أحوال المسلم مع ربه عجيبة،يفتح سبحانه باب الأمل فى رحمته، ويرفض كل واسطة تقف حائلا بين العبد وبين الإقبال عليه، ومع ذلك يعرض الإنسان ويرفض نداءات الله المتكررة بالتوبة والإنابة له سبحانه، لكن الباب فى كل الأوقات يظل مفتوحا، وتأتى مواسم الخير وكأنها دعوة أخرى تجدد الأمل أمام العبد فى رحمة مولاه، وفى قبوله سبحانه لتوبة التائبين. استمع إلى ربك وهو يؤكد إحدى صفات جلاله وكماله من رحمته بعباده، فيشدد على أنه هو من يتقبل توبتهم وهو الذى يقبل التوبة عن عباده ويعفو عن السيئات، بل ينادى عباده من شدة حرصه على قربهم منه يطلب منهم التوبة من الذنوب فيقول “وتوبوا إلى الله جميعا أيها المؤمنون” ثم يعلمهم بان هذه التوبة يجب أن تكون توبة خالصة اسماها سبحانه نصوحا فيقول لهم: “يا أيها الذين آمنوا توبوا إلى الله توبة نصوحا” ثم يحدد لهم شروط قبول تلك التوبة فى آية معجزة شملت ما شرحه علماؤنا فى مصنفات كثيرة حيث يقول سبحانه: “وإنى لغفار لمن تاب وآمن وعمل صالحا ثم اهتدى”. لكن أسئلة عديدة تطرح نفسها يجب على المسلم أن يعيها جيدا، لتكون توبته إلى ربه توبة نصوحا كما أرادها القرآن الكريم، فكيف تتحقق التوبة النصوح، وما شروطها، وما مفاتيحها إن صح التعبير، وكيف أستطيع المداومة على هذه التوبة؟ وما الحال إن عدت إلى الذنوب مرة أخرى بعد توبتي؟ البداية يجب أن تكون مع العلم بشروط التوبة، يقول القرطبى شروط التوبة أربعة الندم بالقلب، وترك المعصية فى الحال، والعزم على ألا يعود إلى مثلها، وأن يكون ذلك حياء من الله تعالى لا من غيره؛ فإذا اختل شرط من هذه الشروط لم تصح التوبة، وقد أضاف بعض العلماء ان من شروط التوبة الاعتراف بالذنب وكثرة الاستغفار. وعن طبيعة الذنوب التى يتوب منها الناس قال العلماء الذنب الذى تكون منه التوبة لا يخلو إما أن يكون حقا لله أو للآدميين، فإن كان حقا لله كترك الصلاة مثلا فإن التوبة لا تصح منه حتى يجتهد قدر طاقته فى قضاء ما فات منها، وهكذا إن كان ترك صوما أو تفريطا فى الزكاة. أما إن كان الذنب من مظالم العباد فلا تصح التوبة منه إلا برده إلى صاحبه، إن كان قادرا عليه، فإن لم يكن قادرا فيجب أن يعزم على أدائه وقت القدرة عليه وأن يكون ذلك فى أسرع وقت. وهنا لا بد من أن أنبه على اهم شروط التوبة وهو عدم الإصرار على الذنب أو العودة إليه، استمع إلى ربك وهو يحذر من الإصرار، ويؤكد أنه من صفات المتقين المحسنين فيقول سبحانه: “والذين إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم ذكروا الله فاستغفروا لذنوبهم ومن يغفر الذنوب إلا الله ولم يصروا على ما فعلوا وهم يعلمون”. لكن السؤال الذى سيتبادر إلى أذهان كثير من القراء الآن هو ماذا إذا تبت ثم عدت إلى الذنب مرة أخرى، أهذا إصرار ينقض التوبة ويؤثر فى قبولها عند الله تعالى؟ والإجابة بعون الله أن قوله تعالى ولم يصروا على ما فعلوا وهم يعلمون فيه أقوال منها وهم يعلمون أن لهم ربا يغفر الذنب، وقال صلى الله عليه وسلم والذى نفسى بيده لو لم تذنبوا لذهب الله بكم ولجاء بقوم يذنبون ويستغفرون فيغفر لهم. أحدثوا لكل ذنب توبة إذن ولا تستكثروا على الله ذنوبكم، فهو غفار الذنوب الذى يقبل التوبة عن عباده، هو القائل سبحانه قل يا عبادى الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعا إنه هو الغفور الرحيم”. ويكفيك أيها المسلم أن توبتك سبب فى فرح الله تعالى.. حاول أن تتخيل أنك سبب فى فرح الله بتوبتك، إن الذنوب كجبال الجليد يحملها الإنسان على ظهره، والتوبة كشمس الصيف الزاهرة تذيب الجليد وتعيد الحياة للقلب المؤمن بعد أن تعيد الصلة بينه وبين ربه سبحانه وتعالى. لمزيد من مقالات د شوقى علام