من أجل الفرار من جحيم أوطانهم، وبعدما سيطرت عليهم فكرة الهروب من عالمهم الثالث، الذى تفتك به الحروب والفقر والمرض، يلقى المئات بل الألأف بأنفسهم فى جحيم الهجرة غير الشرعية، فيواجهون شتى أشكال الخوف بداية من المراكب المتهالكة وغير الآدمية التى يستقلونها. أو بمعنى أدق يتكدسون بها كالحيوانات، مرورا بمواجهة الأمواج العاتية وأهوال البحار على مدى أيام طويلة، وصولا إلى ما يختاره لهم القدر بالوصول إلى الأراضى الأوروبية التى ستجبرهم على الدخول فى مجازفة جديدة من أجل العيش بها أو غرقى ضحايا أحلامهم التى لم تكتمل فتنهى رحلتهم قبل أن تبدأ وتنهى أعمارهم الشابة. فقد جاء حادث إنقلاب مركب كان يقل 900 مهاجر غير شرعي، من بينهم 200 سيدة ومايقرب من 50 طفلا ليثير موجة من الغضب بين دول الإتحاد الأوروبي، وعلى رأسهم إيطاليا، التى يقع على عاتقها عمليات الإنقاذ، مما جعل رئيس الوزراء الإيطالى ماتيو رينزى يدعو إلى إنعقاد قمة إستثنائية، والتى تمت أول أمس، وكان أبرز ما توصلت إلية هو إقرار مضاعفة تمويل الأتحاد الأوروبى لميزانية عمليات "تريتون" التى تقوم بإنقاذ المهاجرين ومراقبة السواحل وتعزيز التواجد البحرى إلى الضعفين على الأقل، وذلك بعدما اوقفت إيطاليا مهمة الإنقاذ البحرى وأستبدلتها بقوة أصغر تركزت أعمالها على حماية حدود دول الاتحاد، وذلك بعدما رفضت دول الإتحاد مطالبات إيطاليا المتكررة بالمشاركة فى تحمل نفقات عمليات الإنقاذ التى تقارب 10 ملايين دولار شهريا، حيث ترى بعض تلك الدول أن السياسة الناعمة التى تنتهجها ايطاليا مع المهاجرين هى السبب الأساسى فى تضاعف أعداد المهاجرين وتفاقم الوضع. وقد عرضت بعض الدول إقتراح ضرورة رصد ومصادرة وتدمير الزوارق قبل أن يستخدمها المهربون فى نقل المهاجرين، والبحث عن هؤلاء المهربين ولو إستدعى تنظيم عمليات عسكرية فى ليبيا، ولكن الواقع هو أن تلك الخطوة ستظل قيد التفاوض لفترة، وذلك لأنها ستطلب المزيد من البحث ودراسة النتائج إلى جانب أنها ستتطلب تفويضا من الأممالمتحدة وموافقة الحكومة الليبية والتنسيق معها وذلك تجنبا لزهق المزيد من الأرواح. وتعد تلك هى المرة الأولى التى يسعى من خلالها الإتحاد الأوروبى إلى توحيد سياساته وتنسيق عمليات الإنقاذ، بعد سنوات طويلة من إهمال وضع حلول حاسمة للقضية مما تسبب فى غرق الآلاف، ولكن جاء التحرك الإيجابى بعدما تحول الأمر إلى مأساه إنسانية تتكرر بشكل شبه يومى وأثار غضب دولى حتى أن عدد من ناشطى منظمة العفو الدولية نظموا مسيرة إحتجاجية فى بروكسل تزامنا مع إنعقاد القمة لتندد بمقتل المهاجرين، وتتهم الدول الأوروبية بالتغاضى عن حل القضية والمشاركة فى زهق كل تلك الأرواح، فطبقا للتقرير الذى أصدرته المفوضية العليا للاجئين فى الأممالمتحدة ، أن قوارب المهاجرين حملت حوالى 13500 شخص إلى المياة الإيطالية منذ بداية الشهر الحالي, وقد لقى 1800 مهاجر مصرعهم منذ بداية العام الحالى وحتى الآن أثناء عبورهم البحر المتوسط. أما فى عام 2014 فقد عبر حوالى 170 الف شخص إلى إيطاليا وحدها وحوالى 218 ممن حاولوا عبور البحر المتوسط غرق منهم ما يقرب من 3500 مهاجر، كل ما أقترفوه من ذنب هو أنهم فروا هاربين من الحروب الطاحنة التى تفتك ببلادهم بحثا عن رزق ومستقبل أفضل فى أحدى الدول الأوروبية. وفى الوقت الذى تتعاطف معهم تلك الدول وتحاول مساعدتهم وإيوائهم إلا أنهم أصبحوا يشكلون عبئا ماديا وتهديدا أمنيا بل أن الأمر وصل إلى حد الخلافات والنزاعات بين الدول الأوروبية. فإيطاليا، التى أصبحت بمثابة محطة أو بوابة لهؤلاء اللاجئين لينطلقوا منها إلى العديد من الدول الأوروبية، وطبقا لشهادة عدد من المهاجرين غير الشرعيين الذين تم إنقاذهم، لا تهتم مطلقا بمن هؤلاء أو هل سيقيمون فى إيطاليا أم أنهم سيتوجهون لدول أخري، أو إلى أى دولة سيتجهون لها، ولم يطلب منهم أية أوراق أو يؤخذ لهم أية صور أو حتى بصمات يد، والأدهى أنه لم يقم أحد بتفتيش أمتعتهم. وهو الأمر الذى ينذر أيضا بإحتمالية حدوث كوارث سيصعب السيطرة عليها فيما بعد، وذلك لإمكانية أندساس بعض العناصر الإرهابية، التى قد تشكل خطرا كبيرا على إيطاليا والدول المجاورة لها. فعلى سبيل المثال : غالبية اللاجئين السوريين الذين ذهبوا لإيطاليا لم يستقروا بها بل إتجهوا للدول الأوروبية شمالا، وطبقا لمفوضية الأممالمتحدة للاجئين، هناك 217 الفا و724 سوريا تقدموا بطلبات للحصول على اللجوء لدول الاتحاد الأوروبي، وذلك فى فترة ما بين ابريل 2011 و ديسمبر 2014، وبالرغم من أن غالبيتهم ذهبوا إلى إيطاليا أولا إلا أن عدد من إستقروا بها لم يتجاوز الألفين، بينما ذهب الباقى للدول الإسكندنافية والدول الغنية الواقعة شمال أوروبا، فهناك 59 الف و 529 سوريا لاجئا بألمانيا و53 الفا و750 بالسويد و11 الف و710 بهولندا. وقد أرسلت طلبات متكررة للداخلية الإيطالية لتحذرها من سياستها فى التعامل مع اللاجئين، وإطلاق سراحهم ليتجهوا لدول الجوار دون الحصول على البيانات اللازمة، وربما لأن الأمر يصب فى مصلحة إيطاليا، التى تعانى من نسبة بطالة تتجاوز ال 12 ٪ وتهدف إلى التخلص من اللاجئين من أجل خفض الميرانية، والذين يمكنهم الإتجاة للدول الأكثر ثراء وبإمكانها تحمل الإنفاق عليهم. وقد جاء تعليق كريستوفر هاين، مدير المجلس الإيطالى للاجئين "أنه لا يوجد قانون منع المهاجرين من مغادرة مراكز اللاجئين..أنها ليست سجونا". ومن ناحية أخرى قد يرى البعض أن تجاهل إيطاليا لمصير اللاجئين يعد بمثابة صفعة للدول الأوروبية على رفضها المشاركة فى عمليات الإنقاذ. وعلى صعيد آخر فقد تسبب ملف اللاجئين فى خلاف بين اليونان وألمانيا، وذلك حينما كانت تسعى اليونان لإقناع المفوضية الأوروبية والبنك المركزى الأوروبى وصندوق النقد الدولى بتمديد اتفاق الدعم المالى فى إطار حزمة الانقاذ البالغة قيمتها 240 مليار يورو، والتى فى حال عدم الحصول عليها قد تعلن اليونان إفلاسها، فقد خرج وزير الدفاع اليونانى بانوس كامينوس ليهدد بأنه فى حال عدم حصول اليونان على الدعم، ستطلق موجة من ملايين اللاجئين، الذين بينهم الكثير من "الإرهابيين" نحو أوروبا وتحديدا ألمانيا، وذلك بمنح اوراق سفر أوروبية إلى المهاجرين غير القانونيين الذين يعبرون حدودها أو إلى 10 آلاف شخص موجودين فى مراكز احتجاز. وقد أغضب ذلك التهديد المانيا، لترد الصاع صاعين لليونان بإقتراح إستبعادها من منطقة شنجن، وهى التى تضم 26 دولة أوروبية لا يتطلب السفر بينها جوازات أو نقاط تفتيش. وتجنبا للنزاعات والخلافات، فقد طرح عدد من السياسيين فى البلدان الأوروبية اقتراحات برلمانية بشأن أمر تدفق آلاف المهاجرين، وما يمثلونه من خطر وتهديد أمني، بإغلاق حدودها وإعادة توجيه الأموال من طالبى اللجوء ومساعدة اللاجئين فى إعادة بناء حياتهم فى بلادهم، كتعزيز المساعدات للاجئين السوريين فى تركيا ولبنان والأردن.