فى إطار المحاولات التى تقوم بها حالياً الدوائر السياسية العربية والإفريقية لتفعيل العلاقات العربية الإفريقية فى ظل المستجدات الإقليمية والعالمية الراهنة تبرز أهمية التواصل الثقافى بين الإقليمين العربى والإفريقى باعتباره يشكل البنية الأساسية التى يعتمد عليها نجاح وفاعلية كافة أنشطة التعاون المشترك الأخرى. ويشير المشهد الثقافى فى إفريقيا والعالم العربى إلى وجود ثلاثة أنواع من الثقافات التى تتداخل وتتشابك وتتلاقح وتتمثل أولاً فى ثقافة الخضوع الناتجة عن طبيعة المجتمعات العربية والإفريقية ذات الطابع الأبوى السلطوى، ويسود هذا النمط فى معظم الدول العربية والإفريقية خصوصاً فى الريف العربى والإفريقى. أما النمط الثانى فيتمثل فى ثقافة التبعية التى تكرس التقليد والاقتباس من الثقافة الغربية بشقيها الأنجلو أمريكى والفرانكوفونى. ويشيع هذا النمط ويتكرس من خلال وسائل الإعلام المحلية والأجنبية حيث يسود بين النخب السياسية والثقافية والإعلامية فى إفريقيا والعالم العربى. ويتمثل النمط الثالث فى ثقافة المشاركة التى تعد ركيزة الممارسة الديمقراطية فى مختلف المجالات السياسية والاجتماعية والثقافية وتشهد هذه الثقافة تراجعاً ملحوظاً فى المجتمعات العربية والإفريقية فى ظل هيمنة البنى الثقافية، والسياسية السلطوية وسيادة ثقافة الاستتباع للسلطة السياسية والدينية والتراثية. وهذا يعنى أن أنماط الثقافة السائدة فى معظم المجتمعات العربية والإفريقية تسير فى اتجاه لا يشجع الممارسة الديمقراطية الحقيقية بل يساند الممارسة الشكلية القاصرة التى لا تسعى إلى تفعيل حرية الفكر وحرية الرأى والتعبير بسبب إصرار معظم الحكومات العربية والإفريقية على محاصرتها بشتى الاساليب سواء التشريعات والقوانين أو الإجراءات الاستثنائية. ويؤكد ذلك ما أشارت إليه لجنة ماكبرايد ذ باليونسكو عام 1980، وأكدته منظمات حقوق الإنسان عن أشكال التناقض التى تزخر بها القوانين المنظمة لحرية الرأى والتعبير خصوصاً فى الدول العربية والإفريقية التى صادقت على المواثيق الدولية حيث تصادر الحكومات حرية تكوين الجمعيات الأهلية والنقابات والأحزاب وحرية الاجتماع والتظاهر وحرية الرأى والتعبير، وجميعها مكونات أساسية لحق الإنسان فى المعرفة والاتصال الإعلامى والثقافى. أما التحديات الثقافية التى تواجه حرية الرأى والتعبير فهى تتجسد فى تسخير الإعلام الفضائى فى ترويج الثقافة الاستهلاكية ذات الطابع التجارى من خلال الإعلانات والمسلسلات والمنوعات التى تستهدف ترويض العقل الجمعى عربياً وأفريقياً وقولبة أنماط السلوك والقيم لصالح أيديولوجية ومصالح السوق العولمية. وهنا يجدر التنبيه إلى ضرورة السعى الجاد لحماية الثقافة ذاتها من سطوة السوق وايديولوجية الاستهلاك ومقاومة المحاولات الدؤوبة من جانب المستثمرين ورجال الأعمال الذين يسعون إلى تسليع الثقافة وأمركتها وتهميش الثقافات القومية الجادة فضلاً عن المحاولات التى تسعى إلى تفتيت الثقافات القومية من خلال برامج البث الوافد عبر الفضائيات الأمريكية والأوروبية والصهيونية. فقد حملت العولمة الكثير من المخاطر التى تهدد المنظومة الثقافية فى إفريقيا والعالم العربى. وتقودنا هذه التحديات إلى طرح السؤال الجوهرى ما العمل؟ لمواجهة هذه التحديات التى تحاصر حرية الفكر والتعبير. وتحول دون تحقيق المواطنة الإعلامية التى تضمن كفالة الحقوق المعلوماتية لجميع المواطنين من العرب والأفارقة وتتيح لهم ممارسة حقوقهم المشروعة فى حرية الرأى والتعبير والمشاركة فى صنع القرارات المصيرية. الأمر الذى يحول دون تحقيق التفاعل بين الثقافات العربية و الإفريقية. لا شك أن المسئولية الكبرى تقع على عاتق المؤسسات القومية والجامعات ومراكز البحوث ومنظمات المجتمع المدنى العربية والإفريقية للسعى المشترك من أجل وضع تصور استراتيجى شامل يتيح لها تحقيق هدفين رئيسيين أولهما تحديد كيفية الاستفادة المثلى من منجزات الثورة التكنولوجية فى مجال الاتصال التى تخضع حالياً لهيمنة الشركات المتعدية الجنسية ومجلس إدارة اقتصاد العالم (المؤسسات المالية الدولية البنك والصندوق الدوليان ومنظمة التجارة العالمية) وأباطرة السوق العولمية. ولن يتحقق ذلك دون الاستناد إلى بحوث وطنية تحدد الأولويات والأفضليات فى نقل التكنولوجيا الاتصالية إلى الدول الإفريقية والعربية مع التعجيل بتوظيف رؤوس المال العربية والإفريقية لإقامة مشروعات أفريقية عربية مشتركة لتوطين التكنولوجيا الاتصالية. ويتمثل الهدف الثانى فى ضرورة السعى المشترك من جانب المثقفين العرب والأفارقة من أجل توظيف الجوانب الإيجابية للتراث الثقافى العربى الإفريقى المشترك فى إطار مشروع حضارى يستند إلى بنى اقتصادية واجتماعية وثقافية قادرة على تدارك قصورات البنى والمؤسسات الرسمية السائدة حالياً. ويضاف إلى ذلك ضرورة تدعيم دور المجتمع المدنى لمواجهة الحكومات وشبكات المصالح الدولية والمحلية التى تسعى لتحويل، أفريقيا والعالم العربى إلى مراكز للتخديم على السوق العولمية التى تسيطر عليها القيم النفعية والاستهلالكية وتحكمها قوانين العرض والطلب. وفى النهاية يجدر التنبيه إلى أنه بالرغم من العمق التاريخى للعلاقات الثقافية العربية الإفريقية ،إلا أن الممارسة الفعلية لهذه العلاقات يشوبها الكثير من السلبيات لأنها تتم فى محيط تحاصره العديد من التيارات المعاكسة التى تمارسها قوى النفوذ الأجنبى الغربى، وتسعى إلى تشويه الصور الذهنية المترسخة لدى الرأى العام العربى والإفريقى من خلال الصور الإعلامية المتبادلة ولتصحيح هذا الوضع لابد من إجراء بحوث علمية ملتزمة للكشف عن دور المنظومة الإعلامية والمعلوماتية فى تشكيل أو تشويه الوعى الثقافى المشترك بين العرب والأفارقة مع السعى لرصد وتحليل الصور الإعلامية التى تنشرها الصحف وتبثها وسائل الإعلام المرئى والفضائيات عن كل من إفريقيا والعالم العربى والتى تؤثر فى صناعة القرار السياسى والاقتصادى، وتحدد المسيرة السياسية والاقتصادية للعلاقات العربية الإفريقية. لمزيد من مقالات د. عواطف عبدالرحمن