محكمة شمال سيناء تتلقى طلبات الترشيح لمجلس الشيوخ    غدًا.. النواب يستكمل مناقشة قانون المهن الطبية    بمقدم 50 ألف جنيه.. خطوات التقديم للإعلان التكميلي "سكن لكل المصريين 5"    «الفيوم بلا بلاستيك» حدوتة أطلقتها «أمنية»    القاهرة الإخبارية: حكومة الاحتلال تبحث رد حماس قبل مغادرة نتنياهو إلى واشنطن    فلسطين: الاحتلال الإسرائيلي يواصل عدوانه على طولكرم ويقتحم عدة بلدات بالمحافظة    اتصالات مكثفة لوزير الخارجية والهجرة لتثبيت وقف إطلاق النار بين إيران وإسرائيل    أمريكا.. مقتل 27 شخصًا جراء فيضانات مفاجئة وسط ولاية تكساس    انطلاق مباراة باريس سان جيرمان وبايرن ميونخ في ربع نهائي مونديال الأندية    تأهل ثلاثي مصري لنهائي الرجال بكأس العالم للخماسي الحديث    مدارس التكنولوجيا التطبيقية 2025.. مستقبل مهني للطلاب بعد الإعدادية    أمام محله.. مشاجرة بسبب معاكسة سيدة تنهي حياة جزار بالخطأ في الهرم    «الأراجوز المصرى» من القاهرة للإسكندرية    إيهاب توفيق وحكيم وهلال وحماقي يشعلون حفل زفاف ابنة محمد فؤاد | صور    المالية: بنك التنمية الجديد يمكن أن يلعب دورا رائدا فى سد فجوات تمويل التنمية للدول الأعضاء بالبريكس    الهلال الأعلى والأهلي يتساوى مع فريقين.. كم حصدت الأندية العربية في كأس العالم 2025؟    بي إس جي ضد البايرن.. التشكيل الرسمى للقمة النارية فى كأس العالم للأندية    نائب وزير الصحة يتفقد حالة مصابي حادث الإقليمي بالمنوفية في مستشفى الباجور التخصصي    إجتماع تنسيقي بين «الرعاية الصحية» و«التأمين الصحي الشامل» في أسوان    محلل بريطاني: انتقادات زيلينسكي قد تدفع ترامب للانسحاب من تسوية الحرب الروسية الأوكرانية    التضامن تفتتح مركز سيطرة طوارئ بمقر الوزارة بالعاصمة الإدارية الجديدة    أوبك+ يرفع إنتاج النفط بمقدار 548 ألف برميل يوميًا    لمرشحي مجلس الشيوخ 2025.. «الصحة» تطلق منظومة إلكترونية لخدمات «الكشف الطبي» (تفاصيل)    العروض تحاصر ثلاثي بيراميدز.. والإدارة تعد قائمة بدلاء    "بقت إدمان".. رئيس تحرير مجلة الزمالك السابق يثير الجدل بشأن صفقة جديدة للأهلي    قانونية مستقبل وطن: مصر تواصل الاستحقاقات الدستورية وسط التحديات التي تشهدها المنطقة    شريهان تعود للأجواء الفنية بزيارة خاصة لمسرحية "يمين في أول شمال"    استمرار تلقي تظلمات الإعدادية بكفر الشيخ حتى 13 يوليو الجاري    سحب 659 رخصة لعدم تركيب الملصق الإلكتروني    مصرع شخص وإصابة اثنين آخرين في حادث مروري بدمياط    براتب 8000 جنيه.. العمل تعلن عن 300 وظيفة بإحدى شركات تسويق الأدوية    «المونوريل والبرج الأيقوني».. المشروعات القومية رموز جديدة ب انتخابات مجلس الشيوخ 2025 (فيديو)    «الصمت أحيانًا يعني أننا تعبنا».. حنان مطاوع توجه رسالة غامضة في أحدث ظهور لها    بمشاركة طلاب صينيين| بالصور.. تنظيم أول مدرسة صيفية بجامعة القاهرة    باحث: نحن أمام خطوتين من إعلان اتفاق وشيك لوقف إطلاق النار فى غزة    "بدأت بموقف محرج".. قصة تعارف أمير صلاح الدين وزوجته ليالي    تعرف على أكثر 5 أبراج تشتهر بالوفاء    فضل صيام عاشوراء.. هل يجوز صيامه منفردًا؟    أمين الفتوى: يوم عاشوراء نفحة ربانية.. وصيامه يكفر ذنوب عام كامل    أحمد نبوي: الأذى النفسي أشد من الجسدي ومواقع التواصل تتحول لساحة ظلم    «محتوى البرامج الدراسية» في ندوة تعريفية لطلاب علوم الحاسب بجامعة بنها الأهلية    صحيفة أمريكية: واشنطن لم تعد قادرة على تسليح أوكرانيا وإسرائيل معًا    طبق عاشوراء يحسن صحتك.. فوائد لا تعرفها    الصحة: 10 كوادر يشاركون ببرامج تدريبية في الصين    3 وديات.. في الجول يكشف تفاصيل معسكر الأهلي في تونس تحضيرا للموسم الجديد    وزير البترول يشهد وصول ذراع التحميل البحري «Loading Arm» إلى مطار القاهرة    يوم عاشوراء.. تعرف على أهميته الدينية ولماذا حثنا الرسول على صيامه    أسماء مصابي حادث انقلاب ميكروباص بصحراوي المنيا    طقس الأحد شديد الحرارة وشبورة ورطوبة والعظمى بالقاهرة 36 درجة والإسكندرية 31    محافظ بني سويف يستقبل وزير الإسكان والمرافق في بداية زيارته للمحافظة    ياسين بونو يكشف رد فعل نيفيز وكانسيلو بعد صدمة وفاة جوتا    الجريدة الرسمية تنشر قرار جمهوري جديد للرئيس السيسي    محافظ المنوفية يتوجه لمستشفى الباجور العام للإطمئنان على الحالة الصحية لمصابي حادث الإقليمي    اختيار ناصيف زيتون لحفل افتتاح مهرجان جرش بالأردن.. وأصالة في ختام الفعاليات    الجار قبل الدار    اليوم.. نظر محاكمة 37 متهما بخلية التجمع الإرهابية    أسعار الفراخ اليوم السبت 5-7-2025 بعد الانخفاض وبورصة الدواجن الرئيسية الآن    ربع نهائي كأس العالم للأندية| تشيلسي يتقدم على بالميراس في الشوط الأول    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



لماذا يجب ان يحتفظ حزب الله بسلاحه؟
نشر في الشعب يوم 05 - 08 - 2006

علي الشعوب العربية والإسلامية ان تحمل عبء الدفاع عن نفسها

يتمحور الجدل والتفاوض المتعلق بوقف العدوان علي لبنان حول مسألتين رئيسيتين: بسط سيطرة الدولة اللبنانية علي الجنوب، ووضع قوات دولية علي الحدود اللبنانية الإسرائيلية، وربما حتي اللبنانية السورية. الهدف في الحالتين واحد وهو إبعاد حزب الله عن الحدود، وتجريده من مسوغ الاحتفاظ بسلاحه، ومن ثم تجريده من هذا السلاح. الحقيقة، ان احتفاظ حزب الله بسلاحه أصبح مسألة حياة أو موت بالنسبة للبنان والمنطقة ككل. بل أكثر من ذلك، فقد بات علي الشعوب العربية، لاسيما تلك المجاورة للحدود الفلسطينية، والشعوب الإسلامية كافة، ان تتسلم مهام الدفاع عن نفسها، أن تدفع محيط دولها إلي الخلف، وان تبادر إلي إدارة أوسع مجال ممكن من شؤونها بنفسها.
الذين كانوا يطالبون حزب الله بالتخلي عن مواقعه في الجنوب اللبناني والتخلي عن سلاحه طوال العام الماضي احتجوا بضرورة الركون إلي الشرعية الدولية لتحقيق ما تبقي من مطالب لبنانية؛ ولم يكن خافياً ان أصحاب هذا المنطق كانوا مطمئنين لعلاقاتهم الجيدة بالقوي الدولية الرئيسية، من الولايات المتحدة إلي فرنسا. حزب الله، كما كان قد أعلن مراراً، نفذ عملية محدودة في الثاني عشر من هذا الشهر لتحرير الأسري اللبنانيين. ولكن الرد الإسرائيلي جاء بشعاً ومدمراً، تغطيه القوي الدولية ذاتها التي اعتقد طيف واسع من السياسيين اللبنانيين أنها ستوفر الحماية للبنان. من مرواحين إلي قانا، ومن مارون الراس وبنت جبيل إلي عيترون وصور والخيام، يقوم الوحش العسكري الإسرائيلي المتعطش لدماء العرب والمسلمين بتدمير لا مثيل له في تاريخ الحروب بالمنطقة. القصف الذي يتعرض له لبنان موجه في جله ضد لبنان كوطن ودولة وشعب. عندما يقتل الأطفال في مضاجعهم، عندما تدمر الجسور والطرق والمعامل ومحطات توليد الكهرباء والموانئ ومعسكرات الجيش، تصبح الدولة واللبنانية هي المستهدفة وليس حزب الله. والدولة اللبنانية تولت شؤونها منذ زمن حكومة صديقة لواشنطن وباريس. فكيف يمكن ان يصبح أمن ومستقبل وحياة اللبنانيين مقصوراً علي قرار الدولة والحكم؟ القوة الوحيدة التي تقف في مواجهة آلة الموت والدمار هي المقاومة اللبنانية. سلاح الشعب، سلاح حزب الله، هو وحده الذي يحمي لبنان وشعبه، ويوقع الهزيمة تلو الأخري بالجيش الإسرائيلي. لا القوي الدولية الصديقة للزعماء اللبنانيين ولا الجيش اللبناني تستطيع حماية لبنان. القوي الدولية، وبدرجات متفاوتة، تقف في صف الدولة العبرية؛ ما قد تختلف فيه مع الأهداف الإسرائيلية يتعلق في أغلب الأحيان بالوسائل والطرق لا بجوهر الأمور. أما الجيش اللبناني، فلم يسمح له أصلاً بامتلاك القوة الضرورية للدفاع عن البلاد، وهو فوق ذلك جيش بلد كان دوماً أسير توازنات إقليمية ودولية قيدته وتقيده بسقف حركة ومبادرة منخفض وضيق.
الطريقة والوسائل التي رد ويرد بها حزب الله علي العدوان لا تستطيعها الدولة اللبنانية، لا سياسياً ولا عسكرياً. قرار الدولة مقسم علي قوة سياسية عديدة، بعضها قد يكون أقرب لمعسكر العدو منه إلي المصالح الوطنية والعربية. ولبنان الدولة حريص علي الارتباط بما تبقي من أمل بالنظام الدولي ومواثيقه. وفوق ذلك كله، فإن الأنظمة العربية الحديثة عجزت دوماً عن مواجهة الدولة العبرية، الدولة المسلحة إلي أسنانها والمتمتعة بدعم أمريكي وغربي واسع النطاق. بدون حزب الله لم يكن من الممكن تحرير الجنوب اللبناني في 2000، وبدون حزب الله ما كان يمكن للبنان ان يقف هذا الموقف الشجاع للدفاع عن نفسه. العدوان الإسرائيلي المستمر طوال ثلاثة أسابيع قدم الدليل الأبلغ علي ضرورة ان يحتفظ الحزب بسلاحه، بل وضرورة ان يتسع نطاق التسلح الشعبي في لبنان علي نطاق الجنوب اللبناني كله، مسيحييه وشيعته وسنته. التسلح لن يوفر للبنان القدرة علي الدفاع عن نفسه وحسب، بل وردع الدولة العبرية ودفعها إلي التفكير عشرات المرات قبل ان تشن حرباً أخري في المستقبل.
وليس هناك من شك في ان العدوان علي لبنان قد أثار العرب والمسلمين كافة، لا سيما في دائرة الصراع التاريخية مع المشروع الصهيوني. كما ان ليس هناك من شك في أن الغضب الذي اشتعل في الشارع العربي ضد الأنظمة العربية هو غضب مبرر. الأنظمة العربية، لاسيما أنظمة الدول العربية الرئيسية، تنفق بسخاء ومن قوت الشعب وثرواته علي التسلح والمؤسسات الأمنية. ولكن الشعوب لا تري وظيفة لجيوشها ولا مؤسساتها الأمنية إلا قمع القوي الداخلية المعارضة أو التحوط من الدول العربية المجاورة. والعدد الأكبر من الأنظمة العربية يحتفظ بعلاقات وثيقة بالقوي الغربية وعلي رأسها الولايات المتحدة. ولكن هذه العلاقات لم توفر حماية للبنان وفلسطين، ولا حتي للأطفال اللبنانيين والفلسطينيين. إضافة إلي ذلك، عقدت دولتان عربيتان معاهدتي سلام مع الدولة العبرية، بينما ترتبط دول أخري بعلاقات دافئة بالإسرائيليين، علي هذا المستوي أو ذاك. وبالرغم من ذلك، فليس ثمة دليل علي ان هذه العلاقات تلعب دوراً ما في كبح جماح الوحش الدموي الإسرائيلي المسلح. علي العكس، باتت هذه العلاقات تستخدم لتوفير غطاء عربي للعدوان الإسرائيلي علي العرب. الغضب العربي والإسلامي الشعبي مبرر بالتأكيد؛ ولكن السياق الذي يأخذه هذا الاستهداف الاستئصالي للعرب والمسلمين، والتاريخ المحبط للدور الذي تعهدته الدول العربية والإسلامية في مواجهة المشروع الصهيوني يتطلب نمطاً جديداً ومختلفاً من التفكير والعمل الشعبي.
يمر العرب بواحدة من أكثر فترات تاريخهم حرجاً؛ إذ تتمتع المنطقة العربية بمستويات من التعليم والمعرفة والثروة والطاقات الإنسانية والطبيعية لم تتمتع بها منذ بداية العصر الإمبريالي. ولعل هذا ما يفسر بشاعة الهجمة التي يتعرضون لها، والسعي الدموي الوحشي الذي يصل إلي حد الإبادة لمنع خروجهم من عنق الزجاجة التاريخي. في المقابل، تقدم الدولة العربية الحديثة، من مرحلة إلي أخري، الدليل تلو الآخر علي عجزها عن الدفاع عن شعبها وبلادها. الدولة العربية عاجزة عسكرياً، وقد عانت هذه الدولة من الهزيمة في كل مواجهاتها مع الدولة العبرية. الفرق الوحيد بين مواجهة وأخري كان مستوي وعمق وكلفة الهزيمة. وتبدو الدولة العربية وكأنها تخلت عن النظام العربي، وقد ترك كبارها الشعوب الصغيرة منفردة في مواجهة توازن قوي عالمي ظالم. الدولة العربية عاجزة عن صناعة الرفاه لشعبها، سواء علي مستوي السياسات أو علي مستوي التصدي لقوي النهب العالمية. تدير الدولة العربية مؤسسة تعليمية قاصرة، ودبلوماسية هزيلة، وسياسات عمل لا ترقي بالأمم الكريمة، وقضاء يفتقد إلي ركائز العدل والإنصاف. الأغلبية العظمي من الإنجازات العربية تتحقق بمعزل عن الدولة، في القطاعات التعليمية والاقتصادية الخاصة، أو بمبادرة من القوي الشعبية. بغض النظر عن الجدل الواسع الذي أثارته تصريحات زعماء ومسؤولين عرب في الأيام الأولي من الحرب، فإن دولة عربية واحدة لم تستطع ان تساهم مساهمة ملموسة في إيقاف العدوان علي لبنان، لا عسكرياً ولا سياسياً ولا دبلوماسياً؛ بل ان التحركات العربية لم تبدأ إلا بعد انفجار الغضب الشعبي العربي. ثمة خلل جوهري في بنية الدولة العربية، خلل هو في أساس هذا العجز والإخفاق. وهذا ما يستدعي نهجاً جديداً للعمل الشعبي.
أولاً: علي الشعوب العربية وقواها الشعبية ان تسعي فعلاً وفوراً وبتصميم لا يلين إلي التسلح، بموافقة الدولة أو بعدم موافقتها. ولكن دائماً بمعزل عن ارتباطات وقيود مؤسسة الحكم الرسمية. الدولة لن تستطيع حماية البلاد ولا الشعب ولا مقدرات الأمة. هذه ليست نزعة للمغامرة، بل هي النتيجة الوحيدة الممكن استخلاصها من نصف قرن من الصراع ومن المناخ الدولي المحيط. مهما كان منطق من يعرف بالعقلاء والمعتدلين العرب فإن الجسم العربي والإسلامي ليس مستعداً لقبول الدولة العبرية كعضو طبيعي في هذه المنطقة من العالم. والدولة العبرية، تسلحاً وعدواناً وكراهية، لا تقوم إلا بتعزيز هذا الرفض العربي الإسلامي. القوي الشعبية هي وحدها من استطاع إيقاع الهزيمة بالدولة العبرية ودحرها، من الانتفاضة الفلسطينية الأولي، إلي الحرب اللبنانية الإسرائيلية الطويلة من 1982 إلي 2000. علي الشعوب العربية ان تدير ظهرها تماماً لمطلب التصدي العربي العسكري الرسمي للدولة العبرية. الجيوش العربية لم تؤسس لكسب مثل هذه المواجهات، وحتي إن كانت، فإن ميزان القوي الدولي لن يسمح لها بالانتصار. من يستطيع تحمل أعباء هذه المواجهه هو الشعب، هو القوي غير الخاضعة للموازين والارتباطات والقيود الدولية. القوي التي لا يمكن ان تهزم لأنها تلتحم بالشعب ولا تنتظم في معسكرات ومطارات، بل هي الشعب.
ثانياً: ان مثل هذا التوجه لابد ان يصاحبه تضافر القوي السياسية العربية والإسلامية لوضع حد قاطع ونهائي للعنف الداخلي، الذي اندلع منذ سنوات بين بعض التيارات الإسلامية والأنظمة الحاكمة. يجب ان يصبح واضحاً ان التسلح الشعبي غير الرسمي لا يستهدف ولن يستهدف في أي حال من الأحوال الأنظمة الحاكمة أو فتح معارك داخلية علي هذه الصورة أو تلك. التزم حزب الله، كما التزمت قوي المقاومة الفلسطينية، طوال سنين، بتجنب الصراعات الداخلية، وعدم السماح بتوجيه السلاح إلي الداخل، مهما بلغت الخلافات والتوترات الداخلية. وبالرغم من صعوبة إقناع الأنظمة الحاكمة بالتخلص من شكوكها في توجه القوي الشعبية نحو التسلح، فإن التزاماً مثل ذلك الذي أظهرته المقاومة الفلسطينية واللبنانية سيأتي بثماره علي المدي البعيد.
ثالثاً: إن هذا التوجه لا يعني تحرير الأنظمة من كل مسؤولياتها. ففي مقابل الاقتطاعات العسكرية الهائلة من ميزانيات التنمية، لابد ان تصبح الجيوش العربية قادرة علي الدفاع عن بلادها وشعبها في مواجهة العدوان، ليس بهدف هزيمته (فهذا أمل ما يزال بعيداً)، ولكن بإيقاع خسائر ملموسة في صفوف المعتدين. الدول العربية غير مطالبة بالتخلص من التزاماتها الدولية، وليست مطالبة بحسم الصراع العربي الإسرائيلي، ولكنها مطالبة بتبرير برامج التسلح وتسويغ معني وجود جيوش بهذا الحجم الي وصلت إليه الجيوش العربية.
رابعاً: وفي ضوء أزمة الدولة العربية المستحكمة، لابد ان تمتد توجهات الدفاع الشعبي عن الذات إلي كافة دوائر الاجتماع العربي والإسلامي الأخري. علي المجتمعات العربية ان تتعهد بنفسها وقدراتها الذاتية أكبر قطاع تعليمي ممكن؛ أن تضغط في اتجاه تحويل الاقتصاد العربي إلي اقتصاد انتاجي لا اقتصاد سياحة وسمسرة وخدمات، وأن يكون القطاع الأكبر منه في يد الناس لا الدولة؛ وأن تبدأ في إقامة مؤسسات شعبية محلية، مستقلة عن سلطة الدولة القانونية والعدلية، للفصل في النزاعات وتحقيق الحقوق. الهدف من هذا كله هو تقليص الفضاء الهائل الذي تحتله الدولة في الحياة العربية والإسلامية. إن تضخم الدولة لم يجر علي شعوبنا سوي الإخفاق والهزيمة والعجز؛ وقد بات علي الشعوب والمجتمعات التعامل مع تضخم الدولة وإخفاقاتها ليس بالشجب المتكرر وحسب، بل وبتوجه جاد وفعال وملموس لأن تحل القوي والمؤسسات الشعبية والمجتمعية، القديم منها وما تستدعي الشروط بناءه، محل الدولة، ما أمكنها ذلك. ما شهده لبنان، علي المستوي التعليمي والاجتماعي التضامني والتسلحي، خلال السنوات القليلة الماضية، خاصة في المناطق التي يتمتع فبها حزب الله بالنفوذ، لابد ان يصبح نموذجاً يحتذي لا شذوذاً ينبغي التخلص منه. بدون هذا التحول في البنية العربية سيصعب في النهاية حسم صراع الوجود الذي يخوضه العرب والمسملون منذ عقود طويلة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.