يخلط الكثيرون عن عمد أو عن نقص في المعلومات بين كثير من المعايير والمصطلحات السياسية, فبعضنا يتحدث عن النظام الرئاسي وفي ذهنه أن النظام الأمريكي هو النموذج المثالي له, في حين أن آخرين يصنفون النظام الأمريكي. علي أنه نظام مختلط برلماني رئاسي, والفرق بين المفهومين من وجهة نظري أن من يشير إلي النظام الأمريكي علي أنه نظام رئاسي يقصد أن الرئيس هو الذي يشكل الحكومة, وهو رأس السلطة التنفيذية ولا يوجد معه رئيس للوزراء, في حين أن الذين يقولون إن النظام الأمريكي نظام مختلط يقصدون أن السلطات تتوزع بين الرئيس والبرلمان بالتكافؤ ودون أن يطغي أيهما علي الآخر, وهذا التعريف الأخير هو الأقرب للصواب من وجهة نظري بغض النظر عن وجود رئيس للوزراء من عدمه, في حين أن البعض الآخر حين يتحدث عن النظام المختلط فهو يقصد أن الحكومة يشكلها البرلمان برئيس وزراء من حزب الأغلبية أو تحالفها ويرأسها رئيس الدولة, والصلاحيات يتقاسمها الرئيس ورئيس الوزراء والبرلمان أيضا, وهو تعريف لعمري لو اتبع في مصر فسيكون هجينا كالنظام الفرنسي الذي يوجد به رئيس وزراء منتخب فعلا لكنه في رأيي رئيس وزراء بلا صلاحيات حقيقية, وفي ظني أن النظام البرلماني الصريح هو أفضل من النظام المختلط بهذه الصيغة الفرنسية الباهتة, وفيه يشكل الحكومة الحزب الفائز في الانتخابات, والرئيس يكون مجرد منصب شرفي ولا يتم انتخابه, ولكن في اعتقادي أن النظام الرئاسي بالمفهوم الأمريكي هو الأفضل لمصر, مع ضرورة تطويره بأن يكون اختيار الرئيس للوزراء ائتلافيا بحيث يشمل كل أطياف المجتمع وبنسب لا تبتعد كثيرا عن نسب التمثيل البرلماني( كحومات الوحدة الوطنية) فتتوافر لها فرص كبيرة لنيل ثقة البرلمان, ولا تخضع لحزب الرئيس الذي أتمني أن يكون هو الآخر غير حزبي, وأعتقد بعد كل هذا الذي حدث في التاريخ المصري القديم والحديث أنه لم يعد من المناسب أن نبقي علي النظام الرئاسي القديم في مصر, لأنه من الواضح أن ذلك النظام يقضي علي أي امكانية لنمو الوعي السياسي لدي المصريين ويرسخ لحكم الفرد والديكتاتورية مهما خلصت نوايا الحاكم ذاته, أما النظام البرلماني فلا أعتقد أيضا أنه سيناسبنا في العقد أو العقدين المقبلين, ذلك أن الشعوب التي عاشت طويلا تحت النظم الرئاسية علي طريقتنا الفرعونية لا يمكن أن ننقلها فجأة إلي النظام البرلماني, لأن التحول الفجائي من الديكتاتورية الكاملة إلي الحرية الكاملة يؤدي في كثير من الأحيان أو في معظمها إلي حالة من الفوضي الكاملة أيضا, وهو أمر يشبه وعاء الطهو تحت الضغط البريسو فإن رفع الغطاء عنه فجأة دون تنفيث منظم ينفجر ويضيع كل ما بداخله, والنماذج عديدة حولنا, ولذلك أري أن ما يناسبنا في المرحلة المقبلة ولمدة10 أو20 سنة هو النظام الرئاسي البرلماني لكي ينتقل بنا بأمان من الديكتاتورية الكاملة إلي الديمقراطية الكاملة خلال الفترة الموضحة, ومن خلالها سيكون لدينا رئيس يتمتع بكثير من الصلاحيات ويشكل الحكومة لكن لا يمكنه حل البرلمان, وبرلمان يتمتع بصلاحيات لا تقل عنها وبمقدوره سحب الثقة من الحكومة, واجبار الرئيس علي تغييرها, وبذلك لا نترك الباب مغلقا أمام التحول الديمقراطي وبناء الوعي السياسي, وفي ذات الوقت لا نفتحه علي مصراعيه فجأة فتهب علينا العواصف والأعاصير بما قد لا نتحمله. د. أحمد الجيوشي جامعة حلوان