«مستقبل وطن».. أمانة الشباب تناقش الملفات التنظيمية والحزبية مع قيادات المحافظات    تفاصيل حفل توزيع جوائز "صور القاهرة التي التقطها المصورون الأتراك" في السفارة التركية بالقاهرة    200 يوم.. قرار عاجل من التعليم لصرف مكافأة امتحانات صفوف النقل والشهادة الإعدادية 2025 (مستند)    سعر الذهب اليوم الإثنين 28 أبريل محليا وعالميا.. عيار 21 الآن بعد الانخفاض الأخير    فيتنام: زيارة رئيس الوزراء الياباني تفتح مرحلة جديدة في الشراكة الشاملة بين البلدين    محافظ الدقهلية في جولة ليلية:يتفقد مساكن الجلاء ويؤكد على الانتهاء من تشغيل المصاعد وتوصيل الغاز ومستوى النظافة    شارك صحافة من وإلى المواطن    رسميا بعد التحرك الجديد.. سعر الدولار اليوم مقابل الجنيه المصري اليوم الإثنين 28 أبريل 2025    لن نكشف تفاصيل ما فعلناه أو ما سنفعله، الجيش الأمريكي: ضرب 800 هدف حوثي منذ بدء العملية العسكرية    الإمارت ترحب بتوقيع إعلان المبادئ بين الكونغو الديمقراطية ورواندا    استشهاد 14 فلسطينيًا جراء قصف الاحتلال مقهى ومنزلًا وسط وجنوب قطاع غزة    رئيس الشاباك: إفادة نتنياهو المليئة بالمغالطات هدفها إخراج الأمور عن سياقها وتغيير الواقع    'الفجر' تنعى والد الزميلة يارا أحمد    خدم المدينة أكثر من الحكومة، مطالب بتدشين تمثال لمحمد صلاح في ليفربول    في أقل من 15 يومًا | "المتحدة للرياضة" تنجح في تنظيم افتتاح مبهر لبطولة أمم إفريقيا    وزير الرياضة وأبو ريدة يهنئان المنتخب الوطني تحت 20 عامًا بالفوز على جنوب أفريقيا    مواعيد أهم مباريات اليوم الإثنين 28- 4- 2025 في جميع البطولات والقنوات الناقلة    جوميز يرد على أنباء مفاوضات الأهلي: تركيزي بالكامل مع الفتح السعودي    «بدون إذن كولر».. إعلامي يكشف مفاجأة بشأن مشاركة أفشة أمام صن داونز    مأساة في كفر الشيخ| مريض نفسي يطعن والدته حتى الموت    اليوم| استكمال محاكمة نقيب المعلمين بتهمة تقاضي رشوة    بالصور| السيطرة على حريق مخلفات وحشائش بمحطة السكة الحديد بطنطا    بالصور.. السفير التركي يكرم الفائز بأجمل صورة لمعالم القاهرة بحضور 100 مصور تركي    بعد بلال سرور.. تامر حسين يعلن استقالته من جمعية المؤلفين والملحنين المصرية    حالة من الحساسية الزائدة والقلق.. حظ برج القوس اليوم 28 أبريل    امنح نفسك فرصة.. نصائح وحظ برج الدلو اليوم 28 أبريل    أول ظهور لبطل فيلم «الساحر» بعد اعتزاله منذ 2003.. تغير شكله تماما    حقيقة انتشار الجدري المائي بين تلاميذ المدارس.. مستشار الرئيس للصحة يكشف (فيديو)    نيابة أمن الدولة تخلي سبيل أحمد طنطاوي في قضيتي تحريض على التظاهر والإرهاب    إحالة أوراق متهم بقتل تاجر مسن بالشرقية إلى المفتي    إنقاذ طفلة من الغرق في مجرى مائي بالفيوم    إنفوجراف| أرقام استثنائية تزين مسيرة صلاح بعد لقب البريميرليج الثاني في ليفربول    رياضة ½ الليل| فوز فرعوني.. صلاح بطل.. صفقة للأهلي.. أزمة جديدة.. مرموش بالنهائي    دمار وهلع ونزوح كثيف ..قصف صهيونى عنيف على الضاحية الجنوبية لبيروت    نتنياهو يواصل عدوانه على غزة: إقامة دولة فلسطينية هي فكرة "عبثية"    أهم أخبار العالم والعرب حتى منتصف الليل.. غارات أمريكية تستهدف مديرية بصنعاء وأخرى بعمران.. استشهاد 9 فلسطينيين في قصف للاحتلال على خان يونس ومدينة غزة.. نتنياهو: 7 أكتوبر أعظم فشل استخباراتى فى تاريخ إسرائيل    29 مايو، موعد عرض فيلم ريستارت بجميع دور العرض داخل مصر وخارجها    الملحن مدين يشارك ليلى أحمد زاهر وهشام جمال فرحتهما بحفل زفافهما    خبير لإكسترا نيوز: صندوق النقد الدولى خفّض توقعاته لنمو الاقتصاد الأمريكى    «عبث فكري يهدد العقول».. سعاد صالح ترد على سعد الدين الهلالي بسبب المواريث (فيديو)    اليوم| جنايات الزقازيق تستكمل محاكمة المتهم بقتل شقيقه ونجليه بالشرقية    نائب «القومي للمرأة» تستعرض المحاور الاستراتيجية لتمكين المرأة المصرية 2023    محافظ القليوبية يبحث مع رئيس شركة جنوب الدلتا للكهرباء دعم وتطوير البنية التحتية    خطوات استخراج رقم جلوس الثانوية العامة 2025 من مواقع الوزارة بالتفصيل    البترول: 3 فئات لتكلفة توصيل الغاز الطبيعي للمنازل.. وإحداها تُدفَع كاملة    نجاح فريق طبي في استئصال طحال متضخم يزن 2 كجم من مريضة بمستشفى أسيوط العام    حقوق عين شمس تستضيف مؤتمر "صياغة العقود وآثارها على التحكيم" مايو المقبل    "بيت الزكاة والصدقات": وصول حملة دعم حفظة القرآن الكريم للقرى الأكثر احتياجًا بأسوان    علي جمعة: تعظيم النبي صلى الله عليه وسلم أمرٌ إلهي.. وما عظّمنا محمدًا إلا بأمر من الله    تكريم وقسم وكلمة الخريجين.. «طب بنها» تحتفل بتخريج الدفعة السابعة والثلاثين (صور)    صحة الدقهلية تناقش بروتوكول التحويل للحالات الطارئة بين مستشفيات المحافظة    الإفتاء تحسم الجدل حول مسألة سفر المرأة للحج بدون محرم    ماذا يحدث للجسم عند تناول تفاحة خضراء يوميًا؟    هيئة كبار العلماء السعودية: من حج بدون تصريح «آثم»    كارثة صحية أم توفير.. معايير إعادة استخدام زيت الطهي    سعر الحديد اليوم الأحد 27 -4-2025.. الطن ب40 ألف جنيه    خلال جلسة اليوم .. المحكمة التأديبية تقرر وقف طبيبة كفر الدوار عن العمل 6 أشهر وخصم نصف المرتب    البابا تواضروس يصلي قداس «أحد توما» في كنيسة أبو سيفين ببولندا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أفغانستان بعد ثمان سنوات من الاحتلال الأمريكي
نشر في المصريون يوم 30 - 12 - 2009

عددٌ قليل من المارينز والقوات الخاصة وعناصر من سي آي أيه أطاحت بنظام طالبان تحت غارات جوية مكثفة خلال شهرين وذلك قبل ثمان سنوات, في حين لم تجفَّ دماء مليون ونصف من الشهداء الذين قدموا أرواحهم في المقاومة ضد المحتل الشيوعي.
جاءت أحداث 11 سبتمبر لتكون مبررًا للاجتياح الأمريكي لأفغانستان, تعلن عن أهداف قمع القاعدة, والإطاحة بنظام طالبان المتشدد والدفاع عن الحقوق المزعومة لديها في أفغانستان, بالإضافة إلى شعارات برَّاقة, من إعادة إعمار أفغانستان وتحسّن الوضع المعيشي للشعب الأفغاني الذي كان يأنّ تحت وطأة الحروب المتتالية منذ عقود, وتحكيم الديمقراطية في البلد.
وأما الأهداف الأمريكية غير المعلَنة فكانت تكمن في السيطرة على ذخائر النفط في آسيا الوسطى والرقابة عن كثب على الدول التي تملك السلاح النووي في جنوب آسيا بالإضافة إلى وضع حدٍّ لتنامي الصحوة الإسلامية والحركة الإسلامية التي قادت الجهاد المبارك ضد الغزو الروسي الغاشم.
وفي عام 2003 استلمت الناتو قيادة القوات التي يسمونها (الحافظة للصلح في أفغانستان) والتي كانت تحتل البلد, فبدأت بؤرة الحرب تستعرُ بين الحضارة المسيحية المتمثِّلة في القيادة الأمريكية والدول الأوروبية من جانب, وبين الحضارة الإسلامية على أرض أفغانستان التي انتُدب لها الشعب الأفغاني المنكوب، فالهجوم الأمريكي على أفغانستان لم يقتصرْ على الصعيد العسكري, بل كان هجومًا واسعًا يشمل الأبعاد السياسية, والاقتصادية والثقافية, والتي تعد أخطر من مثيلها العسكري.
مكاسب أمريكية في السنوات الثمانية
لم تحقق أمريكا أحدًا من الأهداف المعلنة, سواء العسكرية والمدنية, خلال السنوات المنصرمة, من قمع القاعدة واحتواء المقاومة المسلحة وقتل أو أسر بعض رموز المقاومة أمثال أسامة بن لادن والملا عمر وحكمتيار والظواهري، وأخفقت في رفع كفاءة الإدارة الأفغانية في مختلَف المجالات وفي تحسين الوضع المعيشي وتعميم القِيم التي نادت بها من الديمقراطية والدفاع عن الحقوق العامة وغيرها، في حين أن الشعب الأفغاني قدم 80 ألفًا من الشهداء, وتكبدت أمريكا خسائر فادحة بشرية ومادية, فاقت ما ذاقته في العراق، وهذا ما أدى إلى التأخير الملموس في إعلان الاستراتيجية الأخيرة.
استراتيجية أوباما وأبعادها المستقبلية
أعلن أوباما استراتيجيته بعد مجالس وراء الكواليس وندوات ورحلات, تشتمل على إرسال قوات إضافية إلى المشهد العسكري, إلى جانب التركيز على تدريب وتجهيز الجيش الأفغاني وبدء الانسحاب خلال ثمانية عشر شهرًا.
ولعل الجديد في هذه الاستراتيجية هو الإعلان عن الانسحاب الذي لا زال يشوبه الغموض في مختلف الأبعاد, ويمكن استخدامه كأوراق متعددة الأغراض, لا سيما تجاه الشعب الأمريكي الذي بدأ يعبر عن كراهيته للحرب لتطمئنهم بنهايتها, وتجاه الحكومة الأفغانية لتضغط عليها في التعامل مع الوضع السائد والفساد المستشري في بدنة النظام, وتجاه شركاء أمريكا في الحرب بوضع هدف زمني واضح.
إلا أنه من الواضح أن أوباما أعلن عن جدولة للانسحاب, لتفادي المخاطر التي تواجهها أمريكا عندما تجبَر على الانسحاب عبر مقاومة مسلحة أو على طاولة المفاوضات, ولتكون رسالة ذات مغزًى للمقاومة للاستعداد للحضور على طاولة المفاوضات التي تضمن مصالح أمريكا في المنطقة ولإنعاش شركاء واشنطن في حلف الناتو الذي يعاني من الضغط المتصاعد يوميًّا من شعوبه في عدم جدوى الحرب الدائرة في أفغانستان.
وتتمحور استراتيجية أوباما في المحاور الآتية:
1- المحور العسكري , وذلك بإرسال 30 ألفًا من الجنود بالإضافة إلى 10 آلاف من قوات حلف الناتو, تقوم بما أمكنها من كسب الحرب لا سيَّما في جنوب أفغانستان وتدريب الجيش والشرطة الأفغانيين, تمهيدًا لنقل المهام الحربية والأمنية إليهما بما يسمونها (أفغنة الحرب), واتساع رقعة الحرب إلى باكستان لتضغط على مأوى القاعدة وطالبان.
2- مكافحة الفساد وإيجاد إدارة فعَّالة, تقوم بحمل أعباء تعمير أفغانستان وتحسُّن الوضع المعيشي للمواطن الأفغاني مع التركيز على كسب ثقة المواطن عبر مكاسب ملموسة، وذلك من خلال الرقابة على المساعدات الدولية والتعاون بين المؤسسات الدولية، وتضمن المصالح الأمريكية غير المعلنة وتحافظ عليها.
3- كسب ثقة جيران أفغانستان والقوى الإقليمية التي تراقب الوجود العسكري الأمريكي في المنطقة, وذلك بإشراكهم في الحلّ الإقليمي للأزمة الأفغانية في إطار تحقيق أهداف واشنطن في المنطقة، بالإضافة إلى كسب ثقة الشعب الأفغاني عبر آليات رسمتها الاستراتيجية الجديدة.
جبهة المقاومة في أفغانستان
قضت المقاومة في أفغانستان مراحل إلى أن وصلت إلى المرحلة التي لا يمكن التغاضي عنها لا في المجال العسكري ولا في المجال السياسي، ولا تزال تأخذ طابعًا شعبيًّا, لا سيما بعدما ازداد عدد الضحايا المدنيين بسبب الاستخدام المفرِط للسلاح الجوي.
تشهدُ صفوف المقاومة تطورًا جغرافيًّا وعدديًّا, بالإضافة إلى تطور تقني في أساليب المقاومة واستعمال الأسلحة التي تكابد المحتل بخسائر في الجنود والعتاد بشكل متنامٍ يوميًّا.
ويمكننا أن نقسم هذه السنوات الثمانية نوعيًّا وتاريخيًّا إلى ثلاث مراحل:
1- فترة التهدئة: وذلك من أواخر 2001 إلى صيف 2003.
2- بدء المقاومة وحضورها على المشهد العسكري، وذلك من 2003 إلى 2006.
3- تصعيد المقاومة عسكريا باتساع خريطتها لتشمل الجنوب والجنوب الشرقي والجنوب الغربي ومناطق من الشمال والغرب, وظهورها على المسرح السياسي وذلك في السنوات الثلاث الأخيرة.
وتتكون هذه المقاومة بشكل أساسي من ثلاث مجموعات:
1- طالبان:
بدأت مقاومة طالبان للاحتلال الأمريكي من مجموعات صغيرة تشنّ هجمات عشوائية غير منسقة، إلى أن أصبحت قوة تطرد القوات الأفغانية والأجنبية المدججين بالسلاح البري والجوي, وتخترق أعماق المراكز الأمنية في البلد حاليًا، ومن الصعب التخمين بعدد أفراد طالبان إلا أنه من الواضح أنها تشكل أساس الكيان للمقاومة بما يمكن تقديرها بحوالي 70 إلى 80%.
تتمتع حركة طالبان بدعم من دول الجوار الشرقية والغربية, وبدعم مالي من الشعوب المسلمة في مختلف أنحاء العالم, الأمر الذي حاولت أمريكا من بداية حربها على أفغانستان أن تجفف تلك الينابيع المالية التي تمد المقاومة الإسلامية عبر العالم, إلا أنها أخفقت في تحقيق هذا الهدف, مما يَشي بأنها أحدثت صعوبات في هذا المجال.
وحركة طالبان بما يسودها من فوضوية فكرية من الداخل إلا أنها تجتمع على شخصية الملا عمر الأسطوري, وكانت في البداية تعاني من مشاكل اقتصادية ولوجستية وعسكرية, إلا أنه تحسن وضعها بتصعيد العمليات وتشديد جبهة المقاومة, وحصلت على دعم شعبي وعالمي سريّ.
2- مجموعة حقاني:
بما أن هذه المجموعة تبايع الملا عمر في الظاهر, إلا أنها تفارق حركة طالبان بنوعية العمليات التي تنظمها في داخل أفغانستان, ولعلها من أحكم المجموعات تنظيميًّا وأدقها في تخطيط العمليات التي تقوم بتنفيذها, وهي المجموعة التي تقوم بإجراء عمليات نوعية في المدن الكبرى وفي معاقل القوات الأجنبية والجيش الأفغاني, إلا أنها من الناحية الفكرية متأثرة إلى حد كبير بتفكير القاعدة التي تعتقد بتكفير كل من يعمل في الحكومة الأفغانية، ومن الممكن أن تبقى هذه المجموعة إلى جانب القاعدة بعد انتهاء الاحتلال الأمريكي أو تخلي طالبان عن القاعدة لتفادي المشاكل التي تتحملها من عداء العالم بأسرِه.
3- الحزب الإسلامي بقيادة حكمتيار:
الحزب الإسلامي التابع لحكمتيار كان من أوائل مَن رفع علم الجهاد ضد المحتل بعدما رجعَ من إيران عند الحضور الأمريكي في أفغانستان, إلا أنه لا زال يعاني من عدم قبول طالبان لحضور الحزب على المشهد العسكري والسياسي بشكل مستقل, ومن التفكك الذي حدث للحزب إثر الحروب الداخلية التي كان الحزب الإسلامي الطرف فيها وإثر ما وجد من أفكار متشددة داخل صفوف الشباب نتيجة تأثير القاعدة عليه, ولعل ما أدلى به حكمتيار من التصريحات في هذه الآونة الأخيرة حول موقف القاعدة أو طالبان من القضية الأفغانية, خير شاهد من هذه المعاناة.
وهناك مجموعةٌ كبيرة من الجيل -الذي قاد الجهاد ضد المحتل الشيوعي- تابعة للحزب الإسلامي, كونت حزبًا سياسيًّا في أفغانستان, يزاول النشاط السياسي في ظل حكومة كرزاي, مما زاد من ضبابية موقف الحزب لدى الجيل الناشئ.
مستقبل المقاومة في أفغانستان
هناك دلالات واضحة تشير إلى نهاية الصلف الأمريكي وانهيار الإمبراطورية الأمريكية والتي يصرِّح بها مستشارو البيت الأبيض قبل الآخرين، وساهم في تأزيم الوضع الأفغاني وتعقيدِه أسباب عديدة إلى أن أجبرت أوباما إلى اتخاذ استراتيجية جديدة بعد دراسات ومشاورات، وحسب تعبير أحد الكتَّاب فإن أفغانستان دخلها المحتل دائمًا من غير استراتيجية واضحة, إلا أنه خرج منها باستراتيجية.
إن تدهور الأوضاع الأمنية, والاقتصادية والأخلاقية كشف النقاب عن الوعود الكاذبة التي تنادت بها أمريكا وحلفاؤها الغربيون، وعلم الشعب الأفغاني أن بلاده تفتقد الأمن والاستقلال في ظلّ الوجود الأجنبي, وشاهد تصاعد الهمجية والوحشية التي ترتكبها القوات الغازية ضد الشعب الأعزل، مما أدى إلى فقدان الثقة لدى الشعب، والتي لا يمكن إعادتها مهما حاول المحتل.
والدوافع التي أدت إلى إشعال فتيلة المقاومة لا تزال في تصاعد مستمر, من تشديد الكراهية ضد الغرب المسيحي, وقتل الأبرياء واستمرار الهمجية, بالإضافة إلى وجود إدارة فاسدة تعطلت معها مصالح الشعب بأسره.
إلا أنه من المؤسف فإن جبهة المقاومة أيضًا تُعاني من عدة مخاطر تزداد ظهورًا يومًا بعد يوم, وذلك بوجود الاختلاف بين فئات المقاومة وعدم وجود برنامج واضح لإدارة البلد الذي يبتعد عن تكرار الأخطاء السابقة ويلمّ شعث الشعب الذي يعاني من مرض العصبيات التي أهدتها الديمقراطية الغربية للشعب الأفغاني, ويقوم بواجب الدولة الإسلامية تجاه شعبه, من سياسة الدين والدنيا، وتحتفظ بمصالح الشعب بتوازن, لا تثير حفيظة الجيران والقوى الإقليمية, وتقطع أيادٍ أجنبية, تعمل لصالحها في أفغانستان الجريحة.
والغالب أن أفغانستان بعد انسحاب المحتل, ستدخل مرحلةً جديدة من الفوضى والحروب الأهلية التي يديرها الجيران لتضمن مصالحها التي لا يمكن الحصول عليها كليًّا، وذلك في ظلّ الصمت السياسي من الجهات الأفغانية التي تدرك خطورة الموقف ويمكنها القيام بطرح مشروع سياسي, يجمع أطراف المقاومة ويضغط سياسيًّا واجتماعيًّا على المحتل.
طرح جمعية الإصلاح لحل قضية أفغانستان
إن مُعضلة أفغانستان ذات أبعاد مختلفة وتحتاج إلى برنامج إصلاحي متكامل، يتم عن طريقه إعادة أفغانستان إلى مصافّ الدول المستقرة والمتقدمة، إلا أن ذلك البرنامج يحتاج أولًا وقبل كل شيء أن تستقر الأوضاع في أفغانستان، فإن ذلك ضرورةُ الشعب الأفغاني كما أنه ضرورة العالم بأكمله، فإن التجربة الماضية أثبتت أن إهمال أفغانستان يتضرَّر به العالم كله، سواء في ذلك دول المنطقة وباقي دول العالم الإسلامي، والدول الأوروبية وأمريكا، ومن هنا يجب الاهتمام بأفغانستان؛ وذلك لأن الاستقرار في أفغانستان يكون سببًا لاستقرار المنطقة كلها والعالم بأكمله، والاضطرابات ستجلِب عدم الاستقرار للعالم كله.
كيف يمكن تحقيق هذا الهدف؟
عند التفكير في البحث عن الحل لمعضلة أفغانستان الحالية يجب أن تؤخذ بعين الاعتبار الأمور المهمة التالية:
- يجب أن تقتنع جميع الأطراف الدخيلة في المشكلة بأن استخدام القوة العسكرية الأجنبية، واحتلال البلد ليس حلًّا لمشكلة أفغانستان، ولن يتمكن أحد أن يعيد الاستقرار لأفغانستان عن طريق استخدام القوة العسكرية وإن كان بصورة فجَّة، ولن تتمكن القوة العسكرية الأجنبية أن تخضع أفغانستان لسيطرتها وتسلطها عن طريق استخدام القوة العسكرية، والتاريخ خيرُ شاهدٍ على ذلك.
- أن تقتنع الدول المجاورة والقوى العالمية والقوى الإقليمية أن لا تجعل أفغانستان ميدانًا لتصفية الحسابات بينها، وأن يقتنع الجميع أن تبقى أفغانستان (بعد انسحاب القوات الأجنبية منها) دولة مستقلة، وتكون لها علاقات وديَّة مبنيَّة على التساوي والاحترام المتبادل ورعاية المصالح المشتركة بين الجيران وجميع دول العالم.
- أن تحافظ أفغانستان على حيادها وعدم انحيازها لدولة على حساب أخرى، وأن تقبل جيرانها منها ذلك.
- يجب أن تقتنع الأطراف الأفغانية بأن أفغانستان بيت لجميع الأفغان، ويجب أن يتعايش الجميع مع وجود اختلاف في وجهات النظر، ومن هنا يجب أن لا يسعى طرف منها لطرد الطرف الآخر، ومحوها عن طريق استخدام السلاح والقوة.
- أن تقتنع دول الجوار أن استقرار أفغانستان مهم لاستقرارها.
- أن تكون المبادرة لحل المشكلة الأفغانية مبادرة أفغانية، وبأيدي أفغانية وأن تلعب القوى العالمية والقوى الإقليمية ودول الجوار ,دور المساعد والمسهل.
- وأن تكون الجهة الوسيطة بعيدة عن الصراع على السلطة، وأن يتفق أعضاؤها والقائمون عليها أن عملهم يتلخص في إخراج الشعب الأفغاني من الأزمة وأنها لا تسعى للوصول إلى السلطة.
جبهة المصالحة والتحرير
وانطلاقًا من هذه المبادئ والقناعات تحرّك بعض الشخصيات الأفغانية في داخل أفغانستان وخارجها في باكستان وأوروبا والخليج العربي وباقي دول العالم وشكّلوا كيانات مستقلة مع تفاهم بينها، ومن الممكن أن تتوحد تلك الكيانات الصغيرة في جبهة قوية موحدة، ويمكن أن تكون تلك الجبهة هي التي شكلتها الشخصيات الأفغانية في أفغانستان وباكستان وسموها (جبهة التحرير والمصالحة) وحدَّدوا لها الأهداف التالية:
الأول: إيمانًا منها بأن وجود القوات الأجنبية على أرض أفغانستان أساس المشكلة في أفغانستان، فإن وجودها على أرض أفغانستان يتعارض مع قِيَمها الدينية والوطنية، ومن هنا يجب أن تنسحب هذه القوى الأجنبية من أفغانستان، وأن ينتهي الاحتلال، ومن هنا كان أحد أهم أهداف هذه الجبهة إيجاد الضغط الاجتماعي والشعبي والسياسي لإجبار تلك القوى الأجنبية على الانسحاب من أفغانستان، ليكون قرار الشعب الأفغاني المصيري بيدِهِ.
الثاني: أن توفر هذه الجبهة قناة لفتح الحوار والتفاهم الحقيقيين بين الجهات الأفغانية المتحاربة، لتتمكن من منع الفوضى واللانظام أثناء وبعد خروج القوات الأجنبية من أفغانستان.
خطة العمل
ستقوم هذه الجبهة على التحرك في الخطوط والاتجاهات المتوازية التالية:
أولا: خط التحرك السياسي لكسب ثقة الشعب (المعارض للتواجد الأجنبي) وكسب ثقة الأطراف الأفغانية التي تتواجد داخل أفغانستان ولهم ثقل سياسي أو عسكري، وإقناع الدول التي تتواجد قواتها على أرض أفغانسان بسحب قواتها عنها، وذلك عن طريق:
1- التحرك السياسي الشعبي للمطالبة بخروج القوات الأجنبية من أفغانستان.
2- إقناع الدول الأوروبية أعضاء حلف الناتو، وأمريكا بضرورة سحب قواتها من أفغانستان.
3- العمل الإعلامي للوصول إلى الغرضين المذكورين.
ثانيا: خطّ المحادثات الجادة بين أطراف الصراع الأفغانية، وإقناعهم على تشكيل النظام المطلوب بعد انسحاب القوات الأجنبية من أفغانستان، وإقناع الدول التي تتواجد قواتها على أرض أفغانستان أن سحب قواتها من أفغانستان في صالحها وصالح الجميع، وذلك عن طريق الخطوات التالية:
1- تحديد آلية مشاركة جميع الأطراف الأفغانية -بما فيها الأطراف التي تحارب القوات الأجنبية في أفغانستان- في المفاوضات العلنية التي سيتم من خلالها تحديد ملامح النظام القادم.
2- تحديد ملامح النظام القادم عن طريق المفاوضات التفصيلية الجادة.
3- تحديد آلية لتشكيل النظام القادم، بمعنى إيجاد مرجعية أفغانية للبتّ في قضية الزعامة للنظام القادم، وذلك للحيلولة دون استخدام السلاح والقوة للوصول إلى السلطة في أفغانستان.
4- الاتفاق على آلية لسحب القوات الأجنبية من أفغانستان والموافقة على جدولة انسحابها.
5- مناقشة استبدال القوات الغربية بقوات من الدول الإسلامية غير المجاورة للحفاظ على الأمن إلى أن تتمكن القوات الأفغانية من أداء عملها.
ثالثا: خطة تفعيل دور القوى الإقليمية والدول الإسلامية لمساندة عملية المصالحة الوطنية الأفغانية، وذلك عن طريق الخطوات التالية:
1- إقناع أمريكا وحلف الناتو والضغط عليها للانسحاب من أفغانستان، وعدم الإصرار على الحلّ العسكري.
2- رعاية عملية المصالحة عن طريق استضافة جلساتِها.
3- إقناع الدول المؤثرة على بعض أطراف الصراع بممارسة الضغط عليها للقبول على المصالحة.
4- المساعدة في رفع الملاحقات الأمنية من الشخصيات القيادية في الأطراف المحاربة ضد القوات الأجنبية في أفغانستان.
5- توفير الضمانات للمصالحة الوطنية الأفغانية.
6- إيجاد التحرك الدولي وخاصةً لدول العالم الإسلامي متزامنًا مع تشكيل حكومة الوحدة الوطنية لوضع خطة متكاملة لتعمير إفغانستان ماديا ومعنويا بما يتناسب مع أعراف المجتمع الأفغاني الدينية والوطنية، فإن لم يبدأْ هذا التحرك فإن عملية المصالحة لن تكون مستمرة ومجدِيَة، وأن الأوضاع ستعود إلى أسوأ مما هي عليه الآن.
المصدر: الإسلام اليوم


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.