كتب أرفيند جوبتا فى موقع معهد دراسات الدفاع والتحليلات فى الهند أن الوضع الأفغانى يتحرك بسرعة كبيرة. فالأمريكيون وحلف الناتو يرون أن المرحلة النهائية من اللعبة ستبدأ قريبا. ويبدو أنها بداية لفصل جديد لباكستانوأفغانستان وسائر المنطقة. فقد حدثت تطورات مهمة فى الآونة الأخيرة، إذ أنشأ الرئيس كرزاى مجلسا أعلى للسلام من أجل إجراء محادثات مع طالبان. بينما يمثل الاتصال مع من يطلق عليهم «العناصر الطيبة» فى طالبان ذروة الإستراتيجية الغربية فى السنوات الأخيرة. وزعم الرئيس الأفغانى كرزاى علنا أنه التقى ببعض الزعماء المهمين فى طالبان. ويرأس المجلس الأعلى للسلام قائد المجاهدين السابق برهان الدين ربانى، وهو طاجكى. وفضلا عن ذلك، يؤكد الأمريكيون إجراء اتصالات مع كبار قادة طالبان. تمثلت شروط المصالحة التى وضعها كرزاى لطالبان فى التخلى عن السلاح، وإجراء محادثات فى إطار الدستور الأفغانى، وقطع اتصالاتهم مع القاعدة. وهى شروط تعد معقولة. ورغم ذلك، ليس من الواضح أن أيا من أطراف طالبان سوف يتقدم إلى المحادثات بقبول هذه الاشتراطات. واستنادا إلى التصريحات الأمريكية، فالمحادثات مع الملا عمر مستبعدة، فهم يعتبرونه قريبا من القاعدة. ويتبقى بعد ذلك مجموعتا حقانى وحكمتيار. وفى ظل الوضع الراهن، قد لا يقبل على المصالحة سوى الأطراف غير الفاعلة فى طالبان وأمراء الحرب فقط. ويبقى علينا تحديد ما إذا كان هؤلاء يكفون لتحقيق السلام أم لا. وتحديد الموعد النهائى لبداية انسحاب القوات الأمريكية فى يوليو 2011 أحدث ارتباكا شديدا. ولا يبدو أن هناك من يعلم ما سوف يسفر عنه هذا الانسحاب. ويكشف كتاب وودورد الأخير «حروب أوباما» أن هناك اختلافات كبيرة داخل إدارة أوباما بشأن التعامل مع الحرب الأفغانية. إذ يختلف المسئولون المدنيون مع العسكريين، وتم تغيير مستشار الأمن القومى. ونظرا لهذه الخلافات، يصعب تحديد طريقة تصرف إدارة أوباما فى المستقبل. ويلقى الحوار الأمريكى الباكستانى الاستراتيجى فى 22 أكتوبر، وقمة حلف الناتو المقبلة فى نوفمبر، ونتائج المفاوضات التى تجرى بواسطة المجلس الأفغانى للسلام، بعض الضوء على الاتجاه الذى سوف يتجه إليه الوضع الأفغانى فهل يستقر أم يتجه إلى مزيد من العنف؟ ويشعر الكثيرون ببداية الانسحاب الأمريكى من أفغانستان. إذ تفرض الظروف الاقتصادية البائسة، والاختلافات السياسية بين الديمقراطيين بشأن خوض الحرب الأفغانية، وتراجع تأييد الرأى العام للحرب، وارتفاع عدد الضحايا، على أوباما أن يسعى إلى الانسحاب المبكر. ولكن لابد من وضع صيغة لحفظ ماء الوجه أولا. ويتمثل أحد الخيارات فى إدخال بعض عناصر طالبان فى صفقة اقتسام السلطة. وهذا هو السبب فى دعم الولاياتالمتحدة لمساعى كرزاى فى المصالحة، بل ورعايتها. ويشير تقرير صدر أخيرا، إلى توفير حلف الناتو ممرا آمنا لقادة طالبان من أجل تيسير المفاوضات مع حكومة كرزاى. وينفى خبراء آخرون أى حديث عن انسحاب واضح للقوات الأمريكية. وفقا لهذا التحليل، فلدى الولاياتالمتحدة مصالح إستراتيجية تتجاوز أفغانستان، فهى تسعى إلى زيادة نفوذها فى وسط آسيا، وطبقا لذلك، سوف يستمر وجودها العسكرى فى أفغانستان. وطبقا لذلك فربما ما يعنيه الانسحاب هنا هو تخفيض كبير فى أعداد القوات مع استمرار الوجود العسكرى غير المقاتل فى أفغانستان. النقطة المهمة هى أنه لا يمكن للولايات المتحدة الاستمرار فى تكبد خسائر كبيرة فى الأرواح والأموال لفترة غير محددة. إذ أنفقت بالفعل تريليون دولار فى أفغانستان وتكبدت أكثر من 1300 قتيل. وبالتأكيد، سوف ترغب الولاياتالمتحدة فى إضعاف شوكة طالبان، عسى أن يقلل ذلك من التزاماتها تجاه أفغانستان. وانعكس هذا فى زيادة شراسة العمليات العسكرية داخل أفغانستان، وفى الشهور المقبلة سوف يرتفع مستوى العنف هناك. ولكن هل ستهزم طالبان عسكريّا؟ هذا غير مرجح. وربما كان أهم تطور فى الشهور الأخيرة الماضية، هو ظهور الجيش الباكستانى باعتباره مفتاحا للوضع المتطور فى أفغانستان. وتعتمد مساعى كرزاى للمصالحة والعمليات العسكرية الأمريكية على نجاح باكستان. إذ اتضح ثقل الجيش الباكستانى بصورة حاسمة عندما «عاقب» الباكستانيون أمريكا وحلف الناتو بسبب هجوم طائرات الهليكوبتر الحربية الذى وقع على مسافة تبعد 200 متر داخل حدود الأراضى الباكستانية، حيث قُتِل بعض الجنود الباكستانيين. وردّت باكستان بمنع مرور 6500 شاحنة تابعة للناتو تحمل الإمدادات إلى أفغانستان. ورغم استئناف الإمدادات بعد ذلك بسبب اعتذار أمريكا وحلف الناتو، فإن الواقعة أوضحت التوتر الكامن فى العلاقات الأمريكية-الباكستانية. إن باكستان تلعب لعبة مزدوجة فى أفغانستان. فهى تأخذ مليارات الدولارات من أمريكا باسم مساعدة الحرب الأمريكية ضد طالبان والقاعدة وفى نفس الوقت تدعم فرق من طالبان وتوفر لهم الملاجئ فى أراضيها. وهى تعارض بشدة من يميلون من طالبان إلى التفاوض بشكل مستقل مع حكومة كرزاى. فى نوفمبر، سوف يعقد حلف الناتو قمته التى سوف يناقش فيها مفهومه الاستراتيجى الجديد. ويأمل الناتو أن تبدأ قيادة الجيش الأفغانى للمهمات العسكرية فى أفغانستان اعتبارا من 2011، فالحرب الأفغانية لا تحظى بالقبول فى عديد من بلدان الناتو التى توفر القوات العسكرية اللازمة لمهمة الحلف فى أفغانستان. أما اللاعبون الأساسيون فى أفغانستان فهم الولاياتالمتحدةوباكستان وطالبان. الولاياتالمتحدة تنظر فى إستراتيجية قصيرة المدى، والطرف الأساسى من طالبان يراقب الوضع باهتمام بعد رفضه لعرض السلام الأخير، وباكستان تنتظر وجود فرصة سانحة للتأثير على التطورات فى أفغانستان. هذا فى حين أن حكومة كرزاى مقيدة بعوامل متعددة وغير قادرة على التصرف بشكل حاسم. سوف يتأثر السلام والاستقرار سلبا إذا سُمِح لباكستان بأن يكون لها رأى مؤثر فى التسوية الأفغانية. ولا يمكن تجاهل مصالح المقاطعات الأخرى فى استقرار أفغانستان. حيث إن لها مصالح فى أن تصبح أفغانستان مستقرة. فالطاجيك والأوزبك والهزارة وغيرهم من الأقليات العرقية فى أفغانستان، التى عانت على يد طالبان، لديها مصلحة فى التسوية. ومن المرجح أن تدعم باكستان مصالح وكلائها فى التسوية الأفغانية المستقبلية، وسوف يزعزع هذا استقرار المنطقة، وقد تكون باكستان نفسها متورطة فى شئون أفغانستان، الأمر الذى قد يزعزع استقرارها هى. للهند مصالح حقيقية فى استقرار أفغانستان. وقد اختارت أن تكون شريكا مهما فى مساعى المصالحة بالالتزام بإنفاق ما يقرب من 1.5 مليار دولار فى المساعدة الاقتصادية وإعادة الإعمار. لكن نفوذها السياسى متواضع بسبب المعادلة الباكستانيةالأمريكية فى البلاد. ويرجح أن يبقى الحال ما هو عليه فى المستقبل القريب، نظرا لاعتماد الولاياتالمتحدة المفرط على باكستان. يجب أن تبقى الهند مشاركة، مع التوارى عن الأنظار واكتساب حسن ظن الشعب الأفغانى من خلال برامجها للمساعدة متعددة الوجوه. وينبغى أن تنأى بنفسها، مستفيدة من الخبرات الأمريكية والسوفييتية، عن أية مغامرات مكلفة غير محسوبة. وعليها كذلك الاستمرار فى توضيح خيارات الحل الإقليمى حتى وإن بدت تلك الخيارات صعبة فى الوقت الحالى. ويجب أن تكون للهند صلات مع كل المجموعات العرقية فى أفغانستان، خاصة مع البشتون. وتعارض الهند بصورة عامة إجراء محادثات مع طالبان على أساس أنه ليس هناك فرق بين طالبان «الطيبة» وطالبان «الشريرة». لكن عليها قبول أن الاتجاه الحالى هو نحو المشاركة والمصالحة. ومن ثم، فإن على الهند مراقبة نتيجة المساعى الحالية للمجلس الأعلى للسلام ومعايرة سياساتها بناء على ذلك.