سودة بنت زمعة بن قيس بن عبد شمس بن عبدود القرشية العامرية.. كانت سيدة جليلة نبيلة ضخمة أسلمت وبايعت النبي صلى الله عليه وسلم وأسلم زوجها معها وكانت معه ضمن النفر الثمانية من بني عامر الذين أخرجوا من ديارهم وأموالهم، وركبوا أهوالالبحر راضيين بما هو أقسى من الموت من أجل النجاة بدينهم، ولما انتهت غربتها في أرض الحبشة توفي زوجها المهاجر لتعاني محنتي الغربة والترمل. تأثر النبي صلى الله عليه وسلم، فما إن ذكرتها له خولة بنت حكيم حتى مد يده الرحيمة إليها، في حين لم يكن أحد من الصحابة يجرؤ على التحدث إلى رسول الله في موضوع الزواج بعد وفاة خديجة رضي الله عنها. فقالت له: يا رسول الله ألا تتزوج؟، فأجاب بنبرات الحزن والأسى: "ومن بعد خديجة يا خولة؟، فقالت: "إن شئت بكرًا، وإن شئت ثيبًا "، فقال: " ومن البكر ؟ ". قالت: "ابنة أحب خلق الله إليك عائشة بنت أبي بكر" وبعد فترة صمت قال رسول الله:" ومن الثيب؟. قالت خولة:" إنها سودة بنت زمعة التي آمنت بك، واتبعتك على ما أنت عليه ". وعقد النبي صلى الله عليه وسلم على عائشة رضي الله عنها، وتزوج من سودة التي انفردت به نحوًا من ثلاث سنين أو أكثر حتى دخل بعائشة، وكانت في حالة الكبر حتى إنها بلغت من العمر حين تزوجها عليه الصلاة والسلام الخامسة والخمسين، رضي الله عنها، واستغرب الناس في مكة زواج النبي صلى الله عليه وسلم من سودة بنت زمعة، وتساءلوا في ارتياب: أرملة مسنة غير ذات جمال تخلف سيدة نساء قريش ومطمح أنظار السادة منهم. ولكن واقع الحال يقول: إن سودة أو سواها لن تخلف خديجة ولكنه البر والرحمة وجبران الخاطر من نبي الرحمة عليه الصلاة والسلام، واستطاعت سودة أن تقوم على بيت النبوة، وتخدم بنات رسول الله، وتدخل السرور لقلبه بخفة روحها ومرحها بالرغم من ثقل الجسم. وبعد ثلاث سنوات جاءت عائشة إلى بيت النبوة ثم وفدت على هذا البيت الأزواج الأُخريات فأدركت أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يتزوجها إلا إشفاقًا لحالها بعد وفاة زوجها. واتضح لها ذلك عندما أراد رسول الله أن يسرحها سراحًا جميلًا ليعفيها من وضعٍ شَعَرَ أنه يجرح قلبها، فلما أنبأها بعزمها على الطلاق، فهمست في ضراعة: "أمسكني يا رسول الله، ووالله مابي على الأزواج من حرص ولكني أرجو أن يبعثني الله يوم القيامة زوجًا لك". ولما علمت مكان عائشة رضي الله عنها من رسول الله صلى الله عليه وسلم، قالت: " يا رسول الله جعلت يومي الذي يصيبني لعائشة وأنت منه في حل"، فقبله النبي صلى الله عليه وسلم وكان يقسم لعائشة يومين، يومها ويوم سودة وبقيت في عصمته صلى الله عليه وسلم حتى توفي عنها، وهكذا آثرت مرضاة الزوج الكريم رعاية لقلب رسول الله صلى الله عليه وسلم وانزل الله فيها قرآنًا يتلى: ( فَلا جُنَاحَ عَلَيهِمَا أَنْ يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحًا وَالصُّلْحُ خَيْرٌ ) (النساء: من الآية128).. وروت سودة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم خمسة أحاديث أخرج لها منها في الصحيحين حديث واحد، وفي رواية أن البخاري روى لها حديثين، وروى عنها عبد الله بن عباس ويحيى بن عبد الله بن عبد الرحمن بن سعد بن زرارة الأنصاري، وروى لها أبو داود والنسائي. توفيت سودة- رضي الله عنها- بالمدينة في شوال سنة 54 ه في خلافة معاوية وفي رواية أنها توفيت في خلافة عمر بن الخطاب رضي الله عنه وفي رواية أنها توفيت سنة 55 ه.