مع حلول الذكري الأربعين للعدوان الإسرائيلي علي مصر في 5 يونية 1967 اشتعل الجدل مجددا علي أوسع نطاق حول ملابسات الحرب ومقدماتها وأدوار مختلف القوي الإقليمية والدولية فيها، وأسباب الهزيمة العسكرية المهينة التي تعرضت لها أكبر الجيوش العربية وتداعيات تلك الهزيمة وآثارها علي التطورات الاستراتيجية السياسية والاقتصادية والعسكرية التي شهدتها المنطقة منذ عام 1967 حتي الآن. والواقع ان الجدال ليس نوعا من الترف الفكري، فهزيمة 1967 كانت واحدة من أفدح الكوارث في التاريخ العربي والنقاش الجدي للقضايا المتصلة بها ضروري إلي أقصي درجة لاستخلاص الدروس والعبر حتي لا تتكرر مثل هذه الهزيمة القاسية فالشعوب الحية تتعلم من تاريخها من أجل حاضرها ومستقبلها، ولكي تحدد اصدقاءها وأعداءها ومصادر الأخطار التي تهدد مصالحها. وقد كان دور الاتحاد السوفيتي السابق في الحرب من أهم القضايا التي دار حولها الجدال وتضاربت المعلومات وتحديدا فإن كتابا عربا وغربيين اتهموا موسكو باستدراج القاهرة إلي الحرب من خلال ابلاغها هي ودمشق بمعلومات كاذبة حول استعدادات اسرائيلية حثيثة لشن عدوان علي سورية ووجود حشود اسرائيلية علي الحدود من أجل هذا العدوان الوشيك ويقول أصحاب هذه الرواية ان هدف موسكو من هذا الاستدراج المفترض هو أن تلحق اسرائيل الهزيمة بمصر وسورية ليقع البلدان تحت وطأة الحاجة القاسية للدعم السوفيتي ومن ثم تحت نفوذ طاغ لموسكو. ويرد كتاب عرب وروس علي هذه الرواية بتكذيبها بصورة مطلقة مؤكدين أنها تخالف الوقائع الفعلية وتفرط في الاعتماد علي "نظرية المؤامرة" ويتساءلون: وأين كانت المخابرات المصرية والسورية؟ وكيف تنسجم "نظرية الاستدراج" مع وجود اختراق مخابراتي عميق متمثل في رفعت الجمال "رأفت الهجان"؟ مع معرفة الرئيس عبدالناصر "المعلنة" بتوقيت الهجوم الإسرائيلي؟ وننشر فيما يلي شهادة لدبلوماسي روسي مخضرم كان مشاركا في المباحثات المصرية السوفيتية خلال الأيام القليلة السابقة للحرب وغني عن البيان أننا لا نتبني الرأي الوارد في هذه الشهادة.. تماما كما أننا لا نتبني الرأي المضاد له ونرحب بأية رؤية أو رواية مختلفة ونلتزم بنشرها فما يهمنا أولا وأخيرا هو الحقيقة التي تتضح دائما من خلال الرأي والرأي الآخر.. وروايات الأطراف المختلفة مهما تباينت.. صفحة الرأي أسرار روسية جديدة عن حرب يونية 1967 بوغوس أكوبوف - وكالة نوفوستي: كشف بوغوس أكوبوف أحد قدماء السلك الدبلوماسي الروسي سفير الاتحاد السوفيتي السابق ريئس مجلس رابطة الدبلوماسيين الروس حاليا وقائع غير معروفة تقريبا عن موقف الاتحاد السوفيتي عشية الحرب العربية الإسرائيلية في يونية عام 1967 وتفند هذه الوقائع آراء عدد من المحللين الغربيين حول وجود رغبة لدي موسكو علي حد قولهم لدفع مصر للحرب وقتذاك. فقد أعلن هذا الدبلوماسي البالغ من العمر 81 عاما في تصريح خص به نوفوستي إنه الوحيد الذي لايزال علي قيد الحياة من المشاركين في المفاوضات التي جرت في موسكو في نهاية مايو (أيار) عام 1967. ترأس المفاوضات من الجانب السوفيتي ألكسي كوسيغين رئيس مجلس الوزراء عضو المكتب السياسي للجنة المركزية للحزب الشيوعي السوفيتي ومن الجانب المصري شمس بدران وزير الحربية وحضر بوغوس أكوبوف المحادثات بصفة خبير. وقال إن شمس بدران وصل إلي موسكو في بداية الثلث الثالث من مايو 1967 بصفة مبعوث خاص من الرئيس المصري جمال عبدالناصر وكان يحمل رسالة من الرئيس المصري إلي القيادة السوفيتية.وكلف المكتب السياسي للجنة المركزية للحزب الشيوعي السوفيتي ألكسي كوسيغين باجراء مفاوضات مع الوفد المصري. وفي بداية اللقاء الأول الذي جري في الكرملين لخص الوزير المصري فحوي هذه الرسالة مشيرا إلي أن اسرائيل حشدت قواتها علي الحدود مع سورية وتتهيأ لتوجيه ضربة إليها وفي ظل هذا الوضع توجه الاصدقاء السوريون طلبا للدعم. وإن الرئيس عهبدالناصر كما قيل لا يستطيع ترك أخيه العربي (السوري) بمفرده وجها لوجه مع اسرائيل ويطلب موافقة من القيادة السوفيتية علي توجيه ضربة استباقية إلي اسرآئيل. وردا علي ذلك حدد ألكسي كوسيغين الموقف السوفيتي بشكل دقيق إذا بادرت مصر بتوجيه الضربة فستكون معتدية وموسكو لا تستطيع دعم المعتدي لأن هذا يتناقض مع مبادئ السياسة الخارجية السوفيتية. وجري الإعلان عن انه لا يمكن حل القضية عن طريق الحرب فالولايات المتحدة لن تسمح للعرب بهزيمة اسرائيل واضاف رئيس الوزراء السوفيتي قائلا: هل تريدون توريط الاتحاد السوفيتي في حرب مع أمريكا؟ وإننا لن نقدم علي هذا وطلب كوسيغين من شمس بدران ابلاغ عبدالناصر بأن الاتحاد السوفيتي يقف ضد الحرب. واستمرت المفاوضات في اليوم التالي ونقل بدران مرة اخري طلب عبدالناصر الذي دعا موسكو إلي دراسة حججه من جديد باهتمام وعرض كوسيغين ردا علي ذلك من جديد الموقف السوفيتي الرافض للأعمال الحربية