رغم أن الوقت مازال مبكرا نسبيا للحديث عن الانتخابات الرئاسية المزمع اجراؤها في تايوان مطلع العام القادم، الا أن تطورات الاوضاع تشير الي أن المرأة ربما ستلعب دورا حاسما في هذه الانتخابات، حيث حسم الحزب "الديموقراطي التقدمي" المعارض اختياره وأعلن ترشيحه زعيمة الحزب "تساي انج وين" للمنصب الرئاسي في اعادة لتجربة الانتخابات السابقة عام 2012 التي خسرت فيها أمام الرئيس الحالي "ما ينج جيو". بينما تتجه الانظار والتوقعات في الحزب القومي الحاكم "كومينتانج" الي طرح اسم "هونج شيو تشو" ثاني أكثر الشخصيات نفوذا في البرلمان كمرشحة رئاسية وان كان الامر لم يحسم رسميا بعد، ما يعني أن المرأة تستعد لقيادة تايوان في المرحلة المقبلة. ومع أن الانتخابات في أي دولة تهتم اساسا بمعالجة الأوضاع الداخلية سواء اقتصاد أو بطالة أو غيرها من القضايا التي تشغل بال المواطنين، الا أن الانتخابات في تايوان تختلف الي حد كبير، فالي جانب هذه القضايا تعد العلاقة مع الصين هاجسا دائما وقضية محورية في أي نقاش سياسي، سواء بين الحزب الحاكم والمعارضة أو بين النشطاء والمواطنين العاديين، والسبب بالطبع يعود لحساسية الوضع وتعقيداته التاريخية. فالمعروف أن جزيرة تايوان التي تعتبر نفسها واحة للديموقراطية في محيطها الصيني تتمتع بالحكم الذاتي منذ عام 1949، حين انتصر الشيوعيون بقيادة "ماو تسي تونج" في الحرب الاهلية الصينية واضطر إثر ذلك "تشاي كاي تشك" وجيشه المهزوم الي الفرار لجزيرة تايوان، ومنذ ذلك الحين لم تتوقف الصين يوما عن المطالبه بأحقيتها في السيادة علي الجزيرة التي تعبرها اقليما متمردا يجب أن يعود لحضن الوطن الأم ويمكنها أن تخضعه بالقوة اذا لزم الامر، بينما يري سكان الجزيرة البالغ عددهم 23 مليون نسمة أن الحقائق علي الارض وبعد مرور هذه السنوات تجعل هذا التصور مستحيلا. ومن هنا ورغم التوقعات والترجيحات التي تصب في مجملها لصالح "تساي انج وين"، الا أن موقفها وموقف حزبها من ملف السياسة الصينية يعد من وجهة نظر الكثيرين نقطة ضعف في حملتها الانتخابية رغم تقدمها في استطلاعات الرأي، وهو تقدم لا يدعمه فقط مؤهلاتها الشخصية ولكن ساهم فيه الي حد كبير تراجع شعبية الحزب الحاكم في الفترة الاخيرة بعد الاحتجاجات الحاشدة التي واجهها بسبب توقيعه عدد من الاتفاقيات التجارية مع الحكومة الصينية اعتبرها المواطنون لاتصب في مصلحة المواطن العادي. وهنا يشير المراقبون الي أن السياسية البالغة من العمر 58 عاما التي درست القانون بجامعة كورنيل وحصلت علي الدكتوراة من كلية لندن للاقتصاد تتمتع في ذاتها بمميزات كثيرة، فهي الي جانب عملها بالتدريس فقد شغلت مطلع تسعينات القرن الماضي العديد من المناصب الحكومية وتولت العديد من الملفات السياسية، سواء في مجلس الامن القومي أو مجلس شئون الصين أو لجنة التجارة العادلة، وتدرجت في المناصب السياسية داخل الحزب حتي أصبحت أول سيدة تتولي رئاسته، ولكن مع كل هذه الخبرة والمعرفة السياسية العميقة فان البعض حتي من داخل حزبها يأخذ عليها أنها تفتقر لمقومات القيادة، وأنها رغم امتلاكها لرؤية واضحة ومحددة فيما يخص قضايا الاقتصاد والتنمية، الا أن تسويق هذه الافكار في الانتخابات السابقة لم يتم بالشكل المطلوب الامر الذي خلق مسافة بينها وبين الناخبين تسببت في خسارتها، وهو وضع يعمل الجميع علي تلافية هذه المرة، لتبقي بعد ذلك معضلة رؤيتها للعلاقة مع الصين. فعلي مدي السنوات السابقة ومنذ نشأة الحزب الديمقراطي التقدمي نهاية سبعينات القرن الماضي، ارتبط الحزب بالتوجه الداعم والمؤيد لاستقلال تايوان عن الصين، هذه الرؤية السياسية وان كانت تتقاطع في بعض جوانبها مع الحزب القومي الحاكم، خاصة في رفض الطرح الصيني الخاص ب" دولة واحدة ونظامان" علي غرار الوضع في هونج كونج، الا الرؤية الاقتصادية تختلف اختلافا جذريا، فبينما يؤكد الحزب المعارض ورئيسته علي ضرورة تقليل الارتباط الاقتصادي بالصين والسعي نحو تنويع علاقاتها التجارية بمحيطها الاقليمي، انتهج الحزب القومي الحاكم سياسة عكسية تماما بمزيد من تدعيم العلاقات الاقتصادية بين الطرفين، حتي أنها وصلت الي افضل مستوياتها منذ ستة عقود منذ أن تولي الرئيس "ما ينج جيو" منصبه عام 2008 حيث تم توقيع 21 اتفاقية تجارية واستثمارية. ومن ثم فان أي تغير في هذا التوجه سيسبب قلقا بالتأكيد لمجتمع المال والأعمال سواء في تايوان أو الصين، وهو وضع لا يرغب الجميع في حدوثه، فضلا عن أن الحديث المتكرر عن ضرورة الاستقلال وان كان له صدي في الداخل خاصة بين القطاعات الشبابية، الا انه تصور غير مفضل لدي الاطراف الدولية وتحديدا الولاياتالمتحدة التي تعتبر تايوان حليفا لها، ولكنها لا ترغب بالتأكيد في خلق بؤرة توتر عسكرية أو سياسية في تلك المنطقة خاصة بعد صعود الصين خلال الفترة الاخيرة كقوة دولية وعسكرية لا يستهان بها. هذه المعطيات ربما كانت سببا فيما اعتبره المراقبون تغيرا في نبرة حديثها، بعد أن أعلنت في أكثر من لقاء أنها تؤيد بقاء الوضع القائم دون أن تعطي تفاصيل أكثر سواء في رؤيتها للحوارالسياسي بين الطرفين حول المستقبل أو العلاقة الاقتصادية مع الوطن الأم. وهاتين القضيتين تحديدا اعتبرهما المراقبون نقطة ضعف ليست في صالحها. فهذا الموقف الغائم لم يرض الاف المتظاهرين الذين اعلنوا رفضهم للتقارب الشديد مع الوطن الام، ولم يشبع فضول مجتمع المال والاعمال الذي يريد معرفة شكل العلاقة الاقتصادية المتوقع. وهو ما دفع بعض المراقبين للتنبؤ بأنها في حالة فوزها لن تمضي قدما في المطالبة باستقلال تايوان ولكنها لن تدعم تطوير العلاقة بين الجانبين. هذا الموقف جعل من الصعب علي الاطراف الفاعلة في الداخل والخارج وضع تصورا أو رد فعل واضح لما هو قادم، حتي في بكين التي سبق ووصفتها خلال الانتخابات الماضية بالشخصية المشاغبة دون أن تذكرها صراحة، أو في واشنطون التي تفضل أن يستمر الطرفان في تعاملهما ولكن مع احتفاظ تايوان بحكمها الذاتي، وهو ما دفع أحد المحللين للقول بأن الحزب الديموقراطي التقدمي يستطيع أن يلعب دور المعارضة المؤثرة وليس الادارة الناجحة، وهي مقولة ستكون محل اختبار وتقييم خلال الفترة المقبلة.