معنا اليوم زهرة جديدة فاح عبيرها على الكون كله.. إنها من السابقات الى الاسلام وصاحبة الهجرتين الى الحبشة والمدينة.. وسودة كانت زوجة للسكران ابن عمرو أخى الصحابى الجليل سهيل بن عمرو.. وفى بداية دعوة الحبيب الى الاسلام لامس الايمان قلب السكران وزوجته «سودة». وعاشا معا فى رحاب التوحيد.. وما أن علمت قريش باسلامهما فجعلوا يعذبونهما بالضرب والجوع والعطش وصبرت سودة وزوجها على أشد العذاب ولم تفتن من شدة البلاء.. ولما رأى الحبيب صلى الله عليه وسلم قسوة العذاب قال لهما »لو خرجتما الى أرض الحبشة فإن بها ملكاً لا يظلم عنده أحد حتى يجعل الله لكما فرجاً مما أنتما فيه« فخرجا وبعض المسلمين إلى أرض الحبشة مخافة الفتنة وفرارا الى الله، فكانت أول هجرة فى الاسلام. وبعد سنوات عادا الى مكة بجوار الرسول، ولكن قريش مازالت تعلن العداء لدعوة النبى، وصبرت سودة على أشد الوان العذاب ولكن كان النبى يطمئن قلوب المسلمين بان نصر الله قريب. ومرت الأيام ونام فيها السكران على فراش الموت وفاضت روحه، وأصبحت سودة وحيدة صابرة ترضى بقضاء الله تدعو آناء الليل واطراف النهار أن يعوضها الله خيرا.. ولم يخطر ببالها انها ستكون فى يوم من الأيام أما للمؤمنين وزوجة لسيد الاولين والآخرين.. ووقتها كان النبى حزينا لموت خديجة.. وكان الصحابة يدعون للرسول صلى الله عليه وسلم أن يخفف عنه آلامه واحزانه ويدعون له بالعوض عن خديجة.. لكن لم يجرؤ أحد أن يفاتح الرسول فى أمر زواجه بعد خديجة وهو فى الخمسين ونيف فشاء الحق أن تتجرأ واحدة من فضليات الصحابة وهى خولة بنت حكيم لتعرض الأمر على الرسول من أجل ادخال الفرحة على قلبه.. وحكت لنا السيدة عائشة هذا الأمر فقالت.. ان خولة قالت فى جرأة يا رسول الله ان شئت زوجناك بكرا وإن شئت ثيبا.. فقال الحبيب »فمن البكر« قالت ابنة احب الناس اليك عائشة بنت ابى بكر.. قال فمن الثيب قالت سودة بنت زمعة قال عليه السلام »فاذهبى فاذكريهما على« فذهبت اليهما فى دارها وكان زمعة والدها شيخ كبير وقالت: أرسلنى رسول الله اليك لاخطبك عليه.. فرحب والد سودة وسألها.. فرحبت سودة وأبوها.. ودعا الرسول اليهما.. فجاء الرسول الى دارها وعقد عليها بعد أن أصدقها أربعمائة درهم، وكان لها أخ يدعى عبدالله بن زمعة لايزال على دين قريش وكان خارج مكة وقت زواج أخته فلم قدم مكة وعلم تملك الغيظ نفسه وحثا التراب على رأسه أسنا وتوعد وهدد.. ولما فتح الله بصيرته للاسلام وآمن بالرسول قال محدثا عن نفسه: انى لسفيه يوم أحثو التراب على رأسى أن تتزوج النبى سودة. لقد كانت سودة كريمة سخية لا تميل نفسها الى حطام الدنيا فكلما جاءها مال تؤثر به من حولها رغبة فيما عند الله من نعيم.. وها هى تقع فى موقف يسبب لها حرجا فترجع الى النبى لتخبره، واذا بالوحى ينزل على الرسول ليرفع عنها الحرج، فعن عائشة رضى الله عنها قالت خرجت سودة ليلا فرآها سيدنا عمر فعرفها فقال: لها إنك والله يا سودة ما تخفين علينا، فرجعت الى النبى فذكرت ذلك له وهو يتعشى فى حجرة السيدة عائشة.. فانزل الله عليه فرفع عنه وهو يقول قد أذن الله لكن أن تخرجن لحوائجكن.. وحسبها أن النبى مات وهو راض عنها.. وامتدت بها الحياة الى خلافة عمر.. وماتت فى آخر خلافة عمر بعد أن ملأت سيرتها العطرة ارجاء الدنيا، فهى قدوة لنسائنا وبناتنا الى يوم الدين.