استضافت محافظة سوهاج الحلقة النقاشية الأخيرة للمشروع الرابع لليونسكو عن «المرأة والإعلام» فى صعيد مصر بعد تعذر عقدها فى جامعة سوهاج لأسباب غير مفهومة.. وإذا كانت محافظة سوهاج بقيادتها الواعية قد حاولت تدارك هذا الموقف، فإن هذا يؤكد إدراك المحافظ الدور التنويرى والرسالة الثقافية للحكم المحلى فى صعيد مصر، خصوصا محافظة سوهاج التى تجمع العديد من المتناقضات، إذ تتميز تاريخيا بتنوع الثقافات التى شكلتها الحضارات المتعاقبة عبر تاريخ طويل يمتد من العصر الفرعونى إلى العصر العربى الإسلامى مرورا بالعصر الرومانى واليونانى والقبطي، مما يؤكد عبقرية المكان والبشر فى هذه البقعة الغالية من الوطن، وقد خلدت سوهاج تاريخ العاشر من أبريل ليصبح عيدها القومي، وهو ذكرى التصدى للحملة الفرنسية فى معركة جهينة عام 0081.. وبرغم عراقة وثراء التاريخ الثقافى والفكرى لسوهاج، حيث كانت موطنا لمينا أول ملك فرعونى قام بتوحيد القطرين، ومنحت الوطن نخبة مرموقة من الزعامات والقامات الفكرية والدينية التى أثارت العقل المصرى ويتصدرهم رفاعة رافع الطهطاوي، والشيخ على يوسف ابن بلصفورة وصاحب صحيفة المؤيد التى فتحت الأبواب للأصوات الوطنية البارزة وفى مقدمتهم الزعيم مصطفى كامل فى أوائل القرن العشرين. برغم كل ما سبق، إلا أن الواقع المعاصر للمحافظة يزخر بعدد هائل من التحديات، فهى تمثل المرتبة قبل الأخيرة بين محافظات مصر من حيث التنمية البشرية، كما أنها أكثر المحافظات الطاردة للسكان، برغم ما يحفل به الصعيد من تعدد الأنشطة الرسمية والمدنية فى السنوات الأخيرة من أجل تصحيح موقع الصعيد على خريطة التنمية والإصلاح، وبرغم وجود صروح علمية جامعية متميزة مثل جامعة أسيوط والجامعات الأخرى فى المنياوسوهاج وبنى سويف وقنا.. برغم كل ذلك، فإن الدراسات القليلة التى أجريت عن الصعيد تشير إلى استمرار تدنى مستويات الحياة وتصاعد نسبة الأمية وانتشار البطالة وغياب الرعاية الصحية واستمرار الجرائم التقليدية مثل الثأر واغتصاب الأراضى الزراعية علاوة على سطوة منظومة القيم والأعراف والتقاليد والتفاوت الكبير فى الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية والتعليمية والصحية بين أهالى الريف والحضر داخل محافظات الصعيد، الأمر الذى يعنى أن أهالى الريف خصوصا النساء فى صعيد مصر، يعانون من التهميش والافتقار المضاعف اقتصاديا واجتماعيا وثقافيا. وقد كشفت الدراسات أن جامعات الصعيد بعد ما يزيد على خمسة عقود على تأسيسها منذ عام 7591 عندما تأسست جامعة أسيوط، ثم توالت بعدها الجامعات الأخري، لم تضع استراتيجية علمية لإجراء البحوث المسحية والتاريخية والوثائقية عن الواقع الاجتماعى والثقافى بالريف والحضر فى محافظات الصعيد التسع، كما تحولت الثقافة الجماهيرية إلى قصور تزدحم بالموظفين وتخلو من الثقافة فى هذه المنطقة التى تزخر بآلاف المبدعين والموهوبين فى الأدب والشعر والفن بسبب السياسات الحكومية التى تتعمد اقصاء أبناء الصعيد فى جميع المجالات .. هذا الواقع المؤسف الذى كشفت عنه الدراسات، يلقى مسئولية فكرية وأخلاقية على المؤسسات العلمية والتنفيذية والتربوية والثقافية والإعلامية التى تسهم بصورة مباشرة فى تشكيل الوعى الجمعى عن الصعيد. لقد قمنا بجولة فى أسواق سوهاج ومنادرها ومقاهيها وأجرينا عدة حوارات مع الأهالى الذين أعربوا عن تفاؤلهم بالمحافظ الجديد المستنير د. أيمن عبدالمنعم، وهو صاحب خبرة سابقة فى محافظة قنا وتتملذ فى مدرسة عادل لبيب وشارك فى النهوض المتميز الذى أرساه ذلك المحافظ الاستثنائى فى محافظة قنا، ولكن الأهالى أعربوا عن مخاوفهم من احتمال ترقية هذا المحافظ الواعد وحرمانهم من عطائه المبشر قائلين: (ليه الحكومة تستكثر على الصعيد وجود محافظين يفهمون تراث الصعيد وتقاليده ويجيدون التعامل مع أهاليه ويسعون بأمانة واخلاص لاستنهاضه وتقدمه؟). لقد أدهشنى بل وأحزننى غياب سوهاج عن أجندة السياحة فى مصر، رغم أنها زاخرة بالآثار الفرعونية التى لا تقل عراقة وأصالة عن آثار الأقصر وأسوان مثل معبد إيبدوس والعرابة المدفونة والمدينة الفرعونية القديمة التى تقبع تحت مدينة أخميم وسواها من الآثار التى يتم اكتشافها تباعا ومنها تمثال الملكة تى دميريت، فضلا عن رموزها التاريخية والثقافية المبدعة. د. عواطف عبدالرحمن