يثور اليوم جدل بين المنشغلين بالشأن العام فى مصر حول نظام الحكم الذى سيتم تبنيه فى الدستور الجديد مع انتهاء الفترة الانتقالية، وهل سنأخذ بالنظام الرئاسى أم بالنظام البرلمانى أم بنظام مختلط بين النظامين الرئاسى والبرلمانى. ويكاد يجمع «المرشحون المحتملون» لرئاسة الجمهورية على رفض النظام البرلمانى! باستثناء «منصور حسن» رئيس المجلس الاستشارى الذى قال: «النظام الأمثل لمصر هو النظام البرلمانى، فهناك خوف من تحول مصر فى حالة النظام الرئاسى بعد فترة من الوقت إلى دكتاتورية إذا تعرضت البلاد لأزمة، ولدينا رئيس فى يده جميع السلطات وينفرد بالسلطة التنفيذية، فمن الممكن أن يتحول إلى ديكتاتور». وينحاز «المرشحون المحتملون» وسياسيون وقانونيون للنظام الرئاسى، وإن فضل عديد منهم «مسك العصا من المنتصف» والحديث عن نظام رئاسى برلمانى مختلط. يقول عمرو موسى وزير خارجية مصر الأسبق: «أنا من أنصار النظام الرئاسى، وليس النظام البرلمانى، على الأقل فى الفترة القادمة لضبط الإيقاع». ويقول أحمد شفيق، قائد سلاح الطيران السابق وآخر رئيس وزراء فى عهد مبارك: «النظام الأنسب لمصر الآن هو النظام الرئاسى البرلمانى، وليس العكس، فرئيس الجمهورية يجب أن يظل رئيسًا للسلطة التنفيذية إلى أن تستقر الأمور». ويرى د. محمد مرسى، رئيس حزب الحرية والعدالة «الإخوان المسلمين»، إن التحول لنظام برلمانى كامل لن يكون مناسبًا فى ظل الظروف القائمة، وإنه من الأفضل إقامة نظام رئاسى برلمانى مختلط. ويؤكد د. محمد نور فرحات، أستاذ فلسفة القانون، أن «النظام البرلمانى خطر شديد على مصر الآن». ويقول المستشار حسن البدراوى: «ما أتمنى أن أراه فى نظام الجمهورية الثانية لمدة عقدين من الزمن هو النظام الرئاسى البرلمانى، أو ما نسميه النظام المختلط». ويقوم النظام البرلمانى على مبدأ الفصل بين السلطات على أساس التوازن والتعاون بين السلطتين التشريعية والتنفيذية، ويتولى الحزب أو «الائتلاف الحزبى» الفائز فى الانتخابات والحاصل على الأغلبية فى البرلمان تشكيل الحكومة، ورئيس مجلس الوزراء هو رئيس السلطة التنفيذية ومجلس الوزراء «الحكومة» هو السلطة التنفيذية، ويكون مسؤولاً مسؤولية كاملة وبصورة تضامنية أمام البرلمان وعن السياسة العامة فى الدولة، ولا يمارس مجلس الوزراء مهامه قبل أن يحصل على ثقة المجلس النيابى، ولا يبقى فى مقاعده إذا فقد هذه الثقة، ورئيس الجمهورية فى النظام البرلمانى ينتخبه المجلس النيابى، ولا ينتخب مباشرة من الشعب، وهو رئيس الدولة الذى يمارس سلطة «السيادة» ومركزه مركز شرفى، ومن ثم فليس له أن يتدخل فى شؤون الإدارة الفعلية للحكم «مثله فى ذلك مثل الملك فى الملكيات الدستورية.. يسود ولا يحكم» ويمارس اختصاصاته بواسطة وزرائه. أما فى النظام الرئاسى فرئيس الجمهورية يتمتع بسلطات تنفيذية واسعة ويجمع بين سلطة السيادة وسلطة الحكم، والوزراء - ورئيس مجلس الوزراء إن وجد - مجرد مديرى مكتب أو سكرتارية لرئيس الجمهورية، ومدد رئيس الجمهورية فى هذا النظام محددة. والسلطة التشريعية بالمقابل تتمتع بسلطات واسعة فى الرقابة والتشريع وفى مجال الميزانية والاعتمادات المالية، ويشترط موافقة المجلس النيابى على تعيين الوزراء والسفراء وكبار رجال الدولة، وللبرلمان تشكيل لجان للتحقيق، ويمكن أن تصل إلى دفع رئيس الجمهورية للاستقالة أو المحاكمة. ومصر منذ قيام النظام الجمهورى فى 18 يونيو 1953 يفترض أن النظام القائم بها هو النظام الرئاسى أو النظام المختلط، ولكنه فى الحقيقة - خاصة بعد دستور 1971 - تحول إلى نظام استبدادى غير ديمقراطى بالكامل، وبالتالى يصبح الأصوب هو تحول مصر فى الدستور الجديد بعد ثورة 25 يناير إلى نظام برلمانى ديمقراطى مدنى، للقطع بين المستقبل وهذا الماضى الاستبدادى الذى تحول فيه رئيس الجمهورية إلى حاكم مطلق مستبد بامتياز.