بعيون دامعة وقلوب خاشعة لإرادة الله ودعت مصر أمس البابا شنودة الثالث بابا الإسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية, عقب جنازة مهيبة بالكاتدرائية المرقسية بالعباسية. وقد احتشد عشرات الآلاف من المسلمين والمسيحيين طوال ليلة أمس الأول حتي الساعة العاشرة صباحا موعد صلاة الجنازة لتوديع البابا شنودة. كانت الكاتدرائية في أبهي حللها, حيث تزينت بورود الأوركيديا البيضاء, وكان الجميع خاشعا دامعا باكيا حزينا لأنه لن يري البابا شنودة مرة أخري في هذا المكان الذي كان يلتقي فيه محبيه علي مدي أكثر من نصف قرن, سواء كان أسقفا للتعليم أو بطريركا لمدة41 عاما. وقد أقيم في الخامسة صباح أمس قداس تجنيز الآباء البطاركة, حيث تم فتح التابوت وألقي الحاضرون نظرة الوداع الأخيرة, ثم اقيمت مراسم القداس التي بدأت بأن أمسك كبير الأساقفة الأنبا باخوميوس يد البابا شنودة ورسم الصليب علي وجهه وعلي الملابس الكهنوية, ثم غسل الأساقفة وجهه ويديه وقدميه بطيب فاخر وماء ورد ووضعوا الصليب في يده اليمني وعصا الرعاية في يده اليسري, ثم صلوا الصلاة الخاصة بقداس جنازة البطريرك, وهذه الصلاة لا يشارك فيها سوي الأساقفة فقط, حيث يتم في نهايتها قراءة اسم كل الآباء البطاركة الذين تنيحوا بداية من البابا الأول مار مرقص الرسول وحتي البابا شنودة البابا ال.117 وفي تمام العاشرة بدأت صلاة تجنيز الآباء البطاركة ورأس الصلاة الأب باولوس بطريرك إثيوبيا الذي ألقي كلمة كلها حب عن البابا شنودة, مشيرا الي ان الجميع تعلم منه الكثير, ثم ترأس صلاة أخري مطران السريان الأرثوذكس مار أغناطيوس, وألقي أيضا كلمة تحدث فيها عما تعرض له البابا شنودة من آلام وضيق حولها البابا الي نعم ودروس طيبة. وبدأت صلاة الكنيسة المصرية القبطية الارثوذكسية برئاسة الأنبا باخوميوس أسقف البحيرة وقائم مقام البطريرك, ومع بداية الصلاة دقت الأجراس الحزينة دقاتها الثلاث المعروفة وانتشر حمام داخل البطريركية وتعالت الهتافات بنحبك يا بابا, بنحبك يابابا, وبكي الجميع بشدة عندما قرأ الأنبا بفنونيوس أسقف سمالوط وصية البابا التي قال فيها: أسألكم يا أولادي الأحباء احفظوا الأمانة, اصنعوا الخير لا تدعوا العالم يضلكم, لا تتوانوا في خدمة الله, احفظوا ألسنتكم من الوقيعة, إحفظوا أجسادكم طاهرة للرب, اصنعوا مخافة الله. وتحدث البابا في وصيته عن نفسه قائلا: يشهد الله يا أولادي الأحباء أنني لم أخف شيئا عنكم من كلام الله, ولم أنم قط وملامة بيني وبين واحد منكم, فإذا حفظتم ما أقوله لكم فأنتم تأكلون من خيرات الأرض ولا تعوزوا شيئا من خيرات السماء, وأسألكم يا أولادي أن تسألوا المسيح في نفسي أن يعطيها راحة أمامه ولا يؤاخذني بما سلف مني من الزلل والهفوات. وما الآن بعدت عنكم ورحلت عنكم وما عدت الآن أري وجوهكم والآن أسألكم أن تتعبوا في الصلاة عني والذكر في القداسات أن يقبلني سيدي اليه ويصفح عن جميع ماتقدم مني. أنا أسأل المسيح راعي الرعاة الأعظم أن يقيم لكم راعيا صالحا يرضاه يرعاكم ويسوس أموركم ويسهر علي خلاص نفوسكم. وبعد قراءة الوصية التي أبكت الجميع توجه الأنبا بيشوي سكرتير المجمع المقدس بالشكر لكل من حضر من قيادات سياسية ودينية وحزبية ومرشحي رئاسة الجمهورية المحتملين, والمشير طنطاوي, والفريق سامي عنان, ورئيس مجلس الشعب, والسفراء والوزراء السابقين والحاليين, ثم حمل الأساقفة والكهنة والشعب جثمان البابا لتقله سيارة خاصة من الكاتدرائية الي مطار ألماظة, ومنها الي دير الأنبا بيشوي بوادي النطرون. وقد حطت الطائرة الهليكوبتر العسكرية التي تقل جثمان قداسة البابا شنودة الثالث بابا الإسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية في المهبط المخصص لها علي نحو أربعة كيلومترات من دير الأنبا بيشوي بوادي النطرون, حيث مرقد جثمان قداسة البابا في مسكنة في الدير. وكان محافظ البحيرة السيد مختار الحملاوي في استقبال جثمان قداسة البابا, ورافق الجثمان من القاهرة إلي وادي النطرون اللواء حمدي بدين قائد الشرطة العسكرية وعدد من قيادات القوات المسلحة ورجال الدين الإسلامي والمسيحي. سر تحنيط جسد البابا أدهشت الحالة الجيدة لجثمان البابا شنودة الثالث, بابا الإسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية, كل من ألقي نظرة علي الجثمان,سواء وهو جالس بكامل هيئته علي الكرسي البابوي, أو وهو نائم في التابوت الذي دفن به. ففي يوم السبت الماضي الساعة الخامسة والربع, تم تجليسه علي الكرسي البابوي حتي مساء الاثنين, ثم تم وضعه نائما في التابوت الخاص به بكل سهولة وليونة ودون أن يتغير شيئ. وعلمت الأهرام من بعض الأساقفة والأطباء أن جسد البابا شنودة تم حقنة بمواد خاصة وتحنيطه بحنوط يحتفظ بأسرارها الرهبان وحدهم, ولكن الأهم من كل أنواع الحنوط والأطياب التي يتم بها حفظ الجسد.