فى مقاله بعنوان «الثقافة من أسفل» أجاد نبيل عبدالفتاح التعبير عن هموم وتهميش الصعيد الذى يحوى المخزون القومى للمواهب الإبداعية فى كل المجالات وأشار إلى حقه المشروع فى أن يشغل الموقع اللائق بتاريخه الحضارى فيتصدر أجندة المسئولين والمثقفين والباحثين عوضاً عن الصخب الأجوف، وأضيف إلى ما فات ذكره فى هذا المقال سؤالاً مزمناً، لماذا تصر الحكومات المتعاقبة على التمسك بهذا الموروث غير المقدس، وأعنى به تهميش الصعيد الذى يضم 9 محافظات وإهمال أهاليه الذين يمثلون 56% من سكان المحروسة، وحرصاً على الغوص فى جذور هذا التهميش وأسبابه سوف أركز على بعض المظاهر التى تكرس تدنى موقع الصعيد فى أسفل أجندة الحكومة والمثقفين. أولاً: سجلت بيانات الجهاز المركزى للإحصاء أن أعلى معدلات للفقر عام 2013 تتركز فى الوجه القبلى (27% فى الحضر، 49% فى القرى والنجوع) فيما لا تزيد نسبة الفقر فى حضر الوجه البحرى عن 11.7%، 17% فى الريف. كما سجلت محافظات الصعيد أعلى معدلات فى البطالة وتتراوح بين 24% 28%. وتعانى أسوان على وجه الخصوص من انهيار السياحة خلال السنوات الأربع الماضية مما أدى إلى ارتفاع نسبة البطالة إلى 75% ويلاحظ أن معظم الصناعات كثيفة العمالة توجد فى الوجه البحرى والقاهرة بعيداً عن مدن الصعيد. لقد كان من المفترض أن يتم البدء فى تنفيذ مشروع التنمية بالصعيد بالتوازى مع محور قناةالسويس، ولكن رأت الحكومة أن محور القناة له الأولوية حالياً وسوف يسهم فى رفع المستوى الاقتصادى والاجتماعى والصحى والخدمى والتنمية البشرية لجموع السكان من الفيوم حتى أسوان. ثانياً: الإصرار على تعيين حكام محافظات الصعيد ممن يفتقدون أى رؤية استراتيجية لتنمية الصعيد، ودون مراعاة أى معايير تتعلق بمدى كفاءتهم فى التعامل مع خصوصية الواقع المجتمعى والتاريخ الحضارى للصعيد وما يزخر به من مشكلات مزمنة التى تحاصر الرجال والنساء وتعوق تفاعلهم مع مستجدات العصر. وقد تابعت أداء هؤلاء المحافظين على مدى عقود ولم ألحظ أدنى تحسن فى الأحوال المعيشية للأهالى أو استقرار فى الأوضاع الأمنية عدا استثناء وحيد يتمثل فى محافظ قنا الأسبق اللواء عادل لبيب الذى أحدث نقلة نوعية فى هذه المحافظة مازالت آثارها باقية حتى الآن. ثالثاً: بيوت الثقافة الجماهيرية التى أسسها عبدالناصر 1968 وحققت نجاحاً غير مسبوق فى إضاءة قرى ونجوع الصعيد بالفن والثقافة والأدب تحولت فى عصر مبارك إلى قصور وبنايات ضخمة وجيش جرار من الموظفين، ولكنها توقفت عن أداء دورها الأساسى وأصبحت خالية من الثقافة أو إنارة الصعيد بإبداعات أبنائه ويرى البعض ان السبب الحقيقى هو الخوف من نهوض الثقافة الشعبية وتهديدها للسلطة الحاكمة فى ذلك الزمان، ولذلك حرصت وزارة الثقافة آنذاك على احتواء مثقفى العاصمة فى الحظيرة الرسمية والهائم بالمهرجانات والمؤتمرات التى لا تنتج ثقافة حقيقية. رابعاً: رغم إنشاء منارات علمية تصدرتها جامعة أسيوط منذ عام 1957 ثم توالت الجامعات الأخرى فى المنيا وسوهاج وقنا وبنى سويف إلا أن هذه الجامعات لم تقم بإجراء البحوث الأساسية الميدانية عن الأوضاع الاجتماعية والثقافية والاقتصادية فى الريف والحضر بصعيد مصر، بل اعتمدت هذه الجامعات خصوصاً فى البحوث الاجتماعية على ما يتساقط من موائد جامعات العاصمة. خامساً: رغم مرور ما يزيد على عقدين على إنشاء مؤسسات للإعلام المرئى والمسموع تمثلت فى القناتين السابعة والثامنة وإذاعتى شمال وجنوب الصعيد إلا أن تعثر إدارة هذه المؤسسات وقلة إمكانياتها الفنية والمالية وضعف كوادرها الإعلامية علاوة على اختيار قياداتها من هؤلاء الذين لا يعلمون إلا النذر اليسير عن الصعيد وتاريخه الحضارى واحتياجاته المجتمعية، كل ذلك أدى إلى تعثر الأداء الإعلامى وانصراف جماهير الصعيد عن متابعة برامجها. ويظل السؤال المطروح هل تستطيع الحكومة الحالية بمستوى كوادرها وانتمائهم لأجندة الأثرياء والمستثمرين والقطاع الخاص وإهمالهم للحقوق المجتمعية للغالبية العظمى من الشعب المصرى، خصوصاً أهالى الصعيد، هل تستطيع هذه الحكومة أن تبادر فعلياً فى اتخاذ خطوات جادة نحو تحقيق ما يسمى السلام والأمان المجتمعى من خلال تفعيل البدائل المتاحة من أجل تحقيق التنمية الشاملة للصعيد والتى تعد قضية أمن قومى. لمزيد من مقالات د. عواطف عبدالرحمن