هاني عسل برلماني.. أم رئاسي.. أم مختلط.. القضية يجب ألا تكون سببا للجدل والصراعات, فكل دولة تختار النظام السياسي الذي يناسبها وفقا لظروفها, أو حسب طبيعة المرحلة التاريخية التي تمر بها, والتجارب التاريخية لا تشير إلي أفضلية نظام علي آخر, بل إن مبررات اختيار نظام معين دون غيره في هذه الدولة أو تلك ليست واضحة أصلا. ولكن, إذا كان للمصريين أن يختاروا الآن نظامهم السياسي الأمثل, فعليهم أن يختاروا النظام الذي يناسب ظروفهم الحالية والذي يتوافق مع عاداتهم وتقاليدهم ومزاجهم الاجتماعي وطبيعة المرحلة الراهنة. ونظرا لأن الكثير من الخبراء والمحللين وممثلي القوي السياسية ينبرون للدفاع عن نظام دون آخر, ويعرضونها في وسائل الإعلام علي أنه يحمل الحق كله والصواب كله, ويتبارون في إظهار عيوب النظامين الآخرين, ونعت أنصارهما بالجهل, فإنه يجب الإشارة إلي أن العبرة في النهاية ليست في اختيار نظام بعينه من الأنظمة الثلاثة, ولكن في كيفية تطبيق النظام المختار علي أرض الواقع, مع الوضع في الاعتبار حقيقة مؤسفة أن عامة المصريين حتي الآن لا يستطيعون معرفة الفوارق بين الأنظمة الثلاثة, ومميزات وسلبيات كل منهم, بل هناك الكثير ممن يطلق عليهم النخبة يقدمون معلومات خاطئة في هذا الصدد.الأمر إذن في حاجة إلي شرح لتوضيح الأساسيات والاختلافات بين كل نظام وآخر, وأيضا لتوضيح أبرز الأمثلة الحية علي كل نظام منهم, مع التركيز علي النظام الرئاسي البرلماني, أو المختلط, الذي تكاد تجمع عليه الآراء باعتباره الأصلح لمصر ما بعد ثورة يناير2011, وهو الذي سينص عليه الدستور الجديد. أولا: النظام البرلماني: وأبرز تطبيقاته تكون واضحة جدا في النظم الملكية, مثل بريطانيا والنرويج والسويد وإسبانيا والدنمارك وبلجيكا وهولندا حاليا, ومثل وضع مصر قبل ثورة23 يوليو1952, ولكن توجد تطبيقات له في أنظمة جمهورية شهيرة أيضا مثل الهند وإسرائيل, وفي هذا النظام تكون الكلمة العليا للبرلمان, وليس للملك أو رئيس الدولة إن وجد, وهذا النظام يعتمد علي الحكومة النيابية, أو الحكومة التي يتم تشكيلها من أعضاء البرلمان الذين يستمدون سلطاتهم من سلطة الشعب الذي اختارهم في الانتخابات البرلمانية, أما رئيس الدولة ففي الأغلب يكون منصبه شرفيا وليس له أن يتدخل في شئون الإدارة الفعلية, ويكتفي فقط بتوجيه النصح والإرشاد إلي سلطات الدولة. وأكثر ما يميز النظام البرلماني هو أن الحكومة يتم اختيارها من بين نواب البرلمان المنتخبين, ولكن أكثر ما يعيبه هو أنه يفتقد إلي ميزة الفصل بين السلطات, وبخاصة في حالة سيطرة حزب يتمتع بأغلبية كبيرة علي البرلمان, وهو ما يعني بالتبعية سيطرة الحزب نفسه علي أغلبية المناصب الوزارية, وهو ما يجعل هناك صعوبة في مساءلة البرلمان للحكومة, والأمر يحتاج بصفة عامة إلي حالة نضج سياسي غير عادي ليؤتي هذا الوضع ثمارا تحقق المصلحة العامة للشعب.وفي حالة اختيار مصر لهذا النظام مثلا يصبح رئيس الدولة المنتخب ذا صلاحيات رمزية فقط, ويصبح الأمر كله تقريبا في يد البرلمان, وتحديدا حزب الأغلبية الذي يستطيع تشكيل حكومة بمفرده أو حكومة ائتلافية مع أحزاب أخري, وأن تحصل هذه الحكومة علي ثقة البرلمان. ثانيا النظام الرئاسي: وهذا النظام هو نظام حكم تكون فيه السلطة التنفيذية مستقلة تماما عن السلطة التشريعية البرلمان, ولا تقع تحت طائلة محاسبتها, ولا يمكن أن تقوم بحلها, ومن أبرز الدول التي اختارت النظام الرئاسي: إندونيسيا والأرجنتين والبرازيل وكوريا الجنوبية والمكسيك وبالقطع الولاياتالمتحدة, إلي جانب الولاياتالمتحدة بنظامها المميز.وينقسم النظام الرئاسي إلي نوعين حسب حجم الصلاحيات التي يتمتع بها الرئيس, فهناك نظام رئاسي كامل, وهناك نظام رئاسي جزئي أو الذي يطلق عليه النظام نصف الرئاسي, أو المختلط, ومن أبرز الأمثلة علي النوع الأول, وهو النظام الرئاسي الكامل, النظام الرئاسي الأمريكي, والذي يتمتع به الرئيس بسلطات تنفيذية كاملة, خاصة أنه يكون منتخبا من الشعب بنظام الاقتراع العام, بينما أبرز الأمثلة علي النظام الثاني, وهو النظام نصف الرئاسي, فهو النظام الفرنسي, الذي يتقاسم فيه رئيس الدولة الصلاحيات التنفيذية مع رئيس الوزراء. وبالنسبة للنظام الرئاسي الأمريكي, تكون مهمة الرئيس حماية الدستور وتطبيق القوانين واقتراح مشروعات القوانين ودعوة الكونجرس لعقد الدورات البرلمانية الاستثنائية وتعيين كبار القضاة وتعيين أفراد سكرتارية الحكومة- الوزراء كما أنه مسئول عن تنفيذ السياسة الخارجية وتعيين السفراء.ومن أبرز إيجابيات هذا النظام أن رئيس الدولة يكون من اختيار الشعب بالانتخاب وفقا لمواصفاته الشخصية والإدارية والقيادية, ولكن من أبرز عيوبه أن الشخصية التي تتولي منصب الرئاسة في النظام الأمريكي تكون في حاجة دائمة إلي وجود أغلبية مؤيدة للرئيس من حزبه في البرلمان الكونجرس- أو إلي كسب ثقة أعضاء البرلمان في حالة فقدان حزب الرئيس للأغلبية, وإلا فإنه قد يتحول إلي رئيس بلا قدرة علي اتخاذ قرارات قوية, أو إلي بطة عرجاء, وبخاصة في الفترات التي تسبق الانتخابات النيابية بأكثر من عام, وهو ما يؤثر بالسلب علي قدرته علي إدارة شئون البلاد.وتبقي ملاحظة خاصة بالنظام الرئاسي الأمريكي تحديدا وهو أن الرئيس هو الذي يقوم بمهام رئيس الوزراء, نظرا لعدم وجود منصب بهذا الإسم أصلا. أما في النظام نصف الرئاسي, أو المختلط, والذي يقال إنه الأنسب للحالة المصرية, ويطلق عليه أيضا اسم النظام الرئاسي البرلماني, فتكون الصلاحيات والسلطات موزعة بموجب الدستور بين الرئيس والبرلمان. المهم, وكما اتضح لنا من هذا السرد, من الصعب القول إن هذا النظام أفضل من ذاك, فلكل مميزاته وعيوبه, ولكل شعب حرية الاختيار بين الأنظمة الثلاثة, أو حتي ابتكار ما يراه مناسبا من أنظمة, ولكن العنصر الوحيد المهم هو ضرورة ضمان تعاون جميع السلطات التنفيذية والتشريعية فيما يحقق المصلحة العامة, فعدم التعاون يؤدي, في كل الحالات, إلي الفشل.ومرة أخري, ليس مهما اختيار النظام المختلط, أو البرلماني, ولكن المهم هو أسلوب التطبيق علي أرض الواقع.ولعلنا نلاحظ أنه من المفارقات الإيجابية بالتأكيد- أن يكون التيار المسيطر علي البرلمان المصري بمجلسيه في الوقت الراهن هو نفسه الذي يرفض اختيار النظام البرلماني لمصر في المرحلة المقبلة, بالرغم من أن البرلماني هو النظام الذي يضمن بقاء أكثر السلطات في أيدي البرلمان, وبخاصة عندما يكون من حق حزب الأغلبية الحالي الحرية والعدالة تشكيل الحكومة.