تبدأ أول يوليو.. التعليم تعلن ضوابط تحويل الطلاب بين المدارس (مستند)    يواصل الصعود.. سعر الحديد اليوم الثلاثاء 28 مايو 2024 في المصانع المحلية    حمدي فتحي: هذا قراري بالانضمام لغير الأهلي في مصر.. واللعب الثالثة عصرا يؤثر علينا    مواعيد مباريات الثلاثاء 28 مايو - كأس مصر.. ودوري السلة    NBA - بوسطن يسحق إنديانا ويتأهل للنهائي بلا هزيمة    ضبط 12.5 طن لحوم غير صالحة للاستهلاك بالقاهرة    تقديم الخدمات الطبية والعلاجية ل105 آلاف مواطن بالعيادات الخارجية بمستشفيات المنيا خلال أبريل 2024    28 مايو.. اليوم العالمي لصحة المرأة    نتيجة الصف السادس الابتدائى الترم الثانى.. رابط النتيجة    مقرر «الاستثمار» بالحوار الوطني: نستهدف صياغة مقترحات تدعم وقف الحرب على غزة (تفاصيل)    مهرجان للشيكولاتة في ختام الأسبوع الأول لأنشطة الإجازة الصيفية بمكتبة دمنهور    هل يُغني الحج عن الصلوات الفائتة؟.. دار الإفتاء المصرية توضح الحكم الشرعي    وزيرة الهجرة تلتقي أحد رموز الجالية المصرية في سويسرا للاستماع لأفكاره    استشهاد 6 فلسطينيين وإصابة آخرين إثر إطلاق الاحتلال النار على محيط مستشفى كمال عدوان    رسميًا.. النرويج تعلن الاعتراف بدولة فلسطين    عاجل| هيئة شؤون الأسرى: قوات الاحتلال تعتقل 22 فلسطينيا بالضفة الغربية    رضا حجازي يبحث مع وفد البنك الدولي التعاون في ملفات تطوير منظومة التعليم    وزير الإسكان يتابع موقف مشروعات المياه والصرف الجاري تنفيذها مع بنك الاستثمار الأوروبي    اقتصادية قناة السويس توقع عقد حق انتفاع لمصنع ملابس بالقنطرة غرب    رسالة من 4 كلمات.. رمضان صبحي يتجاهل أزمة إيقافه بسبب المنشطات    وزارة التعليم العالى تكشف تفاصيل مؤتمر التأهيل الوظيفى لطلاب الجامعات    اليوم تسليم طلاب الثانوية العامة أرقام الجلوس بالمدارس    هيئة الأرصاد: غطاء سحابى يحجب أشعة الشمس وفرص أمطار رعدية بهذه المناطق    توقف حركة قطارات الخط الأول للمترو بسبب عطل مفاجئ بمحطة غمره    إصابة 3 أشخاص في حادث تصادم سيارتين بالشرقية    مصرع شخص غرقا فى ترعة بالشرقية    عاشرها 15 يوماً وهي مكبلة.. قصة "رحمة" إحدى ضحايا "سفاح التجمع"    «الإحصاء»: وصول حجم التبادل التجاري بين مصر والصين إلى 13.9 مليار دولار في 2023    توقعات الأبراج اليوم الثلاثاء 28 مايو 2024.. مكاسب مالية ل«العذراء» ونصيحة مهمة ل«الميزان»    عاجل| وفاة النجم اللبنانى فؤاد شرف الدين    جامعة القاهرة تبحث تعزيز التعاون مع وفد صيني في تعليم اللغة الصينية والعربية    راندا عبد السلام تتألق بالأبيض في أحدث ظهور لها    محافظ أسيوط يترأس اجتماع اللجنة التنفيذية لمبادرة حوافز تميز الأداء    مركز الأزهر للفتوى الإلكترونية يوضح فضل حج بيت الله الحرام    هل علي ذنب لو حضرت أفراح فيها اغانى؟.. أمين الفتوى يوضح    سعر الذهب اليوم الثلاثاء في مصر يهبط ببداية التعاملات    وزير الصحة يبحث مع نظيره الفرنسي سبل تعزيز التعاون في اللقاحات والأمصال    صحة الإسماعيلية تنظم قافلة طبية في مركز التل الكبير    التفاح والتوت.. أطعمة تحسن من جودة النوم في فصل الصيف    الصين تدعو لوقف الهجمات على السفن المدنية في البحر الأحمر    جيش الاحتلال يقصف أهدافا لحزب الله في جنوب لبنان    اليوم.. الإعلان عن الفائزين بجوائز الدولة في الفنون والآداب والعلوم الاجتماعية    «الإفتاء» توضح سنن وأحكام الأضحية.. احرص عليها للفوز بأجرها    حالة الطرق اليوم، أحجام مرورية بالدائري الأوسطي ومحور 26 يوليو    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الثلاثاء 28-5-2024    حسن مصطفى: الجيل الحالي للأهلي تفوق علينا    ما هي أعراض التسمم المائي؟.. وهذه الكمية تسبب تورم الدماغ    كوريا الشمالية تطلق صاروخا باتجاه أوكيناوا.. واليابان تحذر مواطنيها    هند البنا: جنود الاحتلال الإسرائيلي يعانون من اضطرابات نفسية بسبب حرب غزة    تحديث أسعار بورصة الدواجن اليوم الثلاثاء 28/5/2024 والكتاكيت في الأسواق المصرية    مواقيت الصلاة اليوم الثلاثاء 28 مايو في محافظات مصر    مدير المستشفى الكويتي برفح: أُجبرنا على الإغلاق بعد مصرع اثنين من العاملين    مصطفى شوبير يُعلن خطوبته    حكام مباريات الثلاثاء في دور ال 32 بكأس مصر    محمود فوزي يرحب بدعوة مدبولي لإشراك الحوار الوطني في ملف الاقتصاد    إستونيا: المجر تعرضت لضغوط كبيرة لتفسير عرقلتها مساعدات الاتحاد الأوروبي لأوكرانيا    عضو مجلس الزمالك: إمام عاشور تمنى العودة لنا قبل الانضمام ل الأهلي.. ولكن!    الكنيسة السريانية الأرثوذكسية تستعد لإقامة احتفالية بمناسبة عيد دخول السيد المسيح أرض الكنانة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



اليسار الجديد فى ذمة الإرهاب !
نشر في الأهرام اليومي يوم 24 - 06 - 2015

كان الروائى والشاعر الفرنسى «برنار نويل» يعتبر نفسه مريضا مثاليا بالنموذج الثورى للمفكر الإيطالى «أنطونيو جرامشى» وقد كتب
رواية فاتنة عن نهايته الفجائعية فى سجون الفاشيست صدرت عام 1994 وترجمها الشاعر بشير السباعى تحت عنوان «حالة جرامشى». غير أن مرض زبرنارنويلس لم يكن عرضا من أعراض تقديس الخطيئة الشيوعية أيا كان نوعها، بل كان مرضه بالرجل انحيازا موضوعيا لطموحات ما سمى فيما بعد «اليسار الجديد» الذى رأى الفاشيست أنه يمثل خطرا حقيقيا على امتيازاتهم.
لذلك قال ممثل الادعاء فى محاكمة جرامشى زلابد من منع هذا الدماغ من العمل عشرين سنةس وعلى ذلك ظل الرجل فى السجن حتى رحيله بنزيف فى المخ عام 1937 تحت تأثير التعذيب. «برنارنويل» يقدم هنا صورة من صور الولع الإنسانى الذى لم يتحول معه تراث جرامشى إلى سلطة عقائدية، وتلك المسافة هى التى سمحت ل «نويل» بأن يختلف مع الكثير مما دونه جرامشى فى دفاتر السجن وربما فى غير ذلك من أفكار. ورغم أن جرامشى أثر تأثيرا بالغا فى رموز اليسار الجديد مثل نعوم تشومسكى، إدوارد سعيد، إقبال أحمد ،طارق على، وغيرهم، إلا أن تلك التأثيرات لم تعصم الكثيرين من سكان الفضاء الثورى من الوقوع فى أسر المثالية التى رأى جرامشى أنها أسوأ وظائف المثقف التقليدى.
لذلك ظل يرى أن الحزب الثورى هو وحده القادر على خلق مثقفيه، وأنه لا يمكن لمثقفين محترفين وطبقيين ظلوا لصيقين بالسلطة منذ نعومة أظفارهم أن يكونوا قادرين على صياغة العقل الثورى الجديد الذى يخلو من المركزية والتمايز ومن ثم يخلو من الامتيازات السلطوية التى يبحث عنها ذلك المثقف الممسوس بشهرته وأوهام خلوده. وقد رأينا كيف أن انتقاد المركزية الأوربية فى نقد ما بعد الاستعمار لإدوارد سعيد لم يكن عاصما من أخطاء فاحشة تبين بعد ذلك خطلها الفادح لاسيما فيما يتعلق بذلك الخلط بين الانتصار للإسلام كمكون ثقافى وحضارى وبين الإسلام الذى أعادت إنتاجه جماعات الفقه الأسود لتخلق منه، فى النهاية ، نموذجا معاديا للإنسانية بتعاليه وصفويته وإقصائيته حتى بالنسبة للملايين من معتنقيه. ولأن تلك الحقيقة باتت أكثر سطوعا فى أذهان الملايين بعد اندلاع ثورات الربيع العربي، فسوف يظل مدهشا للكافة استمرار اليسار الجديد فى دعوة الضمير الأوروبى إلى الاغتسال من جرائمه بإعادة الاعتبار لممثلى الإسلام السياسي.
هذا فى حد ذاته ليس أكثر من نكتة سخيفة تضاف لسجل النكات التى يحشدها اليسار الجديد فى مواجهة نموذج الدولة التقليدية ، ومن ثم فهو يرتكب جريمة لا تقل فداحة عن جرائم الحقبة الاستعمارية نفسها. وأظن أن جانبا ليس قليلا من سوء الفهم الذى يكتظ به هذا الحوار يعود إلى أن أدوات التحليل السياسى لدى هؤلاء، وإن زعمت معرفة وثيقة بواقع الثورات العربية، إلا أنها فى الحقيقة تنكر معطياتها على الأرض ومن ثم تعود إلى أدواتها التحليلية القديمة معتمدة على حقائق بالية تجاوزتها تلك الثورات. ولعل الدعم الذى تلقاه جماعة الإخوان من مفكرين ومثقفين عرب وأجانب هو أحد أبرز تلك الجرائم. وربما لم يصل إلى أفهام اليسار الجديد أن الشرق المسلم لم يعد فى حاجة إلى هذا النوع من التعاطف. وأذكر هنا موقفا ربما يكون دالا على ما أذهب إليه. ففى بداية حكم الإخوان المسلمين ذهبتُ لمتابعة محاضرة لواحد من رموز هذا التيار فى الجامعة الأمريكية هو «نعوم تشومسكى فأذهلتنى مساحات من التعاطف غير المشروط مع حكم الإخوان المسلمين ثم أذهلنى أكثر أنه يروج لأكاذيب لا أساس لها من الصحة حول أن دولة الإمارات تتحالف مع الدولة التقليدية فى مصر ضد الإخوان المسلمين لأن الإخوان جادون فى شق قناة السويس الجديدة التى ستدفع ميناء دبى للتوقف تماما عن العمل.
وقد سقط الإخوان وتم شق القناة الجديدة وشاركت الإمارات فى مشروعات ضخمة فى مصر من بينها مشروعات ضمن محور تنمية القناة نفسها، دون أن يكون لكلام تشومسكى أى ظلال من الحقيقة. لا أشكك طبعا فى نيات تشومسكى الذى ظل مؤيدا عتيدا للحقوق العربية وظل واحدا من أهم نقاد الإمبريالية الأمريكية، بل أتصور أن عطبا خطيرا أصاب أدواته فى الفهم والتحليل . قحتى الآن لم يدرك تشومسكى ورفاقه أن مثاليتهم لم تكن عاصما من ظلم الظالمين ولا استعمار المستعمرين، والحلم الماركسى جملة لم يكن عاصما من أن يكون هناك ستالين وهتلر، كما لم يكن عائقا أمام تمدد الإمبراطورية البريطانية ثم نشأة الحركة الصهيونية مدعومة من الرأسمالية وشركاتها حول العالم. وقد كانت هذه الانتصارات تمثل دعما أخيرا للمركزية الأوروبية التقليدية ومفاهيم الاستشراق القديم، وفى الوقت نفسه تمثل هزيمة قاسية فى واقعيتها لكل الحالمين من ثوريى اليسار الجديد. وسط هذه التناقضات لا يمكن فهم موقف اليسار الجديد المؤيد للإسلام السياسى فى أكثر صوره توحشا سوى باعتباره عداء تقليديا للمركزية الغربية قبل أن يكون انتصارا للإسلام، وهو خطأ يشبه الخطأ الذى وقع فيه أنصار تقليديون للحداثة وما بعدها فقط لأنها تمثل التأسيس النظرى للعولمة الأمريكية.
وأتصور أن موقف كثيرين من رجال النخبة العربية ليس سوى صدى غير فاهم لتطوحات اليسار الجديد. وإلا كيف يمكننا تفسير دعم هؤلاء لإرهاب الإخوان المسلمين فى مصر، و«نضال» شيعة البحرين، و«نضال» الحوثيين فى اليمن، ودعم تمرد جنوب الصحراء فى المغرب، ودعم تقسيم سوريا وليبيا والعراق، فى إطار دعم الحركات الانفصالية باعتبارها حركات ثورية !! هذا رغم أن معظم هذه التكوينات ليست أكثر من تجليات سافرة لصراعات طائفية وعشائرية تعمل كلها وفقا لأجندات غير وطنية. تلك هى المآلات الخرقاء لليسار الجديد ، وهى مآلات ربما تمثل إجابة جزئية عن السؤال الحائر: لماذا يقف المثقف الثورى فى صفوف الإرهابيين ؟!
لمزيد من مقالات محمود قرنى


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.