إن مهمة قوات الناتو هي أن تترك البلاد وهي قادرة علي تولي شئونها الأمنية بنفسها, وألا تصبح ملاذا آمنا للارهاب مرة أخري, بهذه الكلمات حدد ديفيد كاميرون رئيس الوزراء البريطاني قبيل لقائه الرئيس الأمريكي باراك أوباما الهدف من الوجود الغربي في أفغانستان, وهو تصور يقتصر فقط علي الشق الأمني من مهمة استمرت قرابة عقد كامل. حملت المهمة الأمريكية في دعايتها الأولي شعارات ضخمة عن ترسيخ الديمقراطية وحقوق المرأة وصولا للاستقرار السياسي باعتباره الهدف الذي طال انتظاره, وهنا يثور التساؤل عن المدي الذي وصلت اليه هذه الأهداف في ظل الأزمات المتتالية التي شهدتها العلاقات الأفغانية الغربية بشكل عام والامريكية بشكل خاص, وذلك بعد الحادث الأخير الذي راح ضحيته16 أفغانيا من بينهم تسعة اطفال علي يد جندي أمريكي, واعتبره البعض المسمار الاخير في نعش العلاقات الأفغانية الأمريكية التي شهدت علي مدي الشهور القليلة الماضية أزمات حادة بدأت بالفيديو الذي يظهر مجموعة من الجنود الأمريكيين ينتهكون حرمة جثث مقاتلين يعتقدون أنهم من طالبان, مرورا باحراق نسخ من المصحف الشريف تمت مصادرتها من بعض المعتقلين بقاعدة باجرام, وهو ما تسبب في مظاهرات حاشدة أسفرت عن مصرع العشرات وصولا للأزمة الأخيرة. ورغم مسارعة الولاياتالمتحدة بالاعتذارعلي لسان كبار مسئوليها, واصرارها علي أن ما حدث تصرف فردي, الا أن هناك اتفاقا بين معظم التحليلات التي تناولت الحادث بأن تداعياته لن تقتصر علي الوضع الداخلي في أفغانستان, ولكنها ستمتد لأكثر من صعيد سواء علي مستقبل العلاقات الافغانية الغربية, بل ومستقبل الرئيس حامد كرزاي, أو بالرأي العام داخل دول التحالف خاصة الولاياتالمتحدة وبريطانيا والذي يبدو أنه شهد تحولا واضحا تجاه هذه الحرب, وكذلك المخاطر المتوقعة للدعوات المثارة حول تسريع وتيرة الانسحاب بسبب هذه التطورات, واخيرا موقف طالبان في ظل هذه التطورات. وهنا يشير المراقبون الي أنه قبل وقوع الحادث مباشرة كانت كل من الولاياتالمتحدةوأفغانستان قد توصلتا لاتفاق مبدئي حول تسلم الجانب الأفغاني مسئولية ادارة مراكز الاعتقال التابعة للقوات الأمريكية تمهيدا للتوقيع علي اتفاقية استراتيجية بين البلدين, يسمح بمقتضاها بوجود أعداد من القوات الأمريكية والبريطانية الخاصة بعد الرحيل المزمع عام2014 بهدف المساعدة في مواجهة الجماعات المسلحة, وفي الوقت الذي تتوالي فيه التصريحات الامريكية المؤكدة أن الحادث لن يؤثر علي موعد توقيع هذه الاتفاقية, الا أن هناك دلائل قوية علي أن هذا الاتفاق اصبح الآن في مهب الريح وان هناك عقبات ستعترض مسار هذا الاتفاق, فالادارة الأمريكية التي خططت أن تكون استضافة بلادها لقمة الناتو في مايو المقبل مناسبة لإعلان اتمام كل الترتيبات الخاصة بأفغانستان تبدو غير واثقة من اتمام ذلك, في ظل الدعوات المعلنة من البعض للاسراع بخروج القوات وعدم الالتزام بالجدول المعلن, وهي دعوات يراها مسئولو الادارة الامريكية ليست في محلها نظرا للمخاطر الي ستترتب عليها, فالمعروف أن أهم بنود الترتيبات الامنية الانتهاء من تدريب الجزء الأكبر من القوات الأفغانية لتولي مهمة العمليات القتالية وحفظ الأمن قبل سحب قوات التحالف, ومن ثم فان أي محاولة لضغط هذا الجدول الزمني ستمثل عبئا اضافيا علي قوات الناتو هي في غني عنه في المرحلة الراهنة, بل أنها ستؤدي في رأي هؤلاء لنوع من الانسحاب غير المخطط, وهو ما سيؤدي في النهاية لحدوث قدر من الفوضي سيؤثر بلا شك علي الرئيس كرزاي خاصة بعد أن وضعه الحادث الأخير في موقف صعب أمام البرلمان وامام مواطنيه, وهنا يشير المراقبون الي أنه مع الأخذ في الاعتبار التداعيات الخاصة لهذا الحادث علي مستقبل الترتيبات الامنية, الا ان التأثير الحقيقي علي القوات الغربية لن يكون ملموسا في أفغانستان فقط, ولكن في الدول الغربية ذاتها خاصة الولاياتالمتحدة, التي طالما اعتبرت الحرب في افغانستان هي القرار الصائب مقارنة بالحرب في العراق مثلا, ولكن بعد مرور عقد علي التدخل الغربي في أفغانستان, وبعد عام علي مقتل أسامة بن لادن, تزايدت أعداد المواطنين الامريكيين والبريطانيين المشككين في جدوي وجود قواتهم هناك ومدي نجاحها في تحقيق أهدافها, خاصة بعد أن أظهرت الاستطلاعات أن نسبة من يعتقدون أن هذه الحرب لا تساوي تكلفتها في تزايد, وانهم يؤيدون عودة قواتهم حتي قبل أن يكتمل اعداد الجيش الأفغاني, وأنها حرب لا يمكن كسبها بأي حال من الاحوال, فالوضع هناك ميئوس منه ووجود هذه القوات يزيده سوءا, ومن ثم فكلما تم الاسراع باعادتهم كان ذلك افضل. ولكن هل هذا التصور قابل للتنفيذ بسهولة, والاجابة بالقطع هي النفي. فالاستراتيجة التي وضع علي أساسها الجدول الزمني للانسحاب, اعتمدت علي أن تترك الحكومة الافغانية وهي قادرة علي التعامل مع الوضع الداخلي بعد رحيل القوات الغربية, بالتزامن مع السير في اتجاه المصالحة والتسوية السياسية مع طالبان, وأن افغانستان لكي تضمن مستقبلا مستقرا, فلابد من وجود حكومة قوية وقوات أمنية مدربة ومؤهلة, بحيث تقتنع طالبان بأن فرصتهم الوحيدة في الوجود لابد ان تأتي عن طريق التسوية, وهي أهداف لم تتحقق حتي الآن, ومن ثم فان التسرع في الرحيل سيؤدي لتكرار ما حدث بعد الانسحاب السوفيتي من أفغانستان الذي خلف وراءه حكومة ضعيفة فانزلقت البلاد لحرب اهلية راح ضحيتها الآلاف واسفرت عن ظهورالجماعات المتشددة مثل طالبان. وهنا لابد من الحديث عن تأثير هذه التطورات الاخيرة علي موقف طالبان, فمعظم التحليلات تري ان طالبان التي تراقب الموقف عن كثب, استثمرت هذا الحادث كدعاية لها وانتصارا لموقفها الرافض للوجود الغربي ولتصرفاته المذلة في حق المواطنين الافغان, وهو ما دفع البعض للاعتقاد بان طالبان ربما تطمح لاستعادة سلطتها علي البلاد الأمر الذي يمثل خطرا محدقا بعد كل الاموال التي صرفت, والضحايا الذين سقطوا سواء من المدنيين العزل أو من الجنود.