تكشف الاعتداءات الإسرائيلية علي لبنان الكثير من حقائق ومواقف الاطراف المختلفة في الشرق الاوسط، كما تكشف الكثير من الاوضاع والحقائق الاقليمية والدولية. ذلك ان تلك الاعتداءات ليست مجرد رد علي عملية حزب الله "الوعد الصادق" والتي قام خلالها بأسر جنديين اسرائيليين وقتل عدد اخر في عملية عسكرية صرفة، وانما لتلك الاعتداءات اهداف اخري اظهرتها تطورات الموقف. ذلك ان الموقف اخذ في التطور، واظهرت الاطراف المختلفة نياتها واهدافها المباشرة وما تتطلع الي تحقيقه من وراء تلك المواجهات العسكرية والسياسية. صواريخ حزب الله فحزب الله باعتباره مفجر المواجهات الحالية اختار المبادأة والتوقيت الذي حدده لتفجير مواجهة يعرف يقينا انها ستتطور وتهدد بان تتحول الي حرب اقليمية واسعة في حدها الادني قيام اسرائيل بتدمير وقصف مواقع حزب الله ومؤسساته والقيام بعملية تهجير جماعية لسكان الجنوب، ويمكن ان تصل في حدها الاقصي الي اجتياح اسرائيلي شامل للجنوب علي غرار ما حدث عام 1982. وبالتالي فحزب الله لم يفاجأ بردود الفعل الاسرائيلية وبدا انه مستعد لها، وبالتالي جاءت عمليات اطلاق الصواريخ متوسطة المدي علي حيفا ومناطق اخري في شمال اسرائيل وضرب مدمرة اسرائيلية واحداث خسائر كبيرة بها، ليكشف عن استعداد الحزب لمواجهة مفتوحة باستخدام وسائل قتالية حديثة ومتطورة مثلما يتاح للجيوش في الحروب التقليدية والنظامية. ويراهن حزب الله علي ضخ دماء جديدة للمقاومة الفلسطينية حيث الجبهة الفلسطينية مفتوحة ومشتعلة بالفعل، وهو ما يشير الي وجود تنسيق مع حركة حماس لتنشيط جبهات المقاومة ضد اسرائيل. ولابد ان هناك حسابات اخري وضعها حزب الله في حسبانه في اطار المواجهة الحالية مع اسرائيل ، قد تشمل عمليات استشهادية تحدث خسائر كبيرة لدي اسرائيل ، حيث تتعدد الاهداف وتتنوع في داخل اسرائيل وخارجها. ولابد ان حزب الله يراهن ايضا علي تحريك الشارع العربي، وايجاد حالة ضغط علي الحكومات العربية حدها الادني ايضا ايقاف علاقات التطبيع العربية مع اسرائيل وحدها الاقصي سحب السفراء العرب من اسرائيل وتجميد الاتفاقيات، واحداث ازمة في العلاقات العربية - الامريكية والتوجه نحو مجلس الامن لتفعيل قراراته. وبالطبع فان لدي حزب الله اهدافا اخري علي الساحة السياسية اللبنانية بعد ان اصبح يتعرض لضغوط كبيرة من جانب اطراف سياسية لبنانية كبيرة لنزع سلاحه، واعادة انتشار الجيش اللبناني في الجنوب وتحويله الي حزب سياسي فقط خاصة انه اصبح ممثلا في البرلمان بنواب وفي الحكومة بوزراء ولا يجوز ان يمارس الحزب دورا من ادوار الدولة في النواحي الدفاعية والعسكرية، علاوة علي ان اتفاق الطائف والقرار 1559 نصا علي ضرورة تفكيك الميليشيات اللبنانية، وهو مطلب اصبح متصاعدا بعد انسحاب اسرائيل من جنوب لبنان عدا مزارع شبعا التي يوجد حولها خلاف هل هي لبنانية ام سورية خاصة ان اسرائيل احتلتها في حرب 1967 ضد سوريا. وهناك بعد اقليمي اخر في حسابات حزب الله خاص بالتحالف مع سوريا وايران، وكلا البلدين يتعرض لضغوطات دولية كبري وعقوبات ادت الي انسحاب القوات السورية من لبنان بعد اغتيال رئيس الوزراء الاسبق رفيق الحريري، وتتعرض ايران لضغوط اكبر بسبب برنامجها النووي. ولابد ان هناك حسابات اخري لحزب الله اضافة الي تحديه لاسرائيل ورغبة الحزب في تغيير قواعد اللعبة السياسية في المنطقة، فلم تكن عملية حزب الله عملية في الهواء غير محسوبة العواقب. توظيف إسرائيلي اما إسرائيل فانها تريد تغييرا جذريا في قواعد اللعبة تجاه علاقاتها بالوضع اللبناني برمته، ولذلك استهدفت من خلال عدوانها تدمير جزء كبير من البني التحتية "كباري، طرق، مطارات، محطات كهرباء، وغيرها" خاصة في الجنوب والضواحي ذات الكثافة الشيعية في العاصمة بيروت.. بحيث تصبح الحكومة اللبنانية طرفا مباشرا في قواعد اللعبة الجديدة وتجبرها علي اتخاذ مواقف سياسية حاسمة ضد ما تسميه إسرائيل النفوذ السوري والايراني في لبنان، وكذلك التحرك ضد حزب الله واجباره علي التحول فقط الي حزب سياسي وتفكيك ميليشياته المسلحة وان تبسط الدولة نفوذها بالكامل علي النواحي الامنية. ان الظروف الاقليمية والدولية تصب في صالح إسرائيل ، بخلاف ظروف 1982 حيث يوجد اجماع لدي معظم الدول المعنية بالوضع اللبناني واستقراره علي اضعاف العامل السوري- الايراني الذي ما زال يؤثر علي الوضع الداخلي ومن خلال انهاء الدور العسكري لحزب الله الحليف المباشر لدمشق وطهران. تجاوزت إسرائيل المطالب الاولية بالافراج عن الجنديين الاسيرين بسلسلة شروط اهمها ابعاد حزب الله الي ما وراء نهر الليطاني، وبسط الجيش اللبناني سيطرته علي الجنوب وبصفة خاصة الشريط الحدودي. كما تراهن إسرائيل علي اضعاف العلاقة بين الشعب اللبناني والمقاومة، عبر تحميل المدنيين فاتورة ضخمة لعمليات حزب الله عبر تدمير شامل للمدن والقري في الجنوب، وتهجير الالاف من جنوب لبنان نحو الشمال بما يمثله ذلك من عناصر ضاغطة علي الحكومة اللبنانية من ناحية وحزب الله من ناحية اخري، حيث لن يكتفي عدد كبير من المدنيين بالقاء اللوم علي إسرائيل ، وانما ستمتد الانتقادات الي حزب الله لادخاله لبنان في مغامرات عسكرية غير متكافئة اقرب الي كونها عملية انتحار جماعي يساق لها عدد ضخم من الشعب اللبناني رغما عنه، اضافة الي لوم الحكومة لعجزها الدائم عن القيام بمهامها واولها الدفاع عن الشعب والارض. سوريا وإيران.. ألعاب إقليمية الدور السوري في الحرب الدائرة حاليا هو دور غير مباشر، ذلك ان سوريا التي تتعرض منذ اغتيال رئيس الوزراء اللبناني الاسبق رفيق الحريري لضغوط دولية كبيرة اثمرت عن سحب قواتها من لبنان، وخضوع عدد من كبار مسئوليها للتحقيق الدولي، وهروب نائب الرئيس الاسبق عبدالحليم خدام الي الخارج وشنه حربا سياسية ضد النظام، هي مجموعة عوامل من عوامل اخري تساهم في وضع ضغوط كبيرة علي سوريا. وبالتالي فهناك من المحللين الغربيين بالذات من يري ان هناك دورا لسوريا في دفع حزب الله للقيام بهذا التصعيد، حيث تزداد اهمية سوريا الاستراتيجية في ظل تصاعد الازمة عبر الدور الذي يمكن ان تقوم به في تهدئة الاوضاع في لبنان، خاصة اذا ما انفجرت الاوضاع داخليا وتحول الانقسام السياسي الحاد بين القوي السياسية الي مواجهات اعنف حيث تبدو سوريا من خلال تجربة تطبيق اتفاق الطائف الطرف القادر علي لجم وضبط الاوضاع في لبنان. وهناك من يري ايضا ان سوريا عبر التنسيق مع حزب الله مارست ولا تزال ضغطا كبيرا علي القوي والاحزاب اللبنانية التي طالبت بانهاء أي علاقة مع سوريا واخراجها من الساحة اللبنانية تماما، خاصة ان هذه القوي كبرت وعلا صوتها وضمت احزابا كانت تقليديا مع السياسة السورية مثل الحزب التقدمي الاشتراكي بزعامة وليد جنبلاط الذي كان حليفا لسوريا في السابق استمرارا لسياسة والده كمال جنبلاط الذي كان في قيادة الاحزاب والقوي الوطنية المتحالفة مع المقاومة الفلسطينية وسوريا اثناء غزو 1982. اما ايران التي تعيش ضغوطا دولية مماثلة هي الاخري بسبب برنامجها النووي، فهي تريد ان توجه رسالة عبر صواريخ حزب الله المحدودة بشكل الحرب التي يمكن ان تقع في حالة اقدام الولاياتالمتحدة علي ضرب برنامجها النووي. وربما يفسر ذلك عدم التدخل الامريكي واطلاق يد اسرائيل في القيام بعمليات عسكرية متصلة وبعنف بالغ في اصرار علي كسر ارادة وقوة حزب الله، واخراجه نهائيا من الساحة اللبنانية كقوة عسكرية استعدادا للمواجهة القادمة مع ايران. أمريكا والقنوات السرية للتفاوض وقد تؤدي القنوات السرية للتفاوض وهي مفتوحة دائما سواء بشكل مباشر او غير مباشر، الي قيام سوريا وايران بدور في التهدئة وابرام صفقة في جنوب لبنان تقضي بابعاد ميليشيات الحزب الي ما وراء نهر الليطاني كما تطلب إسرائيل والافراج عن الجنديين، مقابل افراج إسرائيلي عن عديد من الاسري اللبنانيين وايقاف الاعتداءات ونشر الجيش اللبناني في الجنوب والاعتراف بدور هام لسوريا في لبنان وتخفيف الضغوط عليها باعتبارها عنصرا فاعلا له وزن اقليمي ونفس الامر ينطبق تقريبا علي الموقف الايراني حيث تجري مفاوضات حول الحوافز الاوروبية لايران لاخضاع برنامجها النووي للمراقبة والاشراف الدولي، والاعتراف بالتأثير والدور الايراني في لبنان وقبل ذلك في العراق يعطي لايران قوة تأثير اقليمية كبري ويغير من قواعد اللعبة في الضغط عليها. ولا يمكن تصور ان تتجاهل الولاياتالمتحدة دور وتأثير سوريا وايران في العراق ولبنان وكذلك علي الساحة الفلسطينية، ولا تعتمد اي حلول سوي الضغوط وبالتالي فامكانية التفاهم والصفقات واردة بشدة باكثر من امكانية التصعيد ضدهما. ولكن المشكلة ان السياسة الامريكية تستبعد بوضوح اي دور لايران وسوريا رغم تأثير البلدين الكبيرين، كما ان الادارة الامريكية ترفض عقد اي صفقات مع من يعتقد بانه يؤيد الارهاب حيث ينظر الي حماس وحزب الله بانهما منظمتان ارهابيتان وإلي ايران وسوريا بانهما دولتان راعيتان للارهاب. وقد يكون الحل ان تجري المفاوضات بشكل غير مباشر في طريق مصر والاردن والسعودية، خاصة ان تلك الدول اتخذت مواقف معتدلة في الازمة الحالية. شروط الاممالمتحدة الاممالمتحدة لا تريد تمديدا تقليديا لقوات الطوارئ التي تنشرها في الجنوب، وانما تريد اتفاقا جديدا مع الحكومة اللبنانية لتطوير عمل ومهام تلك القوات، الي جانب ربط هذا التمديد بنشر الجيش اللبناني لقواته في الجنوب وتفكيك اي تواجد لميليشيات حزب الله المسلحة وغيرها من الجنوب. وجاءت شروط الاممالمتحدة متسقة مع بيان مجموعة الثماني التي حددت 4 شروط لوقف اطلاق النار تقترب من الشروط الاسرائيلية اولها اطلاق سراح الجنود الاسرائيليين لدي حزب الله وحماس، وايقاف اطلاق الصواريخ من قبل اللبنانيين والفلسطينيين، ثم انهاء العمليات الاسرائيلية والانسحاب من غزة والافراج عن النواب والوزراءالفلسطينيين المحتجزين في غزة. ولانه لا يمكن تمرير قرار في مجلس الامن دون توافق هذه الدول بشكل اساسي، فان تلك الشروط قد تشكل معالم الحل الوحيد الذي يجري الاعداد له لتمريره في مجلس الامن كصفقة متكاملة، بعد ان حصلت إسرائيل علي الفرصة الكاملة للقيام بكل ما تريد القيام به من عمليات تدمير وانتقام، والضغط علي الساحة اللبنانية الداخلية لتغيير موازين القوي الداخلية بعد اضعاف حزب الله وتدمير قواه ليسهل سحبه الي ما وراء الليطاني، وتمكين الحكومة اللبنانية من نشر الجيش اللبناني علي الحدود وفي الجنوب، ثم اعطاء رسالة مناسبة لسوريا وايران. ويبقي التساؤل هل ينجح السيناريو الإسرائيلي ام ان لدي حزب الله مفاجآت اخري قادمة يستطيع من خلالها تغيير معادلات وموازين القوي الحالية، وهو ما لم تنجح فيه الدول العربية حتي الان؟ الاجابة تحملها التطورات الملتهبة في لبنان علي ايقاع العدوان الإسرائيلي والتضحيات اللبنانية الرهيبة والتي يدفعها الشعب اللبناني يوميا الفخ الايراني إسرائيل لن تخرج رابحة من هذه الحرب، ولكنها تتسبب في اذكاء العدوان ضدها، وجهود مصر شملت الاتصال بإسرائيل لكي تنتظر وتفكر في الخطوة التالية التي يتعين القيام بها بعد عملية حزب الله، وطلبنا من سوريا ان تتحدث مع حزب الله، وطلب الايرانيون منا حضور الاجتماع الطارئ لوزراء الخارجية العرب وتشكيل لجنة من مصر وبعض الدول وحماس وحزب الله للبحث في حل المشكلة، لان بامكان مصر الاتصال بالاسرائيليين والعرب، ولكن مصر وجدت ان هذا الموضوع سيكون فخا ينطوي علي صعوبة في ظل مطالب حزب الله التي سترفضها إسرائيل ، وبدا لنا اننا نحن الذين نتصل باسرائيل سيكون موقفنا حرجا.