إحدى الخطوات الكبرى فى هندسة نكبة العراق المتواصلة فصولها حتى اللحظة الراهنة،كانت تفكيك جيش العراق بعد الغزو، وهى مسألة تمت عن قصد وتدبر مقترنة بحل الشرطة والمخابرات وحزب البعث العراقى (يعنى كل أدوات الضبط المادى للسلطة) وقد كان الصهيونى جاى جارنر أول حاكم للعراق يضطلع بمهمة أساسية هى تأسيس شركات فى العراق للأوليجاركية (النخبة الحاكمة) فى أمريكا وقتها، وبأسماء جورج دبليوبوش، ودونالد رامسفيلد وزير الدفاع، وديك تشينى نائب الرئيس، وكولن باول وزير الخارجية، وخليل زلماى زاده عميل المخابرات الأمريكية الشهير. وإذا كانت تلك هى أولوية جاى جارنر، فإن أولوية بول برايمر أول حاكم مدنى للعراق بعد الغزو كانت تفكيك مؤسسات الحكم وبالذات الجيش. أقول هذا لأننى ألاحظ - حتى الآن - أن محاولات إعادة بناء القوات المسلحة العراقية تبوء بالفشل المدوي. وبالطبع نلاحظ ملامح من ذلك فى أداء الجيش العراقي،وانسحاباته المباغتة أمام داعش، والاتهامات الكبرى الموجهة إليه والتى ترقى - فى كثير من الأحيان - الى مرتبة(الخيانة). الجيش العراقى - رغم قيام الأمريكيين - بتسليحه وتدريبه ورغم تزويد الروس له مباشرة أو عبر إيران بأنواع متقدمة من الطائرات يفتقد واحداً من أهم عوامل تماسك بنية الجيش منذ أن فككه بول بريمر، وأعنى بها مايسمى: (عقيدة الجيش)..يعنى جيش صدام - مهما اختلفت الآراء فى نظامه، كانت له عقيدة هى مواجهة خطر إيران الفارسى القادم من الشرق وحماية البوابة الشرقية للأمة العربية،ثم لأنه جيش(مسيس) فقد اقترن بفكر حزب البعث على نحو جعل إطاحة الحزب عاملاً يراكم على تفتت القوات المسلحة وتشظيها. اليوم الجيش العراقى بلا عقيدة أو هدف، وهذا هو سر انسحاباته وفراره من ساحات المعارك،ثم إن الحكومة أنشأت - فيما يبدو - جيشها البديل فى ميليشيات الحشد الشعبى (على غرار الحرس الثورى الإيرانى) بانحيازات شيعية وايرانية كاملة وبما يتوافق مع انتماءات حيدر العبادى الى حزب الدعوة الموالى لإيران،الأمر الذى أدى الى مزيد من ضعف القوات المسلحة العراقية. لمزيد من مقالات د. عمرو عبد السميع