لست في حاجة إلي التذكير ببورسعيد التاريخ والجغرافيا والرجال والأمجاد والعزة والفخر, كما لست في حاجة إلي سرد رحلة البورسعيدية مع الهجرة والمعاناة والنضال والحرب والبطولات, كما لست في حاجة إلي التنويه بوعي أهل بورسعيد التي كان من النادر أن يجتاز الانتخابات البرلمانية فيها خلال العقود الماضية ممثلا للحزب الحاكم حيث التنوع الثقافي والسياسي في أوساط الأجيال المتعاقبة من ناصريين ووفديين وإسلاميين ومستقلين, كما لست في حاجة إلي الدفاع عن مواطني بورسعيد فهم أقدر علي مواجهة الأزمات ومجابهة الحاقدين من ذوي النفوس الضعيفة ودحر المتنطعين والمتسلقين ومرتزقة الفضائيات والميادين. إلا أن ما أجدني مضطرا إلي الخوض فيه هو ذلك الترهل الإعلامي والخجل الحكومي والصمت البرلماني تجاه قلة قليلة من مرتزقة فضائيات الإعلام الرياضي حملت علي عاتقها توجيه الإهانة لبورسعيد والتطاول علي أهلها وصلت إلي حد نصحهم بالمشاركة في دوري الكرة بإسرائيل حيث لم يعد هناك مكان في الدوري المصري وهو ما جعل أحد شبان المدينة الباسلة يرفع علم إسرائيل في مظاهرة غضب واحتجاج, بينما شكك ناقد رياضي آخر في التاريخ البطولي المشرف للبورسعيدية وثالث لا يكل ولا يمل من الكلام الماسخ وهكذا في سباق محموم علي الرياء والنفاق وعدم الإحساس بالمسئولية دون الأخذ في الاعتبار صالح الوطن كل الوطن أو الحالة الراهنة التي تعيشها البلاد من تمزق ودعوات التفتيت وخطط التقسيم. هي إذن أزمة حقيقية قادها متطفلون علي الإعلام والإعلام الرياضي بصفة خاصة وفضائيات لم تعد تضع المصلحة العليا للبلاد في الاعتبار في ظل أموال يتم ضخها بغزارة من حكومات الخارج وأثرياء الداخل والتي إن استمرت بهذه الوتيرة فلا أمل في المستقبل, وإذا كان هؤلاء وأولئك قد قادوا في السابق حملة إفساد العلاقات مع الشقيقة الجزائر دون محاسبة أو عقاب فهم لم يستطيعوا الآن التفريق بين الجزائر وبورسعيد التي تعاملوا معها وكأنها دولة أجنبية شاهرين أسلحة الانتقام وسيوف الغدر والخسة وكأن بالهم لن يهدأ إلا إذا وجدوها كتلة نار أو كومة رماد. فمن العار أن نتحدث عن حصار اقتصادي علي شعب بورسعيد أو أن يخشي المواطن البورسعيدي علي نفسه أو علي سيارته في العاصمة أو أن ينتظر في قلق عقوبات الأممالمتحدة المصرية أو مجلس أمن الجبلاية, ومن الظلم أن يتحمل أهل بورسعيد جريرة فئة ارتكبت جريمة منظورة أمام المحاكم الآن ومعظمهم ليسوا من سكانها الأصليين حيث دفعت المدينة ثمنا باهظا لوجود المنطقة الحرة هناك تمثل في هجرات مختلفة من خارجها وعانت من عشوائياتها الكارثية وما زالت تعاني ناهيك عن معاناتها مع المنطقة الحرة نفسها, ومن الحمق أيضا أن نتجاهل في لحظة غضب تاريخ البورسعيدية الكروي والأخلاقي حيث كانت جماهير الكرة هناك سباقة دائما إلي تشجيع الفريق الضيف علي أرضها حالة فوزه إلا أن الحالة الراهنة التي تعيشها البلاد وحالة الاحتقان التي سبقت تلك المباراة الشؤم هي التي ساعدت علي تأجيج المأساة وهو أمر يتطلب إعادة النظر في المنظومة الرياضية ككل ماديا ومعنويا وأمنيا وتحكيميا لتضييق الفجوة بين أندية الهيمنة وأندية الغلابة. فليخرس الإعلام الضال ولتصمت أبواق التحريض الآثمة وليرتفع صوت عقلاء الأمة ومسئوليها وهم الأغلبية إلا أنهم للأسف اعتادوا الصمت في الأزمات والمواقف التي تتطلب الكلام والحسم لئلا تظل الساحة سداحا مداحا أمام العابثين بمقدراتنا وكفانا ما تعيشه البلاد من هم وغم علي جميع الأصعدة وبلاها كورة وبلاها رياضة وبلاها فضائيات مشبوهة ونقادا أكثر شبهة, ولتبقي بورسعيد باسلة شامخة لا تنكسر ومواطنوها رجالا جيلا بعد جيل. المزيد من أعمدة عبد الناصر سلامة