحكمون بغير ما أنزل الله، ونهايتها سيد قطب فى كتابه المعنون «المستقبل لهذا الدين» وفيه يدعو إلى ضرورة القضاء على الغرب لأنه مصاب بمرض عقلى اسمه «الشيزوفرينيا النكدِ» ومن ملامحه ثلاثة: الإحياء الدينى والتنوير وعصر الصناعة. والمفارقة هنا أن الغرب وفى مقدمته أمريكا برئاسة الأصولى أوباما يتوهم أن موافقته على استيلاء الأصولية الاسلامية على الحكم فى جميع بلدان العالم الاسلامى كفيل بمنع الارهاب وترسيخ السلام. وهذا الوهم مردود إلى تجاهل فلاسفة الغرب لفهم أبعاد الأصولية الاسلامية مع تدعيم النخبة المثقفة فى العالم الاسلامى لهذا التجاهل. ومن هنا فقد اعتادت هذه النخبة على إثارة قضايا لا علاقة لها بتغيير الذهنية الأصولية إلى ذهنية علمانية كأن تتحدث عن ضرورة مواجهة شرور الاستعمار الأمريكى والرأسمالية الشرسة والصهيونية العالمية، وعن تدعيم الأحزاب الأصولية الاسلامية مثل حزب الله فى لبنان وحزب الجهاد الاسلامى فى غزة. ولا أدل على صحة ما أذهب إليه من المظاهرات المليونية التى قام بها الإيرانيون فى 10/7/2015 بمناسبة «اليوم العالمى للقدس» الذى تحييه طهران فى الجمعة الأخيرة من شهر رمضان وشارك فيها على لاريجانى رئيس مجلس الشورى الذى قال: «إن هزيمة العرب أمام الكيان الإسرائيلى حدثت بسبب ارتباطهم بالأنظمة الغربية» (الحياة، 11/7/2015). والسؤال يعد ذلك: ما الفرق بين ذهنية النخبة الإيرانية الأصولية والنخبة العربية؟. لا فرق. فالمصطلحات المتداولة عندهما متماثلة، إلا أن الفرق بعد ذلك هو فى توهم النخبة العربية أنها تقف ضد الارهاب. ومع ذلك فإنها فى حديثها عن الارهاب تميل فى الأغلب الأعم إلى إلصاقه بالدولة إلى الحد الذى فيه يكون ارهاب الدولة أقوى من أى ارهاب آخر. ولا أدل أيضاً على صحة ما أذهب إليه من دفاع منظمات حقوق الانسان فى مصر عن الارهابيين فى اللحظة التى ترى فيها الدولة أنها فى حاجة إلى تشريع جديد لمكافحة الارهاب. فقد صرح رئيس أكبر منظمة من هذه المنظمات بأن القصور الأمنى وليس القانونى هو السبب فى تكرار حوادث الارهاب منذ عهد الرئيس الأسبق مبارك. المشكلة ليست فى القوانين ولكن فى ضعف كفاءة الأجهزة ( الحياة، 13/6/2015). وعندما انتهيت من قراءة هذا التصريح قلت بلا تردد « يحيا الارهاب وتسقط الدولة»!. ومع ذلك فأظن أنه من حقى إثارة السؤال الآتي: ما مغزى اغتيال الرجل الثانى فى الدولة النائب العام المستشار هشام بركات؟. إن اغتياله يعنى سلب حق الحياة منه، وبالتالى سلب حقه فى إصدار أى حكم. ومعنى ذلك أن حق الحياة يقع فى الصدارة بالنسبة إلى حق حرية الاعتقاد أو حق حرية التعبير لأن حق الحياة هو الأصل فى نظرية « العقد الاجتماعي» التى تقرر موافقة أعضاء المجتمع على التنازل عن بعض الحقوق فى مقابل محافظة الحاكم على أمنهم، أى على حقهم فى حياة آمنة. ويترتب على ذلك أن تدمير حق الحياة ينطوى على تدمير المجتمع. والسؤال بعد ذلك: هل النخبة المثقفة ومن معها من منظمات حقوق الانسان والمجلس القومى لحقوق الانسان على وعى بهذه النهاية المأساوية؟. إذا جاء الجواب بالسلب فالكارثة قادمة، أما إذا جاء الجواب بالايجاب فإن مصر تكون فى طريقها إلى قيادة الأمم نحو السلام مع التنمية. لمزيد من مقالات مراد وهبة