وانتصر الرأي الأوروبي أخيرا في كيفية تشكيل قوات الطوارئ الدولية علي الحدود اللبنانية الاسرائيلية ولعبت الحكومة الايطالية اليسارية دورا بارزا في تحديد دور ومهمة هذه القوات وبشكل يختلف تماما عن وجهة النظر الامريكية المعلنة. لقد كان قرار 1701 الذي صدر عن مجلس الامن بوقف العمليات العسكرية وارسال قوات طوارئ دولية لمساعدة الحكومة اللبنانية علي بسط سلطتها علي كل الاراضي اللبنانية بما في ذلك نشر الجيش اللبناني في الجنوب قرارا عاما. وبينما حاولت الولاياتالمتحدةالامريكية ومعها اسرائيل والي حد ما فرنسا تفسير القرار في اتجاه نزع سلاح حزب الله في الجنوب وتوسيع مهمة قوات الطوارئ لتأخذ مواقعها علي طول الحدود اللبنانية اي تواجدها علي الحدود السورية اللبنانية ايضا. وكان لايطاليا ولعدد اخر من الدول الاوروبية رأي اخر لخصه مايسمو داليما وزير خارجية ايطاليا وسكرتير عام حزب اليسار الجديد بان قوات الطوارئ وفقا لقرار مجلس الامن تقف علي الحدود اللبنانية الاسرائيلية فقط ولا سبيل الي توسيعها لتشمل سوريا ومن ناحية اخري فان نزع سلاح حزب الله هي قضية لبنانية داخلية تخص السلطات اللبنانية وحزب الله المشارك في الحكومة. وكان الاجتماع الحاسم الذي عقده وزراء خارجية دول الاتحاد الاوروبي وكوفي عنان سكرتير عام الاممالمتحدة هو الذي وضع النقاط علي الحروف بالنسبة لمهمة ودور قوات الطوارئ في لبنان، بل ان الحماس الايطالي لارسال اكثر من الفي جندي ايطالي مساهمة في تلك القوات واستعداد ايطاليا لقيادتها هو الذي دفع فرنسا الي اعادة النظر مرة اخري في موقفها من الاشتراك الرمزي في القوات الدولية والاعلان عن استعدادها لارسال 1800 جندي فرنسي وقيادة قوات الطوارئ حتي فبراير القادم. وقوات الطوارئ الدولية او قوات حفظ السلام ليست جديدة علي لبنان فلقد كانت هذه القوات موجودة منذ عام 1978 حوالي 1900 جندي وذلك وفقا لقرار مجلس الامن 425 بعد الاعتداءات الاسرائيلية المتكررة علي الحدود اللبنانية. وحينما قامت اسرائيل بغزو لبنان سنة 1982 لم تتدخل هذه القوات واتخذت موقفا حياديا بل ان اسرائيل لم تتردد سنة 1995 في ضرب مقر اليونيفيل وهي اختصار لقوات الطوارئ التابعة للامم المتحدة في لبنان، وقتلت في هذه الغارة الحمقاء المئات من أهل قرية قانا الحدودية التي لجأت الي مقر القوات الدولية هربا من القصف الاسرائيلي العشوائي للمنازل للمدنيين وكانت مذبحة قانا الاولي والتي راح ضحيتها بضع مئات من الاطفال والنساء وكما كان السبب في الاطاحة بالدكتور بطرس غالي سكرتير الاممالمتحدة في ذلك الوقت واعتراض امريكا علي التجديد له لفترة ثانية بعد التقرير الذي اصدرته الاممالمتحدة يدين فيه اسرائيل لقيامها بتلك المذبحة والعدوان علي قوات الاممالمتحدة عمدا مع سبق الاصرار. وخلال العدوان الاسرائيلي الاخير علي لبنان قصفت الصواريخ الاسرائيلية بعض مواقع اليونيفيل مما ادي الي مقتل 4 من القوات الدولية وضاع احتجاج كوفي عنان السكرتير الحالي للامم المتحدة في مواجهة الموقف الامريكي الذي كان يعطي لاسرائيل الحق في اي هجوم او عدوان باعتبار ان ذلك شكلاً من اشكال الدفاع عن النفس حتي ولو كان هجوما علي الاممالمتحدة نفسها. ويرجع تاريخ القوات الدولية او قوات حفظ السلام اذا استثنينا تدخل قوات الاممالمتحدة في الحرب الكورية تحت الراية الامريكية الي منتصف الخمسينيات وتحديدا بعد العدوان الثلاثي علي مصر سنة 1956 وتشكيل قوات دولية للاشراف علي انسحاب القوات الاسرائيلية والانجليزية والفرنسية من سيناء وبورسعيد وتحديد بعض نقاط المراقبة علي الحدود المصرية مع اسرائيل وكذلك قطاع غزة والذي كان في ذلك الوقت تحت الاشراف الاداري المصري. ثم اتسع بعد ذلك دور قوات الطوارئ او قوات حفظ السلام الدولية في الكونغو سنة 1960 حيث قتل الزعيم الكنغولي باتريس لومومبا رغم تواجدها ثم في قبرص سنة 1977 بين الشطرين التركي واليوناني ثم ناميبيا واريتيريا واوغندا والبوسنة والهرسك والصومال وافغانستان واصبحت قوات الطوارئ الدولية إحدي المؤسسات المهمة في الاممالمتحدة وتتواجد حاليا في 15 منطقة حساسة وفي مناطق الصراع الساخن في الشرق الاوسط وفي افريقيا وآسيا وأوروبا وامريكا اللاتينية. وتختلف القوات الدولية التابعة للامم المتحدة عن اشكال اخري من القوات التي تتدحل في بعض النزاعات والحروب مثل قوات حلف الاطلنطي التي اخذت علي عاتقها تنفيذ قرارات الاممالمتحدة في النزاعات العربية والبوسنية وفي كوسوفو، كما قامت قوات حلف الاطلنطي بالتدخل في افغانستان ولا ننسي انه كان هناك اقتراح اسرائيلي وبموافقة امريكية في البداية بارسال قوات تابعة لحلف الاطلنطي الي الحدود اللبنانية وهو الامر الذي ووجه برفض شديد من الحكومة اللبنانية بل ومن اوساط اوروبية مهمة. كما ان هناك قوات خاص تنص عليها بعض الاتفاقيات والمعاهدات او ما يسمي بالقوات المتعددة الجنسيات وهي في الواقع صيغة امريكية لاستبعاد قوات الاممالمتحدة وابرز مثال علي تلك القوات هي الموجودة حاليا علي الحدود المصرية الاسرائيلية بعد اتفاقية كامب ديفيد. والذي يقرر ارسال قوات الطوارئ الدولية التابعة للامم المتحدة هو مجلس الامن وهناك ادارة خاصة لاختيار كبار الضباط العسكريين وضباط الاركان والدولة المشاركة وحجم المشاركة. ومشكلة المشاكل في هذه القوات التابعة للامم المتحدة اصحاب الخوذات الزرقاء هي التمويل، فهناك دول فقيرة تحرص علي المشاركة في هذه القوات مثل سريلانكا وبنجلاديش وعدد اخر من الدول الافريقية ولكنها لا تستطيع تحمل نفقات قواتها لذلك زادت نفقات قوات السلام خلال العقدين الماضيين لتصل الي اكثر من 20 مليار دولار وقدرت ميزانيتها سنة 2005 بحوالي 8.8 مليار دولار. وقد تعرضت الخوذات الزرقاء لمواقف حرجة كثيرة منها ما حدث في سيراليون منذ عدة سنوات عندما اسرت القوات المتمردة حوالي 500 من قوات الاممالمتحدة ومنها سحل بعض الجنود الامريكيين الذين شاركوا في القوات الدولية في الصومال سنة 1993 ومنها ايضا ما ثبت من ان البعض من هذه القوات كان يقوم باعمال تهريب للبشر والاموال عبر الحدود ووصلت في بعض الحالات الي التجارة في الجنس. لقد قامت الاممالمتحدة طوال تاريخها باكثر من 30 مهمة لاطفاء الحرائق المشتعلة في الاماكن الملتهبة، وقد نجحت في بعضها مثل البوسنة وكوسوفو وناميبيا وكمبوديا وتيمور الشرقية ولكن اصحاب القبعات الزرقاء مازالوا عاجزين علي ان يلعبوا دورا لاطفاء حرائق الشرق الاوسط التي مازالت مشتعلة. تري هل ينجحون هذه المرة؟!