"نظرية الاستدراج"، واحدة من الأنماط الرئيسية الشهيرة شديدة الأهمية في إطار التفكير التآمري المسيطر علي الأذهان في المنطقة العربية، علي الرغم من عنف الضربات التي توجه له من كل جانب، في ظل الفشل الذريع للتحليلات المستندة عليه، وتتمثل فكرة هذه النظرية في وجود مخطط أعدته دولة كبري في العادة، لإيقاع طرف يقف في مواجهة مصالحها العليا في الإقليم، في "وضع معقد". وذلك وفقا لمجموعة من الخطوات، التي يتم بموجبها استدراجه إلي منطقة قتل حيث يمكن التمكن من "اصطياده" أو الإجهاز عليه، وذلك وفقا لأسلوب الكمائن المعروف في العمليات العسكرية، أو الفخاخ التي تستخدم خلال عمليات القنص أو بتعبير آخر "الاصطياد". وترجع أهمية هذه الطريقة في التفكير إلي أنها ترتبط بمجموعة من الوقائع الكبري التي مارست تأثيرا انقلابيا مأساويا أو مدمرا في السياسة العربية، كهزيمة مصر عام 1967، وهزيمة العراق في حرب 1991، ويتم اتباعها في تحليل كل التطورات التالية التي تنتهي غالبا إلي كوارث وطنية أو قومية، لكن وفقا لأسلوب التحليل اللاحق، بأثر رجعي، فعادة لا يتم التعامل مع الأزمات الجارية ، كأزمة اغتيال الشهيد رفيق الحريري بالنسبة لسوريا، أو أزمة برنامج اليورانيوم المخصب بالنسبة لإيران، علي أنها عمليات استدراج (بل استهداف في الغالب) ، ويتم الدفع عادة في اتجاه تشجيع المواقف الأكثر تشددا، إلي أن تحدث المشكلة، فتبدأ عملية إعادة التحليل التي تمثل واحدة من سماته الأساسية. إن النماذج الأساسية التي يتم الاستناد عليها في هذا النمط من التفكير، ترتبط بماسمي في بعض الكتابات المهمة عملية "اصطياد الديك الرومي" التي يفترض أن الرئيس عبد الناصر قد استدرج وفق خطة محكمة بموجبها إلي حرب يونيو 1967، وكذلك اللقاء الأسطوري الذي جري بين السفيرة الأمريكية إبريل جلاسبي مع الرئيس العراقي صدام حسين والذي يفترض أنه استدرج بموجبه _ كما قيل _ إلي غزو الكويت، وكأنه لم يكن يرغب في غزوها أو يخطط للقيام بذلك. ويستند هذا النمط من التفكير التآمري علي ثلاثة افتراضات رئيسية: الأول، أنه يفترض وجود طرف فاعل وطرف هدف، وأن التفاعلات بينهما تسير في اتجاه واحد من الفاعل إلي الهدف طوال الوقت، فهناك مرسل ومتلقي، وأنه لاتوجد أطراف ثالثة (ربما توجد لكن متواطئة) وأن الموقف لم يتغير منذ بدايته إلي نهايته. الثاني، أنه يفترض أن "الهدف" غافل تماما، وليس لديه وعي بالموقف، وليست لديه إرادة للتصرف، أو لإدارة الموقف وفقا لتقديراته هو، أو علي الأقل كان مضطرا طوال الوقت للقيام بما قام به، وانه لم تكن لديه أية خيارات تختلف عما قام به بالفعل. الثالث، أن الطرف الهدف (العربي بالطبع) لم يرتكب أي خطأ، وأن المسألة كلها قد حيكت بدقة، وبشكل متعمد، تم تخطيطه منذ وقت طويل، تبعا لوثائق أصبحت متوافرة، لإيقاع الطرف الهدف في "المصيدة"، وأن العملية تمت بشكل مثالي. إن الأسلوب التحليلي الذي يمارس به التفكير وفقا لهذا النمط واحد في كل الحالات، وبسيط إلي حد كبير، فهناك طرف شرير يحاول اصطياد "البطل الإقليمي" المندفع بشدة في اتجاه الصدام معه، ويتمكن من النيل منه في النهاية، لكن مايلفت الانتباه مرة أخري بهذا الشأن هو أن البطل الإقليمي لم يدرك أبدا خلال اللعبة أنه يستدرج، بل علي العكس كانت لديه تقديراته المؤكدة تماما بأن الحرب لن تقع في النهاية، لأن الطرف الشرير ليس لديه دوافع كافية لشنها، أو لايحتمل نتائجها، أو أنه يدرك (أي الشرير) أن "حمادة يلعب"، وأنه لن يقوم بأعمال مؤذية في النهاية. وتستمر التقديرات، فإذا حدث وانفجرت الحرب فإن "البطل" سيتمكن من الإفلات منها وفقا لذلك النموذج الشهير الذي يسمي "حرب 1956"، الذي تختلط فيه الهزيمة العسكرية بالانتصار السياسي، ويمكن توظيف كل شئ فيها لصالح البقاء. وفي الحقيقة، يتطلب الأمر شجاعة بالغة للقول بأن التفكير التآمري مغر وجذاب وممتع للغاية، مثل المخدرات تماما، ويؤدي إتباعه إلي شعور جميل بأن المرء يري كل شئ علي حقيقته، وبحدة نظر رهيبة. وهنا فإنه لمجرد التغيير يمكن التفكير بطريقة تآمرية فيما يحدث علي الساحة الإيرانية، إذ توجد وفقا لتلك النظرية ملامح استدراج مفترضة، يتم من خلالها تقديم تنازلات كبري للرئيس الإيراني أحمدي نجاد، كإقامة مفاعلات نووية وشراء طائرات متقدمة وإنشاء مخزون يورانيوم وإدماج الدولة عالميا وتقديم استثمارات مغرية، لكن الرجل يرد بأن كل ذلك يبدو كمجرد "قطعة حلوي تقدم لطفل"، وأنه ليس طفلا، ويستمر في التشدد، دون أن يفكر لحظة أن دولة مثل كوريا الشمالية لم تحصل علي نصف مايقدم له رغم أنها تمتلك تقريبا "سلاحا نوويا"، وليس يورانيوم مخصب بنسبة 5 في المائة. إن القصة بسيطة، ومتكررة، والسؤال الإفتراضي فيها واحد، وهو لو أن هناك بالفعل عملية استدراج يقوم بها الأشرار في الغرب للرئيس الإيراني، تقوم علي "مخطط" أنه سيظل مندفعا في ظل اعتقاده بأنه سيحصل علي ماهو أكبر من الحلوي إذا استمر في تشدده بشأن برنامج تخصيب اليورانيوم وتهديداته للولايات المتحدة وإسرائيل، وأن الدول كلها تخشي من نشوب حرب رابعة في الخليج بأكثر مما تخشي من امتلاك إيران أسلحة نووية، السؤال هو: لو كان هناك استدراج، هل يدرك الرئيس الإيراني أنه يستدرج حاليا نحو "منطقة قتل"، وأنه دخل بإيران إلي مجلس الأمن، وأنه سرعان ماسيفقد روسيا والصين إذا استمر في الرفض، وأنه إذا تم تدمير مفاعل بوشهر المدني لن يكون لديه مايفعله باليورانيوم المخصب سوي إنتاج سلاح نووي، وأن أحدا لايخشي بشدة من هذا السلاح كما قد يتصور، هذا فقط لمجرد الحديث عن الاستدراج قبل وقوع الكوارث، لمجرد التغيير. إن الحقيقة هي أنه رغم إغراء التفكير بتلك الصورة المريحة، فإن الكيفية التي تدار بها العلاقات الدولية، خاصة مايتعلق منها بإدارة الصراعات أو إدارة الأزمات، تشير إلي تعقيدات شديدة يصعب معها تصور أن الأمور تسير بتلك الطريقة التآمرية، وهناك علي الأرجح تفسيرات أكثر واقعية لتلك المواقف، ترتبط بطريقة صنع القرار، وقيود الموقف، لدي الطرف الهدف والطرف الفاعل، الذي يحاول كل منهما أن يحافظ علي خياراته كلها، وأن لايصل إلي نقطة اللاعودة، وأن مايلقي الدول في التهلكة هو "سوء تقديرات القيادات" لما هي فيه ولما حولها ولما هو قادم، لكن الأسلوب السائد في التفكير العربي يجعل لهذا النمط جاذبية، رغم أنه يستخدم لتفسير وقائع شديدة الخطورة