مع حلول الذكرى السبعين للنصر على الفاشية الذي كان للشعوب السوفيتية فيه الاسهام الاعظم، تتدفق الذكريات وتتوارد الخواطر لتنساب قَصَائِدَ بطولةٍ عذبة المفردات، على ألسنة من لا يزال بين ظهرانينا من أبطال ذلك الحدث الأضخم في التاريخ المعاصر. واذا كانت الذكرى السبعون لنهاية الحرب العالمية الثانية جاءت هذا العام لتكشف عن مدى هشاشة السلام في عالمنا الراهن، فإنها تبدو تذكرة حية لقسوة الحاجة الى بعض الدروس المستفادة من تلك الحرب التي يظل أهمها ضرورة نبذ الخلافات، والكف عن محاولات التدخل في شئون الاخرين، واحترام مصالحهم الوطنية، والتعاون في مجال مكافحة الشر الذي يتمثل اليوم في الارهاب والتطرف بكل أشكاله الدينية والعرقية. ولذا يبدو ذا دلالة بالغة الاهمية، ما يتردد من حكايات وذكريات على ألسنة أبناء وأحفاد كبار القيادات العسكرية من أمثال المارشالات جوكوف وروكوسوفسكي وفاسيليفسكي بمصداقيتها المفرطة، الى جانب قصص الحرب بما تتضمنه من تفاصيل ووقائع يحرص الابناء والاحفاد على سرد الكثير من مفرداتها بكثير من الفخر والاعتزاز. ومن مآثر الايام القليلة الماضية التي استمتع بها سكان روسيا وما حواليها خلال الايام القليلة الماضية ما ظل يصافح أسماعهم مع صباح كل يوم جديد، من "نشرات مكتب الاعلام السوفييتي"بما تضمنته من سرد واقعي لتطورات الحرب ورصد ما حققته القوات السوفيتية من انتصارات بصوت يورى ليفيتان مذيع ذلك الزمان الذي اعتبره هتلر أخطر أعداء الرايخ، ووضعه متقدما على ستالين في قائمة خصومه، ورصد مكافأة مالية ضخمة لمن يأتي له برأسه او لمن يستطيع اسكات صوته. وكان ليفيتان أحد أهم رموز ذلك الزمان ممن رافقوا مسيرة الحرب منذ اللحظات الاولى لغزو القوات الهتلرية للاراضي السوفيتية في بريست في 22 يونيو 1941، وحتى لحظة اقتحام الجيوش السوفيتية برلين في اواخر ابريل عام 1945 ورفع العلم السوفيتي فوق مبنى الرايخستاج ما دفع هتلر ووزير اعلامه جوبلز الى الانتحار، قبل اعلان المانيا الاستسلام بعد ما يقرب من ست سنوات من المعارك الدامية لاكبر حرب في التاريخ المعاصر. احتفالات الذكرى السبعين للنصر هذا العام تتزين أيضا بصور الخالدين من ابطال الحرب التي حملها الاحفاد والاهل والاقارب احتفاءً بذكرى الاجداد ممن غيًبهم العمر عن احتفالات هذا العام ، وبدورهم الخالد في انقاذ الوطن والبشرية من دنس الفاشية وقسوة الاحتلال. وقد جمعت "مسيرة الفوج الخالد" التي شقت شوارع العاصمة الى الميدان الاحمر، الاوفياء الغيورون على تاريخ الاباء وبطولات الاجداد، في تقليد تشهده موسكو لاول مرة وهي التي طالما جمعت بين جنباتها أبطال الحرب ممن كانوا طوال سنوات ما بعد الحرب يتواعدون على اللقاء في احتفالات كل عام على مقربة من مسرح البولشوى وعدد من المواقع التقليدية في وسط العاصمة. ويبقي ان نشير الى ان احتفالات موسكو هذا العام تأتى في أجواء غلب عليها التوتر والمواجهة، بعد أن تواترت اعتذارات الكثيرين من زعماء البلدان الغربية، وهم الذين طالما تسابقوا للمشاركة في هذا الاحتفالات، ومنهم بيل كلينتون الرئيس الامريكي الاسبق الذي شارك في احتفالات الذكرى الخمسين. ويذكر التاريخ ايضا ان جنودا من ممثلي قوات حلف الناتو شاركوا لاول مرة في التاريخ، في العرض العسكري الذي جرى في الميدان الاحمر بمناسبة الذكرى الخامسة والستين للنصر على المانيا النازية. ومن اللافت ان موسكو تعمدت هذا العام استقبال ضيوفها من رؤساء ما يقرب من ثلاثين دولة اجنبية بمعرض اقامته في مطار "فنوكوفو- 2" - "الرئاسي" احتوى بعضا من المقاتلات السوفيتية الحقيقية التي شاركت في الحرب، ومنها طائرات "ميج-3" و"إي-153 تشايكا" و"دي إي تي" و"أو-2" ، و"إي-15بيس"، كانت اضافة لما يستعرضونه مع الملايين من الحضور ومشاهدى التليفزيون، من احدث ما توصلت اليه الترسانة العسكرية الروسية المعاصرة، وفي مقدمتها "الدبابة ارماتا تي -14" ذات القدرات المتميزة التي لا مثيل لها في العالم، الى جانب صواريخ "يارس" الاستراتيجية العابرة للقارات، التي تكشف عنها موسكو ايضا لاول مرة.