حين يستقر الإيمان في قلب أي إنسان رجل أو أمرأة فإنه يمضي في حياته يستقبل متاعب الحياة بصبر لايعرف اليأس وعزيمة قوية تبدد أي نزغات للشيطان أو هواجس للنفس البشرية. ومن العجائب فإن البلاء موكل بأهل الإيمان وهم سعداء باختبارات الله لهم. يتذكرون دائماً قول الحق سبحانه "وبشر الصابرين". ولقد كانت أم المؤمنين السيدة عائشة رضي الله عنها قد تربت في بيت يقطر رحمة وإيماناً بقضاء الله وقدره. والد سخي اليد ووالدة تراقب الله في كل خطواتها. وحين وافق الرسول علي رأي خولة بنت حكيم حيث اقترحت أن يتزوج بعد خديجة. فقال لها: ومن بعد خديجة؟ فقالت: إن شئت بكراً وإن شئت ثيباً.. ذكاء من خولة بنت حكيم لكي تأخذ بيده نحو نسيان لوعة الفراق بعد السيدة خديجة التي كان لها أكبر الأثر في حياته. وحين سألها رسول الله صلي الله عليه وسلم: من البكر ومن الثيب؟ قالت: البكر عائشة. وأما الثيب فسودة بنت زمعة قد آمنت بك واتبعتك علي الحق. بعد أن عرضت خولة علي رسول الله الاقتراح بالاختيار بين هاتين الزوجتين البكر والثيب. فلم يجبها في التو واللحظة وإنما سكت ربما للتفكير في أيهما يختار. وبعد استعراض وروية أذن لخولة في خطبة عائشة. فلم تتوان وتوجهت إلي أم رومان زوجة أبي بكر الصديق وأم عائشة وفاجأتها بقولها: يا أم رومان قد جاءكم الخير. فسألتها وماذاك الخير؟ فقالت: إن الرسول يذكر عائشة. وفي حوار اتسم بالفرحة قالت لها: وهل تصلح له وهي ابنة أخيه؟ وهنا أسرعت خولة بنت حكيم إلي رسول الله فأخبرته بما قالت أم رومان. فقال لها أنها تصلح لي. ثم كان الترحيب واتخاذ الخطوات التي أشرت إليها من قبل وقد تم الزفاف السعيد بعد المراسم المعروفة في هذا الوقت. انتقلت عائشة إلي بيت النبوة. وقد حظيت بحب رسول الله والقريبة إلي قلبه. أنها مشيئة الله مقلب القلوب. وكانت السيدة عائشة مثار غيرة أمهات المؤمنين الأخريات ولذلك تم ارسال أم سلمة إلي رسول الله فقالت يا رسول الله إن الناس يتحرون بهداياهم يوم عائشة وإنا نريد أن يكون لنا مثل هذا الخير. وأمام اصرار أم سلمة تنفيذ القول منافسات خديجة من الزوجات الأخريات. قال لها رسول الله: يا أم سلمة لا تؤذيني في عائشة. فإنه والله مانزل علي الوحي في لحاف امرأة منكن غيرها. وعادت أم سلمة دون أي بادرة بالاستجابة وتكرر هذا الموقف مرة من فاطمة الزهراء وأخري من زينب بنت جحش لكن أياً منهما لم تلق الموافقة عن الرسول. أرايتم كيف كانت الشدائد تطارد هذه الزوجة التي حظيت بحب المصطفي صلي الله عليه وسلم. غيرة الزوجات الأخريات والمنافسة فهن كانت تسبب الكثير لعائشة من المضايقات لكنها ظلت وفية لرسول الله وحين عرض عليها رسول الله قول الله تعالي في سورة الأحزاب: "يا أيها النبي قل لأزواجك إن كنتن تردن الحياة الدنيا وزينتها فتعالين امتعكن واسرحكن سراحاً جميلاً. وإن كنتن تردن الله ورسوله والدار الآخرة فإن الله أعد للمحسنات منكن أجراً عظيماً" بعد سماع هاتين الآيتين قالت عائشة: اريد الله ورسوله والدار الآخرة. فازداد حب النبي صلي الله عليه وسلم لها. ثم كان اختيار الأخريات لرأي عائشة. لكن سرعان ما انتقلت هذه الغيرة لعائشة وذلك حين جاءت احدي السيدات العجائز إلي بيت النبوة فأكرمها رسول الله وقرب لها بردته مزيداً من الحفاوة بها فأصابت الغيرة قلب عائشة خاصة عندما كان الرسول صلي الله عليه وسلم يقول: كانت تأتينا أيام خديجة. لكن الرسول أخبر عائشة بالكف عن هذه الغيرة وافاض في الحديث عن أم المؤمنين خديجة قائلاً: والله ما أبدلني الله خيراً منها. آمنت بي حين كذبني الناس. وواستني بمالها حين حرمني الناس. ورزقت منها بالولد وحرمته من غيرها. ثم مضت الأيام سريعة وعائشة تسترضي رسول الله لأنها تريده لها وتلك طبيعة أي أنثي. ولا شك أن الغيرة اجدي امارات الحب الذي استكن في قلب عائشة. لكنها في نفس الوقت ظلت محافظة علي حبها لرسول الله صلي الله عليه وسلم. وهكذا كان الإيمان مستقراً في قلب عائشة فكانت مثار غيرة زوجات النبي الأخريات وظلت تتلقي مايخبئه لها القدر بقوة العزيمة والصبر. ولله في خلقه شئون.