أوباما وكرزاى خلال زيارته الأخيرة لأفغانستان كرزاي اتهم الأممالمتحدة ورؤساء دول التحالف الدولي بأنهم يسعون إلي إعفائه من منصبه كرئيس للبلاد وتزوير نتائج الانتخابات الأفغانية التي جرت في عام 2009 والتآمر لإضعاف الحكومة الأفغانية، مشيراً إلي مكتب مساعد ممثل الأممالمتحدة بيتر جالبرايث وموريون الجنرال الفرنسي الذي كان يقود لجنة مراقبي الأممالمتحدة في الاقتراع. وقال الرئيس الأفغاني إن هذه الدول تريد الرئيس مجرد صورة دمية يمكن السيطرة عليها وتحريكها حسب أهوائهم وأن يكون البرلمان أيضاً ضعيفاً. محاربة الفساد فلم يتحمل كرزاي، الضغوط التي تمارسها عليه الولاياتالمتحدة وحلف الناتو المشاركة في حرب أفغانستان، وتحميله كل الإخفاقات في إقناع الشعب الأفغاني بضرورة وجود القوات الأجنبية علي أرضه، وأن الخطر علي حرية واستقلال أفغانستان لا يأتي من القوات الأجنبية وإنما من حركة طالبان. فمنذ تولي الرئيس الأمريكي باراك أوباما السلطة يخضع كرزاي إلي ضغط متزايد من قوات التحالف التي تدعوه لمزيد من مكافحة الفساد قبل الانتخابات المقبلة في سبتمبر القادم. فإن أوباما يضغط عليه من أجل التصدي للفساد المستشري في حكومته، متهما الرئيس الأفغاني بأنه لم يحقق أي تقدم علي هذه الجبهة منذ تنصيبه رئيساً قبل عدة أشهر. وأن الحكومة الأفغانية لا تعرف ما يجري في أفغانستان، وهو ما رد عليه الرئيس الأفغاني باستقبال نظيره الإيراني محمود أحمدي نجاد في كابول قبل أن يزور طهران فيما اعتبرته الإدارة الأمريكية تحدياً لها وأن مصالح البلدين لم تعد وجهين لعملة واحدة كما كان في السابق. مما دفع أوباما لوضع الرئيس الأفغاني أمام خيارين أثناء زيارته المفاجئة إلي أفغانستان مؤخراً، إما بدء مكافحة الفساد والمخدرات أو فقدان الدعم الأمريكي له. واعتبره المراقبون بمثابة انتقاد مباشر للرئيس الأفغاني، الذي يواجه شقيقه أحمد والي كرزاي أكثر شخصية نافذة في إقليم قندهار اتهامات بالفساد والاتجار في المخدرات. ورد كرزاي غاضباً بأن تدهور الوضع في بلاده يعود لما سماه بالتدخل الغربي في تسيير أمور حكومته. مضيفاً أنه من الممكن أن تؤدي الأعمال العسكرية التي يقوم بها الحلفاء إلي إعطاء حركة طالبان مشروعيتها كقوة للمقاومة الوطنية الشرعية، مما دفع كرزاي للتهديد بالانضمام إلي حركة طالبان إذا لم يتوقف هذا التدخل. الانضمام لطالبان وذكر تقرير نشرته صحيفة التايمز البريطانية أن تصريحات كرزاي أثارت حالة من التوتر والقلق في البيت الأبيض وقادة حلف الناتو عندما قال في رد علي اتهامه بالعجز في محاربة الفساد وتحريض الشعب الأفغاني ضد القوات الأجنبية، "بأنه سيكون مجبراً علي الالتحاق بطالبان – التي سماها ولأول مرة– بحركة المقاومة". ويري الرئيس أوباما أن هذه التصريحات تعد تهديداً واضحاً لخطته الاستراتيجية في أفغانستان. ولكنه سيمضي في العمل والتعاون مع أفراد حكومة كرزاي الذين يتمتعون بثقة واشنطن ومنهم وزير الدفاع الأفغاني عبد الرحيم وارداك ووزير الداخلية محمد حنيف أتمار. كما أنهم ربما ينوون تجاوز كرزاي والتعامل مباشرة مع الحكام والمحافظين في الضواحي والمناطق الريفية. ويصف بعض المحللين السياسيين أن تصريحات كرزاي تنجم عن حسابات سياسية علي ضوء تطور الوضع حيث إن حركة طالبان تزداد حدة وتمتد إلي كافة أنحاء البلاد تقريباً. وكما غضب كرزاي من البرلمان الأفغاني بعد أن رفض القانون الانتخابي الجديد الذي اقترحه والذي يتضمن منح صلاحيات أوسع لرئيس الدولة بما فيها الحق في تعيين لجنة الشكاوي والطعون. وكانت هناك محاولة منه باءت بالفشل بعد أن ألغي المجلس قرار كرزاي بإقالة أشخاص عينتهم الأممالمتحدة يمثلون أغلبية في لجنة شكاوي الانتخابات بعدما وصفت اللجنة ثلث الأصوات التي حصل عليها في انتخابات الرئاسة بأنها مزورة. واتهم أطراف في البرلمان بالعمل لحساب جهات أجنبية. وتزامنا مع تصريحاته، التقي مؤخرا 1500 شخصية من زعماء القبائل في ولاية قندهار لإقناعهم بدعم الهجوم العسكري لحلف الناتو والقوات الأفغانية المرتقب ضد معاقل حركة طالبان في الولاية. ووعد كرزاي بأنه علي استعداد لوقف ذلك الهجوم إذا لم يحظ بدعم سكان الولاية. وعلقت بعض الصحف الغربية علي هذه التصريحات قائلة بأن كرزاي وقوات الاحتلال الامريكي باتا مقتنعين بأنه من غير الممكن تحقيق الانتصار علي حركة طالبان إذا لم يتم عزلها عن تأييد الناس وتقديم المساعدات لها، والحقيقة، كما صرح أحد المسؤولين الغربيين بأن الشعب يؤيد طالبان ليس حبا بها وإنما كرها بالقوات الاجنبية الغازية التي حولت افغانستان الي جحيم لا يطاق. عزل كرزاي ويري السفير الأمريكي كارل ايكنبري أن كرزاي ليس شريكاً استراتيجياً ملائماً وأوصي بعدم ارسال تعزيزات للقوات ما لم ينفذ كرزاي إصلاحات. وتشير معلومات إلي أن جيلبرايت ناقش مع ممثلي دول الحلفاء خطة لعزل كرزاي من موقعه كرئيس للبلاد بمنع مشاركته في الانتخابات البرلمانية القادمة المقررة في سبتمبر القادم. أما بالنسبة للشخص المقترح، فإن أمريكا ستحاول إيجاد شخص يكون مقبولاً عند الشعب الأفغاني أكثر من كرزاي الذي ثبت للجميع أنه مجرد دمية أمريكية مبتذلة. وشعبية أي رئيس لأفغانستان تحتم كونه منحدراً من أصول باشتونية لأنها تمثل أكثرية الأفغان، ومن هنا تستبعد أمريكا شخصيات مهمة وشعبية تنحدر من أقليات الأوزبك أو الطاجيك أو الهزارا. مما يفتح المجال أمام ترشيحات معارضة مثل الدكتور عبد الله عبد الله منافسه السابق المشهور بداكتر صاحب عند جميع الأفغان. ولد عبد الله عبد الله في 5 من سبتمبر عام 1960 في العاصمة الأفغانية كابل في أسرة مسلمة تتكون من أب بشتوني ينحدر من مدينة قندهار عاصمة الجنوب الأفغاني والقبيلة البشتونية هي أكبر قبيلة أفغانية تقطن في مناطق الجنوب والشرق الأفغاني. أما أمه فلها جذور طاجيكية من ولاية بانشير ثاني أكبر عرقية تتشكل منها أفغانستان وتسكن غالبيتها في محافظات الشمال الأفغاني المحاذية لجمهوريات الاتحاد السوفييتي السابق. مما أثار مخاوف الرئيس الأفغاني وقرر عدم استمراره معاداة الغرب. وقد تدهورت علاقة الرئيس الأفغاني منذ البداية بإدارة أوباما، مما أرجعه المحللون السياسيون في صحيفة نيويورك تايمز إلي سياسة الحزب الديمقراطي تجاه أفغانستان، فكانت مختلفة اختلافاً جذرياً عن سياسة إدارة بوش السابقة، وقبل وصول أوباما إلي الحكم، فجوزيف بايدن نائب الرئيس الأمريكي الحالي كان أبرز وجوه الحزب الديمقراطي اهتماماً بأفغانستان وانتقاداً لسياسة إدارة بوش فيها. وقالت الصحيفة ذاتها إن الأحوال تبدلت بالنسبة لكرزاي وبالنسبة لأفغانستان حيث أصبح كرزاي يري في نفسه أنه غير مرغوب فيه لا من جانب واشنطن ولا من جانب شعبه" ومضت الصحيفة قائلة إن أوباما وصف كرزاي بأنه غير جدير بالثقة. وعليه فإنه من الواضح أن إدارة أوباما الحالية تضع أفغانستان علي رأس سلم أولوياتها في سياساتها الخارجية، فهي تريد تغييراً جوهرياً في أفغانستان، خاصة أن أوباما كان يركز في حملاته الانتخابية علي إحداث التغيير فيها، ويدرك كرزاي هذه الحقيقة، ويعلم أيضاً أنه لا يستطيع كعميل أمريكي الاستعانة بأي دولة أخري كروسيا أو الصين للاحتفاظ بكرسي الحكم، فهو لا يسيطر علي أي مدينة في أفغانستان، وأن وجوده في الحكم مرهون بحماية القوات الأمريكية له. تراجع موقفه وسرعان ما تراجع كرزاي عن تصريحاته عقب دعوة الولاياتالمتحدة له بالانضباط. وعلي أثرها قدم اعتذاراً إلي البيت الأبيض موضحاً تمسكه بعلاقته مع دول الغرب، مجدداً التزامه بالشراكة التي تربط أفغانستانوالولاياتالمتحدة. وهكذا لم يصمد كرزاي أمام الضغوط فتراجع عن اتهاماته.. والغرب بدوره خفف انتقاداته العلنية لكرزاي. ويبدو أنه من الصعب التأكيد علي أن المياه عادت إلي مجراها الطبيعي في علاقات كرزاي مع الغرب، ولاسيما أن تزايد الفشل العسكري في تحقيق الأهداف والقضاء علي طالبان والمقاومة مازالا يربكان كرزاي وقوات التحالف علي حد سواء.