آفة بلادنا ليس النسيان كما كتب نجيب محفوظ عن تجاهل الدروس فيما مضي من أحداث; ولكن آفة الآفات هي إنكار ما نراه أمام أعيننا وقد تم تصويره بالصوت والصورة فاقعا بالألوان والدماء السائلة. مضي أسبوع علي ما جري في بورسعيد في مباراة لكرة القدم, واجتمع مجلس الشعب في جلسة طارئة نادرة, وعلقت الفضائيات, وخرجت البيانات من مجلس الوزراء والمجلس العسكري واتحاد الكرة, وخرجت المظاهرات رافعة أعلاما وبيارق ولافتات. الجميع بلا استثناء ذكروا كل الأسباب المتخيلة في العالم إلا تلك التي رأيناها أمام أعيننا; من أول الصهيونية العالمية والإمبريالية الأمريكية حتي جماعة الفلول القابعة في سجن طرة وكان لديها القدرة بالموبايل والكمبيوتر علي تحريك آلاف من الجماهير حتي يقتلوا74 مصريا آخرين. المجرمون لم يكونوا أهل بورسعيد الأبطال, ولم يكونوا اتحاد الكرة, وإنما كان' حالة جماهيرية' أصيبت بلوثة ثورية فوضوية باتت واحدة من التقاليد المصرية علي مدي عام كامل. لم يحدث ذلك في بورسعيد فقط, وإنما جري في قري ومدن, واحتجز سائحين في إسنا وخبراء صينيين في سيناء, وارتكب جرائم من كل نوع لأن البلد صارت سداحا مداحا لم يعد ممكنا إدارتها بينما جرت28 مليونية وتوابعها من اعتصامات وصدامات. جرت الجريمة من جماهير بعينها بينما الشرطة واقفة عاجزة لأنها لا تعرف هل تشتبك مع' الجماهير' أم لا تفعل شيئا. وقبل المساء علي كل الأحوال كان الهجوم قد بدأ من عشرة آلاف مواطن علي وزارة الداخلية التي تقود هؤلاء. ولم يحدث ذلك بعد مباراة بورسعيد فقط ولكنه حدث عدة مرات قبلها حيث كانت الوزارة تحت الحصار لأيام بل أن رئيس الوزراء لم يكن قادرا علي دخول مكتبه. الطريف أن وزير الداخلية جري اتهامه بأنه لم يقم بإعادة هيكلة الوزارة; فمتي يحدث ذلك وقواته موزعة بين كل أنواع المظاهرات وتحت ضغطها, وهل قدم مجلس الشعب الموقر, أو الوزارة المصرية الموقرة, أو الفضائيات الموقرة إمكانيات وموارد لإعادة الهيكلة؟. الأكثر طرافة في مجلس الشعب وخارجه أن قائمة طويلة من المتهمين مثل المحافظ واتحاد الكرة كان مطلوبا منهم إلغاء المباراة. هل كان ذلك ممكنا, وهل كانت' الجماهير' البورسعيدية سوف تقبل ذلك أم أنها كانت سوف تخرج عن بكرة أبيها لكي تحرق' عناصر مندسة' فيها المدينة بأسرها وساعتها كان سيقال لماذا لم تتم إقامة المباراة؟!. جوهر المسألة هي اختلاط الثورة بالفوضي وعدم إعطاء الفرصة لمؤسسات الدولة, ومنها الأمن, لكي تستعيد مكانتها. [email protected] المزيد من أعمدة د.عبد المنعم سعيد