كانت الخطيئة الأولى هى الوقوع فى هوى الأكل حين تناول آدم وحواء التفاحة من الشجرة المحرمة. ثم أصبح الاشتراك فى الطعام يخلق قرابة، تكاد تضاهى قرابة الدم. لنتذكر قداس الأوكاريستى عند المسيحيين حين قال السيد المسيح: «هذا دمي فاشربوه.. وهذا لحمي فكلوه». حتى وإن تمايزت تقاليد المائدة من ثقافة إلى أخرى، يبقى تقاسم الأطعمة جواز للانتساب إلى «الأمة». فنحن لا ننتقى أطعمتنا حسب معايير غذائية فحسب، وإنما أيضا حسب ثقافتنا وتقاليدنا التى تتجذر فى المجتمع. ومنذ التوقيع على اتفاقية 1972 التى تسعى إلى حماية الثقافة والتراث الشعبى فى العالم، تقوم منظمة اليونسكو بتصنيف أجمل المواقع والآثار العالمية التى تعبّر عن طابع استثنائى. لكنها أخيرا قررت فى عام 2010 إدراج تراث يرتبط بفن الأطعمة على قائمتها الطويلة عند ادراج الطعام الفرنسى على قائمة التراث الثقافى العالمى . كما اعتبرت اليونسكو النظام الغذائى المتوسطى و43 من العناصر التراثية الأخرى من 11 دولة جديرة بالضم الى قائمة التراث العالمى. وتم تسجيل أربع مطابخ أخرى فى لائحة التراث، هى: الطعام الفرنسى، والمأكولات المتوسطية فى إسبانيا، إيطاليا، اليونان، والمغرب.. كذلك المأكولات المكسيكية التقليدية، والطبق التركى الذى يصنع من اللحم والقمح.
المطبخ الفرنسى أجمع المتخصصون فى العالم على أن المطبخ الفرنسى يمثل أكثر المطابخ «اكتمالا». فنظامه الغذائى يقوم على التنويع وعلى التوازن. عادة يفتتح بالمقبلات، التى يتخللها بعض المشروبات مع المكسرات أحيانا مثل: الفستق أو رقائق البطاطس الهشة. يليها (الطبق الأول) الذى يتشكل من سلطة أو مجموعة من الخضر مطهوة جزئيا. ثم يأتى (الطبق الرئيسى) الذى لا يخلو من اللحم بأنواعه أو السمك. ويعد الجبن عنصرا مهما فى المطبخ الفرنسى حيث تشتهر كل منطقة فى فرنسا بنوع جبن خاص بها. لا شك أن الوجبة جزء من الهوية الثقافية الفرنسية، خاصة أن الأولوية تكون لشراء المنتجات المحلية والمتوافقة من حيث الطعم فيما بينها. كما يشترط توافق النبيذ مع كل طبق، إلى جانب جمالية المائدة وفن تزيينها. ومن المعروف أن وجبات الأكل فى فرنسا من أطول الوجبات فى العالم حيث يعشق الفرنسيين الحديث والمناقشة مما يجعل جلسة غداء أو عشاء واحدة تستغرق أكثر من ساعتين. المطبخ المغربى تتجسد فى المغرب بوضوح عناصر النظام الغذائى لمنطقة البحر المتوسط، التى تضم: زيت الزيتون والحبوب والفواكه الطازجة أو المجففة والخضروات والأسماك. وتلعب البهارات الطبيعية دورا اساسيا فى المطبخ المغربى. علما بأن المغرب تقدم نموذجاً لتمازج عدة تأثيرات حضارية تختلط فيها العناصر الأندلسية، والأمازيغية، والعربية، والأوروبية، والمتوسطية، لتفرز واحداً من بين ألذ المطابخ العالمية. ويرى بعض الخبراء أن المطبخ المغربى يأتى فى المرتبة الثانية بعد المطبخ الفرنسى. وفضلا عن شوربة «الحريرة» التى يتم اعدادها بالدقيق والزيت والماء وحفنات من الحمص والعدس والتوابل (وقطع اللحم الصغير أحيانا)، يشتهر المطبخ المغربى بالحلويات التقليدية والمعجنات والفطائر. وتكاد تقترن «الحريرة» بالحلوى الشهيرة «الشباكية»، والتى يرجح بعض الأشخاص أنها أمازيغية الأصل، وتعد على أساس عجينة تطهى بخلط عدة مواد مثل العسل والسمسم.
المطبخ اليابانى إذا كان المطبخ الفرنسى يتميز بتنوع مكوناته، فإن المطبخ اليابانى يشتهر بالمأكولات التراثية الموسمية، بالإضافة إلى أن سعراته الحرارية منخفضة تجعله أحد أفضل الأطعمة الصحية. لذا، قررت منظمة اليونسكو فى ديسمبر 2013 إدراج الطعام الياباني التقليدي ”واشوكو“ على قائمة التراث الثقافى العالمى الغير المادى. ويتميز المطبخ اليابانى بالتنوع ونضارة المكونات، واحترام النكهات الكامنة. كما تشكل أطباقه نظام غذائى متوازن وصحى، ربما يكون هذا هو السبب فى طول عمر الشعب اليابانى وكونهم من أكثر الشعوب المعمرة على وجه هذا الكوكب. سمة أخرى تميز الطعام اليابانى وهى تزيين الطعام بأزهار وأوراق الشجر.. كذلك تستخدام الأطباق وغيرها من الأوانى التى تعكس تغير الفصول فى اليابان، وهو ما يعطى الفرصة لتذوق طعم كل فصل من الفصول عن طريق الطعام اليابانى التقليدى.