فى أول مايو من هذا العام حاول فيصل شاه زاد الأمريكى الباكستانى الأصل تفجير سيارة مفخخة فى حى «تايمز سكوير» بنيويورك. وإثر هذا الحادث الإرهابى طالب عضوان من أعضاء الكونجرس بش تشريع جديد ينص على سحب الجنسية من أى أمريكى يتهم بتنفيذ عملية إرهابية أو يتهم بأنه على علاقة بمنظمة إرهابية، كما ينص على قتله بلا محاكمة. وهنا قد يقال إن القتل بلا محاكمة مناقض بالضرورة للقانون الجنائى الذى يشترط «ارتكاب» الجريمة وليس «التفكير» فى ارتكاب الجريمة. وهذا الشرط وارد فى قانون العقوبات كما هو وارد فى قانون الإجراءات الجنائية. وهنا قد يقال أيضاً إن هذا الشرط معروف لدى العضوين اللذين تقدما بالتشريع الجديد. المطلوب إذن إزالة هذا التناقض إما بحذف أحد المتناقضين وإما بإدخال فكرة جديدة تؤلف بين المتناقضين. فى الحالة الأولى ليس أمامنا سوى العودة إلى ما كان عليه الحال قبل سن التشريع الجديد وهو الانتظار حتى يتحقق «فعل» الإرهاب وعندئذ نبدأ فى تطبيق القانون الجنائى بمفهومه التقليدى. أما فى الحالة الثانية فيكون المطلوب «البحث» عن فكرة جديدة لرفع التناقض. وقد عثرت على هذه الفكرة الجديدة وتناولتها فى مقالين نشر أحدهما فى يناير 1993 فى مجلة «إبداع» تحت عنوان «حقوق الإنسان والدوجماطيقية» ونشر الآخر فى عام 2001، فى مجلة «المصور» تحت عنوان «إبستمولوجيا حقوق الإنسان». هذه الفكرة الجديدة مشتقة من البند الثالث من البنود الثلاثين للإعلان العالمى الذى أصدرته الجمعية العامة للأمم المتحدة فى 10/12/1948 الذى ينص على حق الحياة والحرية والأمن. إلا أننى قد اختزلت هذا البند فى «حق الحياة» لأنه بدون الحياة لا حرية ولا أمن. الذى دفعنى إلى هذا الاختزال هو ما فطنت إليه منذ السبعينيات من القرن الماضى من أن حق الحياة قد واجه أزمة، وهذه الأزمة مردودة إلى الأصولى الذى يتوهم أنه مالك للحقيقة المطلقة وبالتالى يتوهم أن هذه الحقيقة المطلقة يجب أن تكون لها السيادة. ومن يرفض هذه السيادة يصبح مهدداً لوجود هذه الحقيقة المطلقة الأمر الذى يتطلب قتله حتى تبقى هذه الحقيقة بلا منافس. وعندئذ يقال عن هذا الأصولى الذى يقتل إنه إرهابى. أما هذا الإرهابى فإنه يقول عن نفسه إنه شهيد وإنه فى الطريق إلى الجنة. والسؤال بعد ذلك: هل من حق الذى يقرر سلب الحياة من الآخر دون محاكمة أن يسمح له بمواصلة الحياة؟ وفى صياغة أخرى: هل من حق الإرهابى سلب حق الحياة من الآخر عندما «يفكر» فى قتله وينفذ ما «فكر» فيه؟ أظن أن الجواب بالنفى، والدليل على سلامة هذا الجواب هو الحوار الذى دار بين عبدالسلام فرج وحسين عباس. والسؤال إذن: مَن هو عبدالسلام فرج ومَن هو حسين عباس؟ عبدالسلام فرج هو المنظر لتنظيم الجهاد فى مصر، وهو صاحب كتاب «الفريضة الغائبة» الذى يستند إلى فكر أبو الأعلى المودودى المؤسس للجماعة الإسلامية فى باكستان والمؤثر فى فكر سيد قطب. أما حسين عباس فهو رقيب متطوع بالدفاع الشعبى وواحد من أبطال الرماية فى الجيش المصرى: وهو القناص الحقيقى الذى أصاب السادات فى مقتل إذ اخترقت رصاصته الجانب الأيمن من رقبة السادات فى الجزء الفاصل بين عظمة الترقوة وعضلات الرقبة، ثم صوب أربع رصاصات أخرى فى صدره. قال عبدالسلام فرج لحسين عباس: مبروك يا حسين انت هتدخل الجنة قال له حسين: إزاى؟ قال فرج: هنقتل السادات. قال حسين: موافق. وعندما ذهب المحامى أحمد مجاهد - الذى كان نائب رئيس حزب العمل الاشتراكى - إلى حسين وهو فى قفص الاتهام ليطلب منه الموافقة على دفاعه عنه رفض لأنه يريد الإعدام بدلاً من المؤبد لكى يذهب سريعاً إلى الجنة. والسؤال بعد ذلك: هل فى الإمكان منع الإنسان من أن يكون إرهابياً؟ جوابى بالإيجاب إذا كان فى الإمكان تفكيك العلاقة بين القتل بالمطلق والذهاب إلى الجنة. والسؤال عندئذ: كيف تتم عملية التفكيك؟ أظن أن أصحاب المطلق هم المكلفون بالجواب عن هذا السؤال فإذا امتنعوا يكون العلمانى هو المكلف بتدريب الإرهابى على التعامل مع النسبى بما هو نسبى وليس بما هو مطلق.