فيما اشتعل الصراع الرئاسي بين مئات المرشحين الذين تقدموا منذ اليوم الأول لسحب طلبات الترشيح للمنصب الرفيع لم يتوقف الكثيرون عند ماهي مهمة الرئيس القادم وما هي صلاحياته وسيحكم بأي نظام طالما لم يوضع الدستور بعد.. كيف سيحكمنا وهل سيكون قادرا علي لمّ هذا الشتات والتناثر والتشرذم اللامتناهي الآن في الشارع المصري.. هل سيكون قادرا علي الإدارة أم سيسقط بعد قليل؟. الحسابات السياسية الآن ليست في اسم المرشح الرئاسي القادم فهذا هو ما يبدو علي السطح ولكن تحت كل هذا الركام يجري الترتيب لشكل الدولة القادم هل سيكون برلمانيا كما يريد التيار الديني أم رئاسيا علي حسب رغبة قوي أخري مضادة لسيطرة الإسلاميين أم سيكون نظاما مختلط الصلاحيات كما تريد غالبية القوي الحقوقية والثورية . في النظام البرلماني كما يعرفه أساتذة القانون الدستوري يصبح المجلس التشريعي والكتل المسيطرة عليه هي المتحكمة في كل شيء بدءا من تشكيل الوزارة وخضوعها للرقابة يصبح ضعيفا وتمريرها للتشريعات سريعا وعلي حسب رغبتها مستندة لنتيجة التصويت الانتخابي الكبير الذي حصلت عليه والرئيس فيه مجرد رمز للدولة ولكن بلا صلاحيات تكفل له أي دور. وهذا النظام ليس غريبا علي مصر فقد كان مطبقا قبل الثورة وكان يأتي نتيجة تدخلات الإنجليز والقصر بحكومات ضعيفة لم تتمكن من مواجهة متطلبات الدولة في هذا الحين . ويكون هناك صعوبة في تطبيق هذا النظام في الدول التي ليس بها تجربة حزبية كبيرة فهو يحتاج إلي وعي وإدراك سياسيين عاليين إضافة إلي تعمق التجربة الحزبية . وبالطبع النظام الرئاسي بشكله السابق مستبعد تماما، ويري نجاد البرعي مدير المجموعة المتحدة أن مصر لا يصلح لها إلا النظام المختلط وتقسيم الصلاحيات بين الرئيس والبرلمان وأنه سيكون هناك صدامات في بعض الرؤي محذرا من وجود محاولات لدفع البلاد نحو اختيار نظام معين قبل انتخاب الرئيس القادم لافتا إلي أن الشاهد علي ذلك أن صناعة الدستور تأخذ من عام إلي عامين في كل دول العالم ولا يوجد دستور في العالم وضع في شهرين مثل مصر وهو الأمر الذي سيفقد مصر الفرصة لأن يكون لها دستور دائم ومحترم. أما عبدالله خليل - المحامي وخبير حقوق الإنسان فيري أن المرحلة الحالية التي تعيشها مصر تحتاج إلي الجمع بين مزايا النظام الرئاسي، ومزايا النظام البرلماني، واستبعاد كافة العيوب الواردة في النظامين، وذلك إلي حين الوصول إلي مرحلة الرأي العام المستنير، ورفع الوعي السياسي والثقافي داخل المجتمع، الذي يحد من آثار وعيوب النظامين، وذلك حتي لا تتسبب عيوب النظام البرلماني في خلق قوي استبداد الأغلبية. فالنظام الذي كان معمولاً به في مصر هو نظام رأساوي، حيث إن رأس الدولة هو الذي يتحكم في كل شيء مؤكدا أن الشعب المصري سيرفض أي صلاحيات فرعونية للرئيس القادم وسيدعم خضوعه للرقابة وسيطالب بآليات تضمن محاسبته. فيما يري د. ثروت بدوي - أستاذ القانون الدستوري بجامعة القاهرة أن النظام البرلماني هو الوحيد الذي يحقق الديمقراطية في مصر، لأن النظام الرئاسي يخلق من الحاكم ديكتاتوراً، أما البرلماني فيجعل من الرئيس مجرد رمز، دون أن تكون له سلطات حقيقية، وتكون السلطات جميعها موزعة بين الحكومة (مجلس الوزراء والوزراء) وبين البرلمان والقضاء، وتكون هذه السلطات الثلاث متوازنة لأنها تخضع لرقابة بعضها البعض، ورئيس الدولة مركزه مجرد سلطة شرفية، يمكن أن يلعب دوراً في التوفيق للتصالح أو لتحقيق التوازن بين السلطات، إذا حدث خلاف بينهما. ويشير الدكتور محمد الجوادي الباحث السياسي إلي أنه من الأوفق الأخذ بالنظام الرئاسي الديمقراطي ونطبق المعايير التي تطبقها الولاياتالمتحدةالأمريكية وذلك بانتخاب الرئيس ونائبه في قائمة واحدة، وإلغاء منصب رئيس الوزراء وذلك يحل مشكلة سبعة قطاعات لا تخضع لرئيس الوزراء الآن، رغم أن جزءاً من السلطة التنفيذية، وهي وزارة الدفاع والأزهر والجهاز المركزي للمحاسبات وجهاز الأمن القومي والرقابة الإدارية والبنك المركزي والنائب العام، علي أن تتم الانتخابات الرئاسية والبرلمانية في نفس الوقت، مثل الولاياتالمتحدةالأمريكية حتي لا تؤثر إحداهما علي الأخري. ويشير صبحي صالح عضو مجلس الشعب وكيل لجنة الشئون الدستورية والتشريعية أنه بالنسبة للصلاحيات الجديدة للرئيس القادم فهي محكومة بالنظام الذي تتبناه الجمعية التأسيسية لوضع الدستور وبالتالي ليست مجرد وجهات نظر لهذه الصلاحيات فحتي الآن لا نعرف هل هو نظام رئاسي أم برلماني أم مختلط ولكن المزاج العام يتجه للنظام المختلط بالإضافة إلي ذلك فلا مانع من التزامن بين السعي للانتخابات ووضع الدستور علي أن يكون الدستور قبل بدء الانتخابات. الدكتور أحمد سعيد رئيس حزب المصريين الأحرار عضو مجلس الشعب يري أنه يمكن الأخذ بالمواد من دستور 17 التي تخص الحريات العامة وهي من المادة 17 حتي المادة 47 وهي حق التظلم أمام القضاء من أي إجراء يقيد الحرية الشخصية وينظم القانون حق التظلم بما يكفل الفصل فيه وأيضاً تنفذ الأحكام باسم الشعب ويكون الامتناع عن تنفيذها من أي موظف جريمة يعاقب عليها. من ناحية أخري يجب علي رئيس الجمهورية أن يحترم الدستور وسيادة القانون والعدالة الاجتماعية وحماية الوحدة الوطنية والحدود بين السلطات لضمان تأدية دورها .. كذلك المادة الرابعة وتنص علي ألا يتخذ الرئيس الإجراءات السريعة لمواجهة أي خطر إلا بعد أخذ رأي رئيس مجلس الوزراء ورئيس مجلسي الشعب والشوري وتوجيه بيان للشعب ويجري الاستفتاء علي ما اتخذ من إجراءات ولا يجوز حل مجلسي الشعب والشوري أثناء ممارسة هذه السلطات. أما عصام شيحة عضو الهيئة العليا لحزب الوفد فيري أن الأحزاب الليبرالية يجب عليها أن تغير موقفها من النظام البرلماني حيث تري أن النظام الأمثل خلال السنوات المقبلة هو النظام الرئاسي المختلط الذي يعطي صلاحيات للحكومة لكنه يوازي بين السلطات الثلاث التشريعية والتنفيذية والقضائية وأشار شيحة إلي أن برنامج حزب الوفد الصادر في عام 8791 في الجانب السياسي للدولة ينص علي أن يكون نظام الحكم جمهورياً برلمانياً يملك فيه رئيس الدولة ولا يحكم وان يكونوا حكماً بين السلطات وليس مالكاً لها. وأضاف أن الفترة الانتقالية التي تمر بها مصر حالياً يجب أن تكون الحكومة مسئولة عن السياسات الداخلية في حين يركز الرئيس علي السياسات الخارجية والأمن موضحاً بأن مطالبهم بالنظام المختلط حالياً تأتي لتدارك التغييرات السياسية في المرحلة الانتقالية حيث تخشي القوي الليبرالية أن تنادي بنظام برلماني خالص ثم تأتي قوي أو تيار معين يحصل علي أغلبية برلمانية فينفرد بلجنة وضع الدستور وتشكيل الحكومة وبالتالي يسيطر علي جميع السلطات ويخل بموازين الدولة وبمبادئ ترسيخ الديمقراطية.