حين تقترب أيام مهرجان القاهرة السينمائى الدولى، ينتابنى شعور دفين بالحنين والاحتفال وكأننى أتهيأ لحضور عيد فنى يخص روح القاهرة بقدر ما يخص عيون عشاق السينما فى العالم العربى. ليس مهرجان القاهرة مجرد حدث سنوى نستقبله فى نوفمبر من كل عام، بل هو وطن صغير للمحبة والفن والانفتاح على قصص البشر.. مهرجان القاهرة هو ضوء وسط عتمة تزداد، يجمع الحالمين وصناع الأحلام ويمنحهم تلك المساحة السحرية التى تصنع تاريخا لا ينسى. تاريخ المهرجان.. دفء البدايات انطلقت أولى دورات مهرجان القاهرة السينمائى عام 1976 وسط أجواء احتفالية ووعود ثقافية، كأحد أقدم المهرجانات السينمائية الدولية فى المنطقة العربية وأفريقيا. منذ ذلك اليوم، صار المهرجان نافذة مصرية فريدة على السينما العالمية، واستمر فى التطور حتى أصبح أحد 15 مهرجانا معتمدا من الاتحاد الدولى لجمعيات منتجى الأفلام (FIAPF) بالفئة "A"، أى أنه مصنف عالميا ويساهم فى صناعة مستقبل الفن السابع على أرض القاهرة. توالت على رئاسة وإدارة المهرجان أسماء كبرى صنعت هويته، مثل كمال الملاخ، سعد الدين وهبة، عزت أبو عوف وعمر الشريف الذى شغل منصب رئيس شرفى، وطبعا النجم حسين فهمى الرئيس الحالى. وفى كل دورة كان المهرجان يحرز تقدما على مستوى التنظيم والمشاركة الدولية، ليصبح ملتقى حقيقيا لكبار نجوم الصناعة العالمية والعربية. المهرجان كرم، عبر تاريخه، عشرات الأسماء اللامعة فى سماء السينما من مصر والعالم. رأينا على سجادته الحمراء صوفيا لورين، مارشيلو ماسترويانى، جون مالكوفيتش، مورجان فريمان، نيكولاس كيج، إليزابيث تايلور، عمر الشريف وغيرهم من رواد الفن العالمى، إضافة إلى رموز مصرية لا تُنسى مثل فاتن حمامة، يوسف شاهين، نور الشريف، محمود عبد العزيز، ويسرا، وليلى علوى. ولم يكن التكريم مجرد احتفاء بالأسماء، بل هو رسالة مستمرة بأن السينما فن يجمعنا ويمنحنا القوة، وأن القاهرة المركز الذى تحتضن قصص كل هؤلاء وتعيد تدويرها فى ذاكرة الزمن. برع مهرجان القاهرة السينمائى فى انتقاء الأفلام الاستثنائية لعرضها فى مسابقاته الدولية والعربية ومسابقات الأفلام القصيرة والديجيتال، ومنح جوائز تحمل أسماء رموز السينما المصرية مثل "جائزة نجيب محفوظ" لأفضل سيناريو و"جائزة فاتن حمامة للتميز" للشخصيات الفاعلة. وفى كل دورة، يعرض أكثر من مائة فيلم من عشرات الدول، وتثار نقاشات وتفتح ورش وتقام فعاليات تكرم السينما وصناعها وتحتفى بذلك التنوع الإنسانى. من بين الأفلام التى خلدت حضورها فيه "الأرض"، "باب الحديد"، "الناصر صلاح الدين"، "المومياء" وغيرهم من روائع السينما المصرية، مع وجود أفلام عالمية كان أول عرض لها فى القاهرة قبل أن تشتهر عربيا ودوليا. دورة 2025.. لقاء جديد مع الحلم الدورة ال46 لهذا العام التى تقام بين 12 و21 نوفمبر 2025، تميزت بمشاركة 108 فيلما، وأكثر من 20 جائزة، وحضور آلاف الضيوف والمشاركين من أنحاء العالم. تهدى الدورة "الهرم الذهبى لإنجاز العمر" للمخرج الكبير محمد عبد العزيز، وتكرم النجم خالد النبوى بجائزة فاتن حمامة للتميز إلى جانب أسماء عالمية مثل إلديكو إينييدى وهيام عباس تقديرا لجهودهن الفنية. شعار الدورة "الإنسان والسحر السينمائي"، ويركز البرنامج على أفلام تناقش التحولات المجتمعية، الهجرة، الهوية، وقصص النساء وصراعهن فى العالم الجديد، إضافة إلى عروض خاصة وورش موجهة لصناع السينما الشباب وندوات قلما تجتمع بهذا المستوى الفنى. بصفتى امرأة محبة للسينما، أجد فى مهرجان القاهرة السينمائى تجسيدا لأحلامي: هو مكان عابر للأجيال والأزمنة، يسمح للمرأة ولا سيما صانعات السينما بأن تجد صدى لأصواتهن ومعاناتهن وأفراحهن فى الأفلام والقصص المقدمة. وعلى مدار أيامه، أعيد اكتشاف ذاتى فى كل لوحة فنية أو لقاء أو ورشة عمل أو تكريم. أحب مهرجان القاهرة لأنه يعيد رسم تفاصيل المدينة بجلال السينما، يجمع تحت مظلته صغار المبدعين والكبار، ويمنحنا جميعًا تلك اللحظة التى نشعر فيها حقا أننا جزء من عالم كبير، نابض بالحياة، مليء بالأمل والسحر.. القاهرة السينمائى هو قصة حب.. قصة عشق للسينما وللإنسان الذى يحب السينما.