في نظرية الاستدراج ربما كان الأستاذ الكبير محمد حسنين هيكل هو أول من وضع نظرية سياسية متكاملة للكيفية التي يتم بها استدراج قيادات سياسية إلي حرب لم ترغب فيها من الأساس, ومن ثم انتهت إلي هزيمة مروعة كانت لها آثارها المخيفة علي مستقبل البلاد وربما المنطقة كلها. وفي واحد من أروع كتبه جيوش وعروش شرح بتفصيل للكيفية التي جري بها استدراج مصر إلي حرب عام1948 التي ذهبت إليها الدول العربية وهي تدعي رفضا لقرار تقسيم فلسطين بينما أتت جيوشها تعمل وفق الخطوط التي حددها. ولكن الحالة المصرية كانت مرعبة حيث دخلت حربا وهي محتلة, مأخوذة بهتافات الجماهير, ومظاهرات الطلبة والشباب, ومقالات الصحف الملتهبة, والإذاعات الساخنة فلم يكن هناك تليفزيون في تلك الأيام. ومرة أخري كان الأستاذ الكبير هو من نقل لنا في كتابه الانفجارس حرب يونيو1967 حينما جري استدراج الديك الرومي- الرئيس جمال عبد الناصر- إلي حرب لم يكن جاهزا لها, بل كان جيشه يحارب حربا نبيلة للحفاظ علي ثورة اليمن علي بعد آلاف الأميال من أرض الوطن. جري الاستدراج بالخديعة الأمريكية, والاستفزاز الإسرائيلي, وبالضغط العربي, وبالجرح الفلسطيني النازف, وقبل وبعد ذلك كله بالإعلام العربي, وبالضغط النفسي لزعيم كانت لديه القدرة والشجاعة أن يقول للولايات المتحدةالأمريكية أنها تستطيع أن تشرب من البحر الأحمر, فإن لم يكن كافيا فإنها عليها أن تشرب من البحر الأبيض المتوسط. واكتملت نظرية الاستدراج تماما مع كتاب الأستاذ الكبير عن حرب الخليج, وكان المستدرج هذه المرة الرئيس صدام حسين الذي كانت لديه القدرة والشجاعة للحديث عن حرق نصف إسرائيل, ولكن الحماقة غلبت في النهاية بفعل الحملات الإعلامية, ومظاهرات الأشاوس التي تسد وجه الشمس, وتهليل القوميين العرب علي اختلاف توجهاتهم وألوانهم وميولهم ونزعاتهم. وكما في كتاب الأستاذ, وعرفنا من التاريخ, أن البداية كانت دستة من سنوات الهول للشعب العراقي, جري بعدها الغزو وسقوط بغداد عاصمة الخلافة العباسية وحاضرة الحضارة العربية والإسلامية. ولا أدري عندما قرأت كتب الأستاذ في الماضي والحاضر, لماذا كان من بيننا دائما من لديهم كم من السذاجة للوقوع في استدراج تدفع فيه أجيال وراء لأجيال أثمانا فادحة. أقرأوا كتب الأستاذ, ففيها شهادة علي العصر, ليس الذي مضي, وإنما الذي يحدث!. [email protected]